من صيام السبعين يوما إلى صيام رمضان: قصة الصوم - Marayana - مرايانا
×
×

من صيام السبعين يوما إلى صيام رمضان: قصة الصوم

من قدماء المصريين إلى المسلمين، مرورا بالهندوس والبوذيين والصابئة والإيزيديين واليهود والمسيحيين، كان للصيام حضور بارز في مختلف العبادات الدينية لدى هذه الأديان.
في هذا المقال، تسلط مرايانا الضوء على أبرز مظاهر الصيام في الأديان المختلفة

مع قدوم شهر رمضان، يعود الحديث من جديد حول شهر رمضان والصيام، وتجنح بعض الأصوات الفقهية صوب مقاربة الصيام من وجهة نظر ضيقة، تجعل الأمر كما لو كان حكرا على المسلمين دون غيرهم؛ رغم أن النص القرآني ينص صراحة على أن الصيام عبادة مشتركة بين مجموعة من الأديان.

في هذا الملف، تسلط مرايانا الضوء على حضور الصيام عند عدد من الأديان سواء التعددية أو التوحيدية.

مصر القديمة: صيام طبقي

كان الصيام من بين طقوس قدماء المصريين، وقد اختلف الباحثون وعلماء الآثار حول رمزيات الصوم وأنواعه، فمنهم من اعتبر صومهم تقربا إلى أرواح الموتى، أو تقربا إلى نهر النيل باعتباره مصدر العطاء عندهم، أو احتفالا بالمناسبات كأيام الحصاد.

إضافة للصوم الكبير، فللمسيحيين عدد من المناسبات يستحب فيها الصوم، كصيام يوم الأربعاء، وهو اليوم الذي تم فيه الحكم على السيد المسيح، ويوم الجمعة الذي تم فيه صلبه، وصوم الأيام الأربعة السابقة للميلاد، وصوم يوم انتقال العذراء، وأعياد جميع القديسين، وصوم الاستعداد للاحتفال بالأعياد الكبرى.

كان الصيام عند قدماء المصريين يبدأ من طلوع الشمس إلى غروبها، يمتنع خلاله الصائم عن الطعام والشراب والجماع، كما كان هناك صيام آخر، لا يسمح فيه بتناول الطعام باستثناء الماء والخضر لمدة 70 يوماً.

تنوع الصيام حسب الفئة الاجتماعية، إذ كان للعامة صومهم، وللكهنة صومهم؛ فصيام الطبقة الأولى (العامة) كان أربعة أيام من كل عام، تبدأ بطلوع شمس اليوم 17 من الشهر الثالث من فصل الفيضان، ثم ثلاثة أيام من كل شهر.

أما صيام الكهنة، فقد اختلف حسب درجة الكاهن، فالملتحق بالمعبد كان يجب عليه الامتناع عن شرب الماء لسبعة أيام، يعقبها صيام عشرة أيام عن اللحم والنبيذ، ثم صيام عشرة أيام أخرى؛ وفي بعض الحالات، كان يمكن للصيام أن يدوم سبعين يوما.

الهندوسية: صيام حسب الانتماء أو الإله

يحضر الصيام بشكل بارز في الديانة الهندوسية. لكن المثير أنه لا توجد قواعد واضحة له، إذ يرجع الأمر للعادات الشخصية والآلهة المتبعة، إذ يصوم البعض أياماً من كل شهر، بينما يصوم آخرون كل يوم اثنين، بينما يصوم آخرون كل يوم خميس أو ثلاثاء، وهناك من يصوم كل جمعة وسبت، والبعض الآخر يصوم تسعة أيام مرتين في السنة، وأغلبهم يصومون خلال منتصف كل شهر قمري (الأيام البيض حسب التقليد الإسلامي).

يتنوع صيام الهندوس أيضا، إذ يمكن أن يتحقق بالصيام من شروق الشمس إلى غروبها عن الطعام، مع شرب السوائل، أو الامتناع عن الطعام والماء من غروب اليوم السابق إلى ما بعد شروق اليوم التالي بـ 48 دقيقة، أو الاكتفاء بوجبة واحدة في اليوم، أو الامتناع عن تناول أنواع أطعمة معينة، أو الاقتصار على أنواع معينة منها، أو الاقتصار على الفاكهة والحليب فقط.

يشترك الهندوس في عدم تناولهم للحوم خلال أيام صيامهم، كما أن أغلبهم يرتدون ثيابًا صفراء، ويحرصون على هيمنة اللون الأصفر في تغذيتهم.

البوذية: صيام الأيام البيض

على غرار الهندوسية، لا توجد قواعد عامة للصيام في البوذية. لكن السائد أن يصوم البوذيون أربعة أيام من كل شهر قمري “يوبوزاتا”، وهي الأيام المتوافقة مع منازل القمر الأربع (اليوم الأول، والتاسع، والخامس عشر، والثاني والعشرين). كما يصومون في عيد “فيساخ” (أول يوم يكتمل فيه القمر في شهر مايو أو يونيو)، حيث يخلدون ذكرى ميلاد بوذا وتنويره ووفاته.

حسب التعاليم البوذية، فإن الصيام يتم بالإمساك عن الأكل من شروق الشمس إلى غروبها، والامتناع عن أي نوع من الأعمال، وممارسة التأمل وتفريغ الطاقات السلبية فقط.

الصابئة: صيام 36 يوما في السنة

يعتبر الصيام واحدا من أبرز عقائد الصابئة أو المندائيين، إذ أنه الركن الخامس من أركان عقيدتهم، ويبلغ الصوم الكبير 36 يوما توزع على أشهر السنة.

يقوم صيام الصابئة على الإمساك عن الأكل والشرب، والامتناع عن نحر وقتل الحيوان، وأي فعل يمكن أن يشين الإنسان من فواحش؛ إضافة إلى صيام أيام الكسوف والخسوف.

الإيزيدية: صيام 80 يوما

ينقسم الصيام عند الإيزيدين إلى نوعين، مفروض واختياري. يفضل أن يكون الاختياري في الأيام التي يكتمل في لياليها البدر حسب التقويم القمري؛ أما المفروض، فيدوم ثلاثة أيام (الثلاثاء، الأربعاء والخميس) في الأسبوع الثاني من الشهر الـ12 من كل عام، يليه “عيد أيزي”.

على عكس باقي المذاهب، فالبروتستانت يصومون سنة لا فرضا، وهم على غرار المسلمين، يتركز صيامهم في الإمساك عن الطعام بشكل مطلق، بخلاف باقي الطوائف المسيحية، الذين يتمثل صيامهم في تخفيف وجبات الطعام واختصارها في وجبة واحدة كبيرة إضافة لوجبتين جد صغيرتين، مع عدم تناول أي شيء بينهما.

إضافة لهذا، فللإيزيديين صوم للخاصة، وهو المقتصر على النساك، ويمتد 80 يوما، يمكن أن يتم صيام نصفها في فصل الصيف، والنصف الآخر في فصل الشتاء.

على غرار باقي الأديان، يبدأ الصيام عند الإيزيديين بالإمساك عن الطعام والشراب والجماع من شروق الشمس إلى مغيبها، إضافة إلى الابتعاد عن التفوه بكلمات بذيئة والتقليل من الكلام غير اللازم.

اليهودية: صيام الستة أيام

تتضمن الديانة اليهودية ستة أيام صيام في السنة مفروضة، يمنع خلالها الطعام والشراب لمدة 24 ساعة، من شروق الشمس وحتى شروقها في اليوم الموالي، إضافة إلى الامتناع عن أي قول أو فعل مشين.

أبرز أيام الصيام عند اليهود هي يومان: يوم الغفران، ويوم ذكرى خراب الهيكل؛ وهذان الأخيران يتميزان بميزات إضافية، إذ إضافة إلى الإمساك عن الطعام والشراب، يمنع في هذا اليوم غسل الجسم، أو ارتداء الجلد، أو التعطر، أو الممارسات الجنسية، أو تغيير الملابس.

كما أن بعض اليهود الأرثوذكس، يلزمون العروس والعريس بالصيام في اليوم الذي يسبق زفافهما.

المسيحية: صيام حسب الطوائف

يعتبر الصوم من أبرز العبادات عند كل الطوائف المسيحية. يفرض الكاثوليك الصوم الكبير، وهو الصيام السابق لعيد الفصح، ويبدأ بأربعاء الرماد ويستمر حتى عيد الفصح، تخليدا وتمجيدا لذكرى الأربعين يوماً التي صامها السيد المسيح. يتميز هذا الصيام بالإمساك عن الطعام والشراب يوما وليلة، وعدم الأكل إلا قرب المساء، مع تجنب شرب الخمر أو الاسراف في الأكل. يبدأ الالتزام بالصيام عند الكاثوليك انطلاقا من سن الخامسة عشر وينتهي عند الستين للرجال والخمسين للنساء.

إضافة للصوم الكبير، فللمسيحيين عدد من المناسبات يستحب فيها الصوم، كصيام يوم الأربعاء، وهو اليوم الذي تم فيه الحكم على السيد المسيح، ويوم الجمعة الذي تم فيه صلبه، وصوم الأيام الأربعة السابقة للميلاد، وصوم يوم انتقال العذراء، وأعياد جميع القديسين، وصوم الاستعداد للاحتفال بالأعياد الكبرى.

لا توجد قواعد عامة للصيام في البوذية. لكن السائد أن يصوم البوذيون أربعة أيام من كل شهر قمري “يوبوزاتا”، وهي الأيام المتوافقة مع منازل القمر الأربع (اليوم الأول، والتاسع، والخامس عشر، والثاني والعشرين).

أما الأرثوذكس، فأبرز أيام صيامهم هي: الصوم السابق لعيد الفصح (الصوم الكبير أو صوم الأربعين المقدسة)، الصيام من العنصرة (وهو عيد حلول الروح القدس على تلاميذ المسيح بعد صعود يسوع بعشرة أيام) إلى آخر يونيو، صيام خمسة عشر يومًا قبل انتقال العذراء (15 يوما)، صيام أربعين يوما قبل الميلاد (قد يستمر 43 يوما من 25 نونبر إلى 6 يناير)؛ صوم يونان أو “نينوى”، ويكون قبل الصوم الكبير بأسبوعين ويستمر 3 أيام، يمتنع خلالها الأرثوذكسي عن الطعام لفترة معينة، قد تكون جزء من نهار، ثم يتناول بعدها أطعمة بقولية ونباتية، تخلو من أي مكونات أو مشتقات حيوانية، إضافة إلى التقشف في الأكل والأهواء.

أما الأرمن، فيصومون كل أربعاء وجمعة من أيام الأسبوع، إلا إذا كان عيد فصح أو صعود، كما لهم أيضًا عشرة أسابيع يصومونها كل سنة.

على عكس باقي المذاهب، فالبروتستانت يصومون سنة لا فرضا، وهم على غرار المسلمين، يتركز صيامهم في الإمساك عن الطعام بشكل مطلق، بخلاف باقي الطوائف المسيحية، الذين يتمثل صيامهم في تخفيف وجبات الطعام واختصارها في وجبة واحدة كبيرة إضافة لوجبتين جد صغيرتين، مع عدم تناول أي شيء بينهما.

تتفق الطوائف المسيحية في أن العلاقة الجنسية لا تفسد صيام المسيحي في الكنسية الأرثوذكسية. أما الكنيسة البروتستانتية، فقد قالت بعدم فرضية الصيام، وأعلنته كرغبة شخصية، بعد تأكيدها بأنه عبادة سامية، لم تحددها بموعد زمني ولا عمر، ولا امتناع عن أي نوع من أنواع طعام.

كانت هذه إذا أبرز مظاهر الصيام في الديانات الأخرى، وهي مظاهر لم تحظ بدراسات أنثربولوجية كافية، تعيد قراءتها في سيروراتها التاريخية، وتحاول تفكيك المشترك والمختلف بينها، لفهم واحد من مظاهر العبادة المقدسة في مختلف الديانات.

 

مقالات قد تهمك

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *