الأسلحة النووية… الرأي الآخر: هل تُسهم في الحفاظ على السّلْم العالمي؟ 3/3
توزعت الأسلحة النووية بين بعض الدول، على نحو لا تقدر معه دولة بدء أي هجوم مخافة من رد انتقامي… عرفت هذه الحالة بـ”توازن الرعب”.
تابعنا في الجزء الثاني لماذا يهاب العالم استخدام الأسلحة النووية؛ أي قوة هذه الأسلحة وآثارها المدمرة. في هذا الجزء الثالث والأخير، نختبر رأيا آخر يظن أن انتشار الأسلحة النووية قد أسهم في انخفاض الحرب على الأقل بين الدول النووية، ومن ثم يحفظ السلم العالمي.
لم يكن هنالك، في بداية العصر النووي، وجود لأي قواعد أو معايير خاصة بمنع الانتشار النووي، ولا لمفهوم الردع النووي، أو أي خط أحمر يخص الحرب النووية.
لكن، بينما راحت دول عديدة تتسابق للتسلح نوويا، حمل التطور في مجال الطاقة النووية آمالا مستقبلية في استخدامها لأغراض سلمية.
كلما حاولت دولة ما امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية، حامت حولها الشكوك في أن هدفها الأخير، يتمثل في امتلاك سلاح نووي.
يؤكد الباحث الأمريكي جوزيف إم سيراكوسا في كتابه “الأسلحة النووية”، أن الأمل كان يحدو العالم في أن تمده الطاقة النووية بمصدر لا ينضب من الطاقة.
كان المجال واعدا. لكن بينما جرت العادة على مشاركة المعلومات التي تخص التطورات العلمية دوليا، كان للولايات المتحدة رأي آخر آنذاك.
اقرأ أيضا: في الإخضاعِ بالذرائعِ والعناوينِ الكاذبة؟ وما حَك جلدُنا غير ظفرنا!
لم تكن مستعدة للإفصاح عن أسرارها النووية، بسبب القوة التدميرية للقنبلة الذرية من جهة، والقوة التي تمنحها للدولة التي تملكها من جهة أخرى.
في الواقع، يتسم مفهوم الانتشار النووي بالتعقيد، يؤكد الباحث المصري أشرف عبد الغفار في كتابه “الانتشار النووي”.
امتدت الحرب الباردة لخمس وأربعين عاما دون نشوب أي صراع مباشر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي… كانت فترة سلام طويلة بالنسبة إلى عالم نخرته الحرب.
هذا التعقيد، يتجلى وفق عبد الغفار، في إمكانية الحيلولة دون استغلال التقنية النووية المدنية سرا لخدمة أغراض عسكرية.
هكذا، كلما حاولت دولة ما امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية، حامت حولها الشكوك في أن هدفها الأخير، يتمثل في امتلاك سلاح نووي.
من ثم، يؤكد سيراكوسا أن التوفيق بين جني الفوائد السلمية للطاقة النووية، والحاجة إلى السيطرة على قدراتها التدميرية، يمثل مشكلة عويصة بحق.
الانتشار النووي… المزيد من الأمن؟
قالت إليزابيث، ملكة بريطانيا، نهاية سبعينيات القرن الماضي، إن القوة التدميرية الرهيبة للسلاح النووي قد حفظت العالم من حرب عظمى…
كذلك ظن بعض المؤرخين لاحقا، فقد امتدت الحرب الباردة لخمس وأربعين عاما دون نشوب أي صراع مباشر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي… كانت فترة سلام طويلة بالنسبة إلى عالم نخرته الحرب.
اقرأ أيضا: هل تعلّم العَالمُ الدّرسَ من حروبه؟ 3/3
بيد أن كثيرا من المراقبين لم يوافقوا على هذا الرأي، واعتبروا أنه لا صلة للأسلحة النووية بعملية حفظ السلام.
ببساطة، لأنه حتى في غيابها، بحسب هؤلاء، كانت أي قيادة رشيدة سترفض الدخول في حرب عالمية جديدة ستكون مكلفة للغاية.
الدول غير النووية استمرت في شن حروب تقليدية خلال الحرب الباردة بكل حرية، فيما لم تتمتع بهذه الحرية الدول النووية.
لكن للرأي الأول أيضا مبرراته، فقد توزعت الأسلحة النووية بين بعض الدول، على نحو لا تقدر معه دولة بدء أي هجوم مخافة من رد انتقامي… في الواقع، عرفت هذه الحالة بـ”توازن الرعب”.
حين رأت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي أن قوة كلاهما قادرة على امتصاص ضربة نووية أولى، وعلى شن ضربات انتقامية بعدها، صار الردع المتبادل أمرا واقعا حتى ولو لم يحمل صورة سياسية رسمية.
اقرأ أيضا: الحروب مستقبلا… سيبرانية؟ 2/1
في الأخير، دفعت الحرب الباردة الدولتين نحو سباق نووي مميت، استمر حتى أفول الاتحاد السوفياتي في دجنبر 1991م.
بالمناسبة، الدول غير النووية استمرت في شن حروب تقليدية خلال الحرب الباردة بكل حرية، فيما لم تتمتع بهذه الحرية الدول النووية بحسب ما يورده سيراكوسا.
الخبراء يؤكدون أن بعض الإرهابيين، لو تأتى لهم الوصول إلى أسلحة نووية، لأوقعوا عددا هائلا من الضحايا.
فرغم أنها كانت قادرة على خوض حروب تقليدية، إلا أنها امتنعت عن محاربة بعضها البعض. وقد كشفت الدراسات وجود قاعدتين راسختين؛ غير مكتوبتين، رسمتا صراعات الحرب الباردة؛
الأولى: لا يحق لدولة نووية أن تستخدم القوة العسكرية ضد دولة نووية أخرى؛
الثانية: حين تستخدم دولة نووية القوة العسكرية ضد دولة نووية، فإنه لا يحق لها استخدام الأسلحة النووية ضدها.
اقرأ أيضا: إيران كونترا: حكاية عشق ممنوع بين الخميني وريغان. 1\2
على أنه، إذا استثنينا قلة تُناصر مبدأ “الانتشار النووي يعني المزيد من الأمن”، فالأغلبية الباقية، خاصة منذ أحداث 11 شتنبر، ترى في انتشار الأسلحة النووية، بحسب سيراكوسا، أمرا سيئا للغاية.
لم تعد القضايا التي تحرك القوى النووية، وحتى الإرهابيين، سياسيةً وحسب، فقد رأينا من هوس الأصولية الدينية ما لا ينصاع، سواء للدبلوماسية أو للقيود الإنسانية.
في شتنبر 2005م، كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أنه منذ عام 1993م، وقعت 220 حالة تهريب مواد نووية؛ 18 حالة منها تتعلق بتهريب اليورانيوم عالي التخصيب.
الخبراء يؤكدون أن بعض الإرهابيين، لو تأتى لهم الوصول إلى أسلحة نووية، لأوقعوا عددا هائلا من الضحايا.
هكذا، الإرهاب النووي لا يمثل وسيلة للترويع والإجبار وحسب، إنما تهديدا للعالم بأسره؛ دولا وشعوبا.
ويبدو أن خطر وقوع الأسلحة النووية في الأيدي الخاطئة هو أكثر ما يؤرق العالم في السنين الأخيرة، مع بروز الظاهرة الإرهابية.
ليس هذا بحديث خرافة؛ ففي شتنبر 2005م، كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أنه منذ عام 1993م، وقعت 220 حالة تهريب مواد نووية؛ 18 حالة منها تتعلق بتهريب اليورانيوم عالي التخصيب.
لكن، من النتائج التي حققتها الجهود الهادفة لمنع الانتشار النووي في السنين الأخيرة، يورد سيراكوسا، تقلص مخزون هذه الأسلحة على نحو ملحوظ، وتحول جزء منها إلى أغراض سلمية…
اقرأ أيضا: هكذا تستقطب التنظيمات المتطرفة الانتحاريين عبر الشبكة العنكبوتية
فقد تم إنتاج نحو 128 ألف سلاح نووي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بينما يمتلك أعضاء النادي النووي اليوم نحو 27 ألف سلاح نووي فقط جاهز للاستخدام.
أينشتاين الذي مكّن العالم بنظرية النسبية الخاصة من إنتاج الأسلحة النووية، كما تابعنا في الجزء الأول، يقول إنه لا يعلم بأي سلاح سيحاربون في الحرب العالمية الثالثة.
كان يعني أنه إلى أن تقع الحرب هذه، لا يعلم إلى أي مدى ستتطور هذه الأسلحة، وقد رأينا في الجزء الثاني أنها اليوم تفوق 30 مرة قوة تلك التي ألقيت في اليابان.
بيد أنه يستطرد مؤكدا أن الرابعة… ستكون بالعصي والحجارة!
لقراءة الجزء الأول: الأسلحة النووية: عالمٌ في كفّ الإنسان… كبسةُ زرّ وينتهي كل شيء! 3/1
لقراءة الجزء الثاني: الأسلحة النووية… لماذا يهاب العالم استخدامها؟ 3/2