مع وصول أول شحنة لقاحات للفيروس، هشام الرميلي يكتب: فيلم هندي - Marayana - مرايانا
×
×

مع وصول أول شحنة لقاحات للفيروس، هشام الرميلي يكتب: فيلم هندي

يبدو أن ذلك الخيال الطائر والمجنح، الذي كنا نسخر منه ونقهقه مغترين، قد بانت نتائجه…
فالهند ربت أجيالا لا تعرف حدودا في أحلامها وتخيلاتها، وما هو واقع اليوم من تقدم ونهضة، وسبق في التكنولوجيا ونبوغ في الطب والعلوم، أكيد كان ضربا من الخيال ومستحيل الوقوع في وقت ما… كان يشبه اللقطات التي كنا نضحك عليها في أفلامهم…
في النهاية… لم نجد غير أبطالنا الهنود الخارقين، لنتوسل بمعجزاتهم وخوارقهم في الطب والصناعة، ليدرؤوا عنا سوء الوباء اللعين بالأمصال التي قاموا بتصنيعها…

هشام الرميلي

لم يكن يوم الأحد في طفولتي رتيبا كما كان يشعر به الكبار من حولنا، فقد كان يوم متعة خاصة نستعجل نهاية الأسبوع لوصولها.

لم أكن أفوت الفرصة حين أمر أمام قاعات السينما، كي أتفرس في ملصقات الأفلام الجميلة، بألوانها الزاهية وأبطالها المثيرين، حتى إذا حل زوال الأحد كنا نقصد الدور المنتشرة في منطقتنا.

كنا على موعد مع متعة سينمائية مغرية تقدمها لنا قاعات مثل (مُغْرِب، لارك، فكتوريا، الفنون، ميدينا، فردان). قاعات غزاها الإسمنت اليوم، ولم يبق منها غير أطلال ذاكرة.

متعة حارة رخيصة، لا تكلفنا أكثر من درهمين، وبضع ريالات لصاحب المصباح ليضيء عتمة القاعة ويجلسني في مكان مناسب.

من قصص العشق المحتدم، والأفلام الحزينة المبكية، إلى أفلام الحركة والأفلام الكلاسيكية، تعلقنا بأبطال السينما الهندية (أميتاب باتشان “الشاعر”، شاشي كابور…)

أغرمنا بالبطلات الهنديات الجميلات، وسحرتنا الموسيقى الشجية الحزينة، والفرحة، وصوت البطلة الفاتنة في ثوب “الساري” الأنيق، وهي تردد أغاني الحب بصوتها الرقيق المؤثر، مع البطل الوسيم صاحب الصوت الدافئ الناغم.

أغاني كانت تحول القاعة إلى حالة هندية كاملة، خصوصا حين ينطلق أقراني في الغناء مع البطل أو البطلة في أغانٍ يحفظونها.

… حفظنا العديد من الأغاني الهندية الشهيرة (أغاني دوستي…) كان سحرها يتسلل إلى القلوب، وكلماتها تنطبع في الأذهان بكل سهولة.

كانت أفلام الهنود تختلف كثيرا عما كنا نشاهده في أفلام هوليوود (الحركة، الويسترن،…) والأفلام التجارية الأخرى… كان واقعها يشبهنا، وكانت فيها ملامح عديدة تتقاطع مع واقعنا، إلا أنها كانت تتميز بشيء آخر كان يثير ضحكنا واستغرابنا، وهو الإفراط في الخيال واللامعقول، فأصبحت كل حكاية غريبة أو واقعة يصعب تصديقها نسميها تفكها: “فيلم هندي”.

غير أننا كبرنا… كبرنا لنعرف أن الهند تشبه أفلامها بالتأكيد، دولة كبيرة بحجمها وبحجم أثقالها، الفقر والأمية والأمراض، وعدد سكان يتجاوز المليار ومائتي مليون، وأربعة عشرة لغة رئيسية، وما يزيد عن ألف لهجة، وديانات مختلفة…

كيف استطاعت الهند أن تتخلص من أثقالها، وتتحرر من قيودها، وتصبح سابع قوة اقتصادية في العالم؟

بل… كما تساءل توماس فريدمان، الصحفي الأمريكي الشهير: “كيف تحول الشباب الهندي، الذي كان يقضي حاجته في العراء، إلى مهرة في علوم الكمبيوتر والتكنولوجيا، وسيطروا على كل شركات العالم؟”.

… بل كيف أسسوا نظاما تعليميا مبهرا، أنتج نوابغ في الرياضيات، وانتشر أطباؤه في كل مستشفيات العالم، وأصبحوا عنوانا للتميز والكفاءة؟ وكيف استطاعوا أن يتفوقوا في صناعة الفضاء؟ وكيف انتشر أثرياؤهم في العالم واستثمروا في كل القطاعات؟ ووصلوا ببوليود إلى أن تنافس هوليوود بإمكانياتها المرعبة؟

والأغرب من كل ذلك… بلد بخصائص الهند، كيف استطاع أن يتحول إلى دولة ديمقراطية كبيرة وعريقة؟

يبدو أن ذلك الخيال الطائر والمجنح، الذي كنا نسخر منه ونقهقه مغترين، قد بانت نتائجه…

فالهند ربت أجيالا لا تعرف حدودا في أحلامها وتخيلاتها، وما هو واقع اليوم من تقدم ونهضة، وسبق في التكنولوجيا ونبوغ في الطب والعلوم، أكيد أنه كان ضربا من الخيال ومستحيل الوقوع في وقت ما… كان يشبه اللقطات التي كنا نضحك عليها في أفلامهم…

الفرق بينا وبينهم هو أنهم صدقوا إمكانية حدوثه وهيؤوا الأسباب… “وحنا بقينا عاطينها للتكركير حتى كَرْكَرَت علينا كورونا” ولم نجد غير أبطالنا الهنود الخارقين، لنتوسل بمعجزاتهم وخوارقهم في الطب والصناعة، ليدرؤوا عنا سوء الوباء اللعين بالأمصال التي قاموا بتصنيعها…

إن خيال أفلام الهنود الجامح صورة عن حقيقتها، وما كان يبدو لنا إفراطا في التخييل، وضربا من السماجة واللامعقول هو طبيعة هندية خالصة، فأن تأخذ كل معطيات الهند وتحولها إلى دولة كبرى ناجحة، وترى مشاكلها تحل ونهضتها تصنع، فأنت بالتأكيد لن ترى هذا اللامعقول بالنسبة لك، يتحقق، إلا في “فيلم هندي”.

سأعاود مشاهدة أفلام الهنود، لكن أمام كل لقطة خارقة غير معقولة بالنسبة لي…

سأصفق للعقل الهندي الجبار، الذي لا يؤمن بحدود المعقول.

أما اللامعقول الحقيقي الذي يستدعي “التكركير” هنا، هو أن تقلع طائرة من بلد استقل منذ ستين عاما، وله “مؤسسات” و”قطاعات مسؤولة”، و”جامعات” و”باحثون”، وميزانيات تصرف، وتقطع آلاف الأميال في الفضاء لتأتي بجرعات الدواء من بلد كانت قيامته شبه مستحيلة…

اقرأ أيضا:

. لماذا تقدمت اليابان وتخلّف المغرب؟ 3/1

. حرص المخزن على إعادة إنتاج نفسه… هكذا فشلت البعثات التعليمية المغربية ونجحت اليابانية في تحديث بلادها 3/2

. صناعة مخزنية: هكذا أفشل تهميش الكفاءات باكرا مشروع الإصلاح بالمغرب… 3/3

. حسين الوادعي يكتب: خدعوك فقالوا: الغرب متقدم مادياً، لكننا متقدمون أخلاقياً!

 

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *