وحد الأندلس وجعلها رقماً صعبا على مستوى العالم لكنه لم يهنأ إلا 14 يوماً في حياته… هذه حكاية أول خليفة للأندلس - Marayana - مرايانا
×
×

وحد الأندلس وجعلها رقماً صعبا على مستوى العالم لكنه لم يهنأ إلا 14 يوماً في حياته… هذه حكاية أول خليفة للأندلس

حكاية الناصر عرفت العديد من المحطات الهامة…
فترة حكمه أعادت القوة للأندلس فاستعادت مكانتها إسلامياً وعالميا.
من أبرز الخطوات التي قام بها هذا الأمير الشاب، تنصيب نفسه خليفة على المسلمين، عام 316 هـ، 929 م، ليصبح ثالث خليفة مسلم في زمانه، يتقاسم هذا اللقب مع العباسي المقتدر في بغداد، والخليفة الشيعي الفاطمي في المغرب.

يصفه الباحث ليفي بروفنسال بالقوة وربعة القامة وبطيبة الوجه والملامح العادية، كما أنه كان يملك عينين يقظتين زرقتهما قاتمة. تجري في عروقه دماء كثيرة ذات أصول أوروبية وآسيوية فأمه بشكنسية وجدته إبنة فورتون الأعور، فضلاً عن أصوله الأموية، فهو حفيد الأمير عبد الله بن محمد، توفي والده محمد فتكفل برعايته جده عبد الله ورباه أفضل تربية. لهذا، كان أنسب من يحمل إرثه الثقيل حينما توفي الجد وأحجم الأولاد عن استلام حكم دولة تتقاسمها الطوائف في مختلف الأجزاء.

تُجمع كتابات المؤرخين في زمانه وحتى المعاصرين على مدح الأمير الشاب الذي تسلم منصبه وهو في الثالثة والعشرين، وينقل بروفنسال بأنه كان أكثر أمراء أسرته سماحة، وهذا ما شكره له الكثير من أتباعه الذين عاشوا تحت عرش دولته من اليهود النصارى.

أسكنه جده معه بالقصر دون أولاده، وظهرت نجابته منذ صغره، وأبدى تفوقاً في العلوم والمعارف، ودرس القرآن والسنة وهو طفل لم يجاوز العاشرة، كما برع في النحو والشعر والتاريخ، ومهر بالأخص في فنون الحرب والفروسية، وهي أمور جعلت جده يثق فيه ثقة مطلقة.

يذكر ابن عذاري في البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب: “وفي سنة 350، توفى الناصر – رحمه الله -، وذلك في صدر رمضان منها. ووجد بخطه تأريخ قال فيه: (أيام السرور التي صفت لي دون تكدير في مدة سلطاني يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا.) فعدت تلك الأيام؛ فوجد فيها أربعة عشر يوما

يذكر الباحث، محمد عبد الله عنان في كتابه “دولة الإسلام في الأندلس”، بأن الأمير الفتى كان يرى أن خطة التردد والرفق التي اتبعها أجداده نحو الزعماء الخوارج كانت سياسة خطرة، ولم تكن ناجعة؛ وأنه لابد لاستتباب الأمن واستقرار السكينة، من سحق الثورة وزعمائها بأى وسيلة. نجح بالقضاء على خصوم واجهوا الدولة لعدة سنوات وقضى على النزعات الاستقلالية التي أبداها الكثيرون.

  خلافة عبد الرحمن

حكاية الناصر عرفت العديد من المحطات الهامة… فترة حكمه أعادت القوة للأندلس فاستعادت مكانتها إسلامياً وعالميا. لعل من أبرز الخطوات التي قام بها هذا الأمير الشاب، تنصيب نفسه خليفة على المسلمين، عام 316 هـ، 929 م، ليصبح ثالث خليفة مسلم في زمانه يتقاسم هذا اللقب مع العباسي المقتدر في بغداد، والخليفة الشيعي الفاطمي في المغرب، عبيد الله المهدي، مؤسسة الدولة الفاطمية.

كان الأمراء، قبل عبد الرحمن الثالث، يكتفون بلقب أبناء الخلفاء، وكان برأيهم الخليفة الشرعي هو حامي حمى الحرمين الشريفين. لكن عبد الرحمن لاحظ ضعف الحكم في بغداد وسيطرة الأتراك على الأمر هناك، كما أن الفاطميين في المغرب أسسوا دولة لهم ونصب إمامهم نفسه خليفة على المسلمين.

طلب عبد الرحمن أن تكون الدعوة له في مخاطباته وفي جميع ما يجري ذكره فيه، بأمير المؤمنين، وكتب: “وقد رأينا أن تكون الدعوة لنا بأمير المؤمنين، وخروج الكتب عنا وورودها علينا بذلك، إذ كل مدعو بهذا الاسم غيرنا منتحل له، ودخيل فيه، ومتسم بما لا يستحقه. وعلمنا أن التمادي على ترك الواجب لنا من ذلك حق أضعناه، واسم ثابت أسقطناه. فأمر الخطيب بموضعك أن يقول به، وأجر مخاطباتك لنا عليه، إن شاء الله. والله المستعان! وكتب يوم الخميس لليلتين خلتا من ذي الحجة سنة 316، بحسب ابن عذاري.

    جيرانه العرب

لم تكن علاقات الناصر مع جبرانه العرب قوية، فخلافاته مع بغداد ورثها عن أجداده، كما ظهر له خطر يترصده بالقرب من أرضه تمثل بتشكل الدولة الفاطمية في المغرب ذات المذهب الشيعي والمشاريع التوسعية.

يذكر الباحث محمد مختار العبادي في كتابه “في تاريخ المغرب والأندلس”، أن الفاطميين لطالما فكروا بغزو الأندلس ومهدوا لذلك بالدعاية الشيعية من جهة وبالجاسوسية من جهة أخرى، لمعرفة أحوال تلك البلاد ومواقع الضعف والقوة فيها.

لم يقف الناصر مكتوف الأيدي أمام مشاريع الفاطميين، فقد كان له أيضاً جواسيسه وعيونه، كما اتخذ عدة خطوات كان على رأسها تقوية أسطوله البحري وأمر بتشديد الحراسة على مضيق جبل طارق، كما عمل على تحصين الثغور الأندلسية الجنوبية المواجهة للغرب. لم يكتف الناصر بذلك بل أراد أن يكون له موطئ قدم في العدوة المغربية، فاستولى على ثغور الساحل المغربي المواجهة لساحل بلده… أخذ مليلية وسبتة ومن ثم طنجة وتمكن بذلك من السيطرة على الملاحة في مضيق جبل طارق وأن يتدخل في سياسة المغرب لإثارة قبائل الأمازيغ ضد النفوذ الفاطمي، كما دعم الدويلات المغربية وشجع كل الثورات التي اندلعت ضد عدوه.

الأوربيون يتسابقون لبلاط الناصر

نشأت علاقة خاصة بين الأندلس والامبراطورية البيزنطية، التي استعادت عافيتها على يد الأسر المقدونية، خاصة في عهد الامبراطور قسطنطين السابع 945-959، وربما كان هدف هذه العلاقات، هو التعاون على المستوى الثقافي والاقتصادي بين البلدين. لا يتحدث المؤرخون عن أي وعود عسكرية ولا تعاون مشترك بين البلدين، لكنهم يتحدثون عن تبادل الزيارات وعن أبهة الاستقبال التي أقامها الناصر لضيوفه الذين كانوا ينبهرون لجمال ورقي ما يشاهدون.

كما نشأت علاقة بين قرطبة وأوتو الكبير، ملك الفرنجة وإمبراطور الدولة الجرمانية. يذكر كتاب “العلاقات الخارجية في العصر الإسلامي”، لخالد بن محمد مبارك القاسمي، أن هذه العلاقة جاءت نتيجة للغارات البحرية التي كان يشنها المجاهدون الأندلسيون على السواحل الجنوبية لبلاده.

طلب عبد الرحمن أن تكون الدعوة له في مخاطباته وفي جميع ما يجري ذكره فيه، بأمير المؤمنين، وكتب: “وقد رأينا أن تكون الدعوة لنا بأمير المؤمنين، وخروج الكتب عنا وورودها علينا بذلك، إذ كل مدعو بهذا الاسم غيرنا منتحل له، ودخيل فيه، ومتسم بما لا يستحقه. وعلمنا أن التمادي على ترك الواجب لنا من ذلك حق أضعناه، واسم ثابت أسقطناه. فأمر الخطيب بموضعك أن يقول به، وأجر مخاطباتك لنا عليه

رغم أن نشاط هذه الجماعات كان من باب أعمال القرصنة التي كانت شائعة في تلك الأيام بين المسلمين والمسيحيين، فإن الامبراطور أوتو الكبير اعتبر الناصر هو المسؤول عن أعمال التخريب، فطلب منه في رسالة وضع حد لهؤلاء، ورد عليه الناصر برسالة مماثلة.

من الأحداث الطريفة التي يمكن ذكرها أيضا، هناك التدخل الإيجابي الذي قام به الناصر لحل الخلاف الذي وقع بين ابني راميرو الثاني، ملك ليون، اذ اختلف الاثنان على عرش والدهما، كما أن ابنه ساشنو المعروف ببدانته ذهب لقرطبة للعلاج هناك، ثم طلب العون العسكري للحصول على عرش والده، وهو ما حصل بالفعل مقابل تنازله عن بعض الحصون للناصر.

العمارة وبناء الزاهرة

حينما نتحدث عن أندلس الناصر، لا يمكننا إلا التوقف للحديث والإطراء على النهضة العمرانية التي قام بها هذا الخليفة، وعلى الجوهرة التي قدمها للبشرية وهي مدينة الزهراء.

من منا لم يسمع أبيات ابن زيدون:

إنّي ذكرْتُكِ بالزّهراء مشتاقًا        والأفقُ طلقٌ ومرْأى الأرض قد راقَا

وَللنّسيمِ اعْتِلالٌ في أصائِلِهِ           كأنهُ رَقّ لي فاعْتَلّ إشْفَاقَا

والرّوضُ، عن مائِه الفضّيّ مبتسمٌ      كما شقَقتَ عنِ اللَّبّاتِ أطواقَا

بدأ بناءَها سنة 936م، وانتقل إليها مع حاشيته ورجال بلاطه سنة 945م… لن يتوقف مشروع توسيعها إلا سنتي 978م-979م، عندما أسس الحاجب المنصور بن أبي عامر مدينة ملكية أخرى هي الزاهرة، ونقل إليها المؤسسات التي تشرف على شؤون الدولة ابتداءً من سنة 981م، ما تسبب ببداية أفول نجم الزهراء. من ثم، طالها التخريب والهدم حينما نشبت الفتنة وسقطت الدولة العامرية بعد مقتل ابن أبي عامر عبد الرحمن شنجول، فتعرَّضت قرطبة لنقمة الثوار الذين استباحوا دماء أهلها وعاثوا فيها فسادًا فشمل الخراب معظم عمائرها وهاجم الثوَّار ضمن ما هاجموا مدينة الزهراء عام 401هـ ، ولم تكتشف من جديد إلا مع مطلع القرن الفائت عندما انطلقت عمليات التنقيب.

   وفاته

يذكر ابن عذاري في البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب:

“وفي سنة 350، توفى الناصر – رحمه الله -، وذلك في صدر رمضان منها. ووجد بخطه تأريخ قال فيه: (أيام السرور التي صفت لي دون تكدير في مدة سلطاني يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا.) فعدت تلك الأيام؛ فوجد فيها أربعة عشر يوما. فأعجب أيها الغافل لهذه الدنيا، وعدم صفائها، وبخلها بكمال الأحوال لأولائها. إن الخليفة الناصر ملك خمسين سنة وسبعة أشهر وثلاثة أيام، ولم يصف له من الدنيا إلا أربعة عشر يوما! فسبحان ذي العزة العالية، والمملكة الباقية، تبارك اسمه وتعالى جده!”.

 

مقالات قد تهمك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *