من نيويورك، هشام الرميلي يكتب: بائعة الكبريت وراعي الغنم - Marayana - مرايانا
×
×

من نيويورك، هشام الرميلي يكتب: بائعة الكبريت وراعي الغنم

في قصة بائعة الكبريت الشهيرة للأديب الدنماركي “هانس أندرسن”، ارتكنت الطفلة البئيسة إلى زاوية في الشارع بعد أن أعياها التعب والجوع في ليلة ثلجية باردة. لم يشتر منها أحد أعواد …

هشام الرميلي

في قصة بائعة الكبريت الشهيرة للأديب الدنماركي “هانس أندرسن”، ارتكنت الطفلة البئيسة إلى زاوية في الشارع بعد أن أعياها التعب والجوع في ليلة ثلجية باردة. لم يشتر منها أحد أعواد كبريتها. خافت أن تعود إلى البيت فارغة اليدين، فيعاقبها الأبوان. جلست تتحسس يديها الباردتين وأشعلت عود ثقاب لتتدفأ بشعلته.

حين أشعلت عود الثقاب الأول، تراءت لها مدفأة كبيرة أشاعت الحرارة من حولها، فمدت يديها ورجليها لتتدفأ. انطفأ عود الثقاب فأشعلت ثانيا، فتراءى لها ديك رومي… أشعلت أعوادا أخرى فتراءت لها أشياء عديدة، لكنها كانت تختفي مع انطفاء النور.

أشعلت عودا آخر، فتراءت لها جدتها؛ ومخافة أن تختفي الجدة أيضا، سارعت إلى إشعال كل الأعواد حتى تراها لأطول مدة ممكنة.

في الحقيقة، لم تمت الصغيرة متجمدة، فقد غمرتها حرارة المدفأة…. ولا جائعة، فقد أشبعها الديك الرومي… طارت إلى السماء سعيدة في حضن جدتها.

اقتربت الجدة من الطفلة. احتضنتها وطارت بها في السماء… لم تعد المسكينة تشعر بالبرد والجوع. انطفأت كل أعواد الثقاب وفاضت روح الصغيرة إلى السماء، بعد أن تجمدت أطرافها. في الصباح، وجدها الناس ممدة في الزاوية وأعواد الكبريت منطفئة.

اقرأ أيضا:  وكان دم “جارية”… أغلى من كل الوطن

في الحقيقة، لم تمت الصغيرة متجمدة، فقد غمرتها حرارة المدفأة…. ولا جائعة، فقد أشبعها الديك الرومي… طارت إلى السماء سعيدة في حضن جدتها.

في جبال تازة الباردة، ووسط الثلوج المتراكمة، حوصر راعي الغنم. لم يستطع أن يشق طريقه وسط الثلوج… وبعد أن أعياه الثلج المتراكم، ركن إلى حافة الجبل يحتمي به. أنهكه التعب، وتجمدت أطرافه. لم يعد بإمكانه المسير… تراكمت الثلوج من فوقه وأحس بأطرافه باردة جدا.. جال ببصره في المكان واستيأس من كل إمكانية لإنقاذه. انخفضت حرارة جسمه كثيرا، وشرد بذهنه.

اقرأ أيضا – هشام روزاق: دولة تجدد نــ(ــحــ)ــبها!!

هل كان يرى فرقا للإنقاذ استنفرتها شكوى الأهالي، فخرجت تبحث عنه؟

أم كان يرى سيارات مزودة بكاسحات الثلوج، تزيح الثلوج المتراكمة وتعبد الطريق وتجعل الوصول إليه سهلا؟

ربما كان ينظر الى السماء ويقتفي أثر هيلكوبتر تحلق في السماء تبحث عنه؟

أتمنى أن يكون حظه مثل بائعة الكبريت. أتمنى أن يكون، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، قد تراءت له جذوة من نار فمد يديه ورجليه وأحس بالحرارة تسري فيهما… أو تراءى له آخر عشاء متواضع في بيته فأحس بالشبع.

ربما قد تراءت له جدته، فعانقته وطارا معا في السماء ولم يعد يشعر بالبرد والجوع… تاركا وراءه الثلوج والوطن البارد…

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *