اللغة العربية ومحاولات الجندرة 2/2 - Marayana - مرايانا
×
×

اللغة العربية ومحاولات الجندرة 2/2

القول إن اللغة العربية منحازة للذكور مرجعه إلى ما أسسه فقهاء اللغة من تأويلات أخلاقية، يقدمونها على أنها طبائع لغوية للذكور والإناث ومن ثم للرجال والنساء، وأخيرا للمجتمع برمته.
في لسان العرب مثلا، لا يثبت من المعاني المحايدة في تعريف الجنسين سوى مجرد التناسب، فتعريف الذكر “خلاف الأنثى”، وبالمقابل، الأنثى “خلاف الذكر من كل شيء”.

تقصى الجزء الأول من هذا الملف بعض التحديات التي أخذت تواجه اللغة العربية مع بروز الدراسات الجندرية. في هذا الجزء الثاني، نتابع بعضا من محاولات “جندرة” هذه اللغة.

عادة، ونحن نتجول في الأنترنت، نلاحظ أفعالا من قبيل: “زوروا موقعنا. كل ما تودون معرفته… إلخ”.

بالنسبة للبعض، مثل رولا سعد، المديرة التنفيذية لشبكة الصحفيات السوريات[1]، هذا الجمع المذكر السالم يُقصي المرأة.

يظل التخيل، في نظرها، بأن الكلام موجه نحو مجموعة من الرجال رغم تضمنه للنساء على نحو غير مباشر.

بدل ذلك، يفضل هؤلاء كتابة “يُرجى زيارة موقعنا”.

دون إلحاق أي تغيير باللغة، صاغت منظمة الأمم المتحدة مبادئ توجيهية في سبيل صياغة شاملة جنسانيا باللغة العربية، مقترحة بذلك عددا من البدائل.

ثمة أسلوب آخر يُنهج في هذا الصدد، وهو استخدام الشرطة المائلة (افعل/ي، زائر/ة، بكم/ن)، لكنه يظل لدى العديد غير محبذ لأنه يكسر تدفق النص.

ثم عوض قول “أشخاص” بوصفها كلمة حيادية، يستحسن هؤلاء الجمع بين الجنسين، كخطاب القرآن: “إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات…”.

حديثا، جرت العادة على تقديم المؤنث عن المذكر: “تهيب وزارة الصحة بالمواطنات والمواطنين…”.

إلا أن بعض هؤلاء ذهب إلى حد أبعد، وجمع بين لواحق تمييز الجنس، مقترحا كتابة “لكم/لكن (لكمن)، الكاتبون/الكاتبات (الكاتبوت)…”.

إنه بحث عن لغات غير مُجَنْسَنة في نظر الباحث الليبي جبريل العبيدي[2]، الذي يرى أنه صعب ويكاد يكون مستحيلا إلا باستبدال مكونات اللغة من ضمائر وأسماء وأفعال، للوصول إلى مفردات حيادية.

بالنسبة لرولا سعد، فـ”إذا كان هناك صبر طيلة هذا الوقت على التنميط والإقصاء… فلما لا نصبر على هذه الفكرة؟ طالما ليست هناك حلول، فالناس ستتعود”.

في هذا الباب، ودون إلحاق أي تغيير باللغة، صاغت منظمة الأمم المتحدة مبادئ توجيهية في سبيل صياغة شاملة جنسانيا باللغة العربية، مقترحة بذلك عددا من البدائل.

منها مثلا أن نكتب أو نقول: أوساط أكاديمية عوض أكاديميين، قائمة الترشيحات عوض قائمة المرشحين، جهة مانحة عوض مانح، كل الأشخاص سواسية أمام القانون عوض متساوون…

تقترح أيضا حذف الضمائر غير الضرورية (لدى إسهام الجميع بالأفكار بدل عندما يسهم الجميع بأفكارهم).

كذلك الفصل بين المضاف والمضاف إليه في حال تعدد المضافات (يدين المجلس تجنيد واستخدام الأطفال عوض يدين المجلس تجنيد الأطفال واستخدامهم).

الكثير من التعريفات، وفق الفيلسوف التونسي فتحي مسكيني، تحمل أحكاما أخلاقية مربكة في التذكير والتأنيث، تهدد بتدمير هوية الأنثى وتؤسس لعلاقة ذكورية متسلطة لا غبار عليها. مثل ذلك أن اليوم إذا وصف بالشدة وكثرة القتل، قيل له “يوم مذكر”، بينما “السيف الأنيث” ليس سوى السيف الذي لا يقطع…

غير ذلك عديد. لكن الأساس، وهنا نعود إلى اتهام اللغة العربية بالذكورية، يظل في استخدام مسكوكات لغوية وأشكال خطاب تمييزية.

ترى المنظمة أنه ينبغي تجنب العبارات التي تنطوي على تحيز جندري أو تعزز القوالب النمطية الجندرية.

مثل ذلك عبارات من قبيل: “السيد فلان وحرمه/الجنس اللطيف/تتحلى بشجاعة الرجال/امرأة بألف رجل/عانس عوض غير متزوجة… إلخ”.

تقول الناشطة النسوية رلى المصري[3]، إن نقاش جندرة اللغة العربية بدأ قبل عقدين تقريبا. وكان القراء آنذاك يعبرون صراحة عن ثقل النص إذا كان مُجندرا.

الجدال الأبرز كان دائما أن اللغة العربية تتوجه إلى الجميع بصيغة المذكر. لكن المصري ترى أن هذا النقاش ما عاد له أي مكان اليوم، ذلك أن سياق جندرة اللغة بات أمرا انسيابيا.

أو ذاك ما تلاحظه، على الأقل، في منشورات الأصدقاء على الشبكات الاجتماعية، وفي التقارير الإعلامية وبيانات المنظمات. اللغة العربية، بحسبها، باتت أكثر مرونة لمواكبة الوعي النسوي.

إلى هنا، لا نزال في اقتصار على القطبية الثنائية: الذكر/الأنثى، التي تتميز بها معظم لغات الفضاء المتوسطي، ومنها اللغة العربية.

في الشق المعجمي، يرى البعض أن اللغة العربية قاصرة من حيث التعبير عن مدلولات جنسانية أخرى.

وإن فعلت، فهي قد حُمّلت مدلولات تحقيرية: لواط، سحاق، شواذ…

تورد الأكاديمية السورية نائلة منصور[4]، أن لغات أمريكا الأصلية، “الكوشوا” مثلا، تستخدم خمس مفردات للدلالة على الجنسانية.

بين ذكر وأنثى، توضح منصور، هناك كثير من التنويعات بحسب مزاج الشخص وطبيعته وميوله الجنسية، كل ذلك بالتراكب مع جنسه البيولوجي.

أيضا من شواهد القصور، وفق رلى المصري، عدم استيعاب اللغة العربية حتى لبعض المفاهيم مثل “الجندر” نفسه، المعربة من اللغة الإنجليزية (Gender) والمشتقة من اللاتينية (Genus).

ختاما، القول إن اللغة العربية منحازة للذكور مرجعه إلى ما أسسه فقهاء اللغة من تأويلات أخلاقية، يقدمونها على أنها طبائع لغوية للذكور والإناث ومن ثم للرجال والنساء، وأخيرا للمجتمع برمته[5].

في لسان العرب مثلا، لا يثبت من المعاني المحايدة في تعريف الجنسين سوى مجرد التناسب، فتعريف الذكر “خلاف الأنثى”، وبالمقابل، الأنثى “خلاف الذكر من كل شيء”.

أما بقية التعريفات، وفق الفيلسوف التونسي فتحي مسكيني، فتحمل أحكاما أخلاقية مربكة في التذكير والتأنيث، تهدد بتدمير هوية الأنثى وتؤسس لعلاقة ذكورية متسلطة لا غبار عليها.

مثل ذلك أن اليوم إذا وصف بالشدة وكثرة القتل، قيل له “يوم مذكر”، بينما “السيف الأنيث” ليس سوى السيف الذي لا يقطع… ومثال هذا كثير، وقد مررنا قبل قليل بمسكوكات في هذا المعنى.

 

لقراءة الجزء الأول: اللغة العربية… ذكوريّة؟ 1/2

[1]  عن مقال الناشطة النسوية ليلى طه: “في تغييب النساء من لغة الخطاب”.
[2]  عن مقاله: “جندرة اللغة العربية”.
[3]  عن مقالها: “جندرة اللغة العربية”
[4]  عن مقالها: “اللغة والجنسانية”.
[5]  عن الفيلسوف التونسي فتحي مسكيني… مقال: “المرأة والنساء في ضوء دراسات الجندر”.

 

مواضيع قد تهمك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *