من مصر، أحمد حجاب يكتب: جرائم الذكورية السامة المعروفة إعلاميا بجرائم الشرف
بشكل واعي أو غير واعي، يتم التعامل مع النساء والفتيات منذ ميلادهن على أنهن لسن بشرا. عندما نشبه الفتيات والنساء بالجواهر المصونة والمصاصات وقطع اللحم والسجائر وحتى السيارات، نساهم بشكل ما في ثقافة التشييء؛ فهي ليست إنسانا. إنها جوهرة. إنها قطعة لحم…
تحذير: المقال يحتوي قصص عنف.
يرجع الى قريته الصغيرة من بورسعيد، محل عمله. يقابل صديقه على ناصية الشارع واقفا مع آخرين. يسأله صديقه إذا كانت فاطمة، أخته الصغيرة، ذات الستة عشر عاماً، تعرف ذلك الشاب من القرية المجاورة… لقد رآهما يتحدثان سوياً.
يشعر الأخ بالحرج أمام الأصدقاء. كون أخته تحدث شخصا غريبا يضرب في موروثه الشخصي عن كونه “رجلا”… يذهب الأخ إلى البيت ليعاتب أخته، فينتهي به الأمر إلى قتلها.
هل انتهت القصة؟ لا! كشفت الطبيبة الشرعية ومفتش صحة المركز على جثة فاطمة ليعلنا أن “الطفلة عذراء”.
من افترض أن الطفلة ليست عذراء؟ لماذا تتم مناقشة عذرية الضحية في جريمة قتلها؟ ربما أراد القاتل أن يهرب من المسؤولية بالتشكيك في تصرفات أخته الصغيرة الطفلة، مما يبرر له قتلها وتخفيف الحكم عنه؟
عن ماذا كان يدافع القاتل عندما قتل أخته؟ أدفاعاً عن إحراجه أمام أصدقائه أم ربما مكانته وسط شباب القرية الذي شكك في أخته وتلاعب به بكل سهولة؟
تساءلت كثيرا عن الدافع الذي قد يدفع أخا لقتل أخته، أو أبا لقتل ابنته. هل تربطهم علاقات عائلية طبيعية مثل التي نعرفها؟ هل يحب الأب ابنته؟ هل يحضنها عندما يعود من العمل؟ هل يحترم الأخ أخته ويعاملها كمصدر فخر أم كمصدر للعار؟
الحقيقة أن هذا “الأخ” قاتل لم يكن يدافع عن أي شيء؛ وعلينا أن نتوقف عن ترديد عبارات من قبيل: “يدافع عن شرف العائلة” في جرائم القتل داخل إطار الأسرة… لعل المشرع، حينها، يسعى بدوره لإلغاء هذه القوانين البالية لنكتب جميعا قوانين أكثر عدالة.
سنعود إلى قصة فاطمة… لكن، دعنا نتعرف على “التشييء”، وهو تحويل الاشخاص الى أشياء ونزع الإنسانية عنهم. هذا ما يحدث للنساء والفتيات في عدد من العائلات وفي المجتمع بشكل عام. بشكل واعي أو غير واعي، يتم التعامل مع النساء والفتيات منذ ميلادهن على أنهن لسن بشرا. عندما نشبه الفتيات والنساء بالجواهر المصونة والمصاصات وقطع اللحم والسجائر وحتى السيارات، نساهم بشكل ما في ثقافة التشييء؛ فهي ليست إنسانا. إنها جوهرة. إنها قطعة لحم… قد يبدو حديثي غريباً، لكن ما أتحدث عنه هنا أمر نعيشه بشكل يومي دون أن ندرك خطورته. إنه واقع الفتيات والنساء يومياً في الشارع، في أماكن العمل، في التلفزيون، على الأنترنت.
وأنا أكتب هذا المقال، أستحضر بعض مقاطع أغنية شعبية كانت قد اجتاحت الأوساط المصرية قبل شهور، تمت كتابتها للاحتفاء براقصة شهيرة. تقول الكلمات: “آه يا قشطة بالزبادي، يا مكسرات يا محمصات، طب ده إنتي غلبتِ الحلويات، يا مقرمشات يا سواريهات، ملفولة لفة جاتوهات، طلقة جامدة حلوة موت، إنتي ليا بس، وأنا من غيرك بموت، حسي بيا حسي”.
مشهد آخر على الأنترنت لشاب أردني يتحدث في استطلاع رأي صحفي ويصرح أنه، إذا خالفت أخته رأي العائلة، سيقتلها! لم تكن ملامح الشاب تهتز، بل أنه تحدث عن قتله المحتمل لأخته بابتسامة كلها ثقة.
من افترض أن الطفلة ليست عذراء؟ لماذا تتم مناقشة عذرية الضحية في جريمة قتلها؟ ربما أراد القاتل أن يهرب من المسؤولية بالتشكيك في تصرفات أخته الصغيرة الطفلة
في كل مرة تطل علينا جريمة قتل داخل إطار الأسرة، نفزع فزعاً شديدا. يجتاحنا امتعاض من قسوة الجريمة… جزء من شعورنا يأتي من المقارنة بين ما نشعر به تجاه عائلاتنا وما شعر به القتلة تجاه الفتيات والنساء في عائلاتهم. تساءلت كثيرا عن الدافع الذي قد يدفع أخا لقتل أخته، أو أبا لقتل ابنته. هل تربطهم علاقات عائلية طبيعية مثل التي نعرفها؟ هل يحب الأب ابنته؟ هل يحضنها عندما يعود من العمل؟ هل يحترم الأخ أخته ويعاملها كمصدر فخر أم كمصدر للعار؟
كيف يتحول الأخ أو الأب أو ابن العم، في لحظات، إلى قاتل؟
الإجابة تكمن في تعريف الذكورية السامة التي يمكن أن نلخصها في التمسك بمجموعة من التصرفات العنيفة و إظهار القوة للتنافس من أجل الحفاظ على المكانة بين الرجال والسيطرة على الآخرين. من هنا، يستمد الكثير من الرجال أفكارهم عن الرجولة: لكي تصبح رجلا، يجب أن تكون عنيفاً، قوي البنية، يهابك الجميع، صامتا، لا تعبر عن مشاعرك، تعشقك كل النساء، تسيطر على كل الفتيات والنساء في محيطك، لا تتراجع في كلمتك، عصبي، تعرف كل شيء، غير ضعيف، إلخ.
يحاول الرجل في معظم الأوقات أن يحيط نفسه بذلك الإطار ولا يخرج عنه حتى لا يفقد رجولته ومكانته وسمعته؛ لأنه، بدون كل تلك الأشياء، سيقف وحيداً في أسفل مملكة الرجال. لن يستطيع أن يسير في شارع قريتهم. لن يستطيع أن يجلس مع عائلته. لن يرضى به أحد للزواج. لا يستحق كونه رجلا!
الحقيقة أن هذا “الأخ” قاتل لم يكن يدافع عن أي شيء؛ وعلينا أن نتوقف عن ترديد عبارات من قبيل: “يدافع عن شرف العائلة” في جرائم القتل داخل إطار الأسرة…
السيطرة على الفتيات والنساء أعلى مراتب الرجولة!
هذا ما وجدنا عليه آباءنا. نحن، كرجال في المجتمع الشرقي، نتعلم منذ الصغر أن أعظم مبادئ الرجولة هي السيطرة على الفتيات والنساء في عائلاتنا. تجد ذلك في الموروث الشعبي وفي جلسات العائلة وتفسير الرجال للأديان. تفسيرات وخُطب تخبرك بكل وضوح وإصرار وتحريض أن تصرفات النساء والفتيات في عائلتك ستكون سببا في دخولك الجنة من عدمه.
هل يعني هذا أن الرجال لا يملكون الاختيار؟
بالطبع نملك الاختيار! كل يوم يمر علينا كرجال يمكننا أن نختار أين نقف. آلاف المواقف يمكننا أن نختار بينها إذا أردنا أن لا نشجع العنف في دوائرنا، أن لا نسمح بالتحرش في دوائرنا، أن لا ننقل الإشاعات عن النساء في محيطنا سواء كانوا جاراتنا أو زميلات الدراسة أو العمل أو حتى نساء لا نعرفهن. يمكننا أن لا ننصح بممارسة العنف. أن لا نرسل رسائل جنسية لفتيات ونساء كوسيلة للتعارف. أن نتدخل دائماً لوقف تعنيف الأطفال والنساء حتى وإن لم نكن نعرفهم. يمكننا أن نكون أصدقاء بحق. أن نكون إخوة بحق. أن نكون آباء بحق. أن نثق أن الرجولة لا تعني العنف وكبت المشاعر بل تعني الثقة والتفاهم والحب.
مقالات قد تهمك:
- من اليمن، حسين الوادعي: كراهية النساء.. ذلك الاضطراب النفسي المجهول!
- الفيديوهات الجنسية المسربة: ضحَايا الوصاية المجتمعية الزّائفة! 2/2
- سابقة تاريخية في القضاء المصري: أول حكم قضائي بشأن التحرش الجنسي في أماكن العمل
- من تونس، مريم أولاد الشايب تروي حكاية ضحية للعنف الجنسي
- سناء العاجي: كلكم شركاء في الجريمة…
- نسل الأغراب… أو حينما يُطبع الفن مع تزويج الأطفال
- الأطفال المتخلى عنهم في المغرب: حين يصبح الحب جريمة بأرقام مرعبة 1/2
- الأطفال المتخلى عنهم في المغرب… أحكام فقهية تهدد مصير نصف المواليد خلال العشرين سنة المقبلة 2/2