الإخوان المسلمون… التأسيس وحلم الخلافة 1/3
سواءٌ أكانت دعوة حسن البنا نسخة مكررة عن رسالة الشيخ رضا أو دعوة قائمة بذاتها، فإن كلا الرجلين أسس لفكرة “شمولية الإسلام”، ومن تم، خلق حالة من الرفض لدى أجيالٍ من الإسلاميين بمختلف المشارب لفكرة فصل الدين عن السياسة؛ حيث أن المشاريع الإسلامية، بالرغم من التنوع الظاهري وما تنطوي عليه من تباين الأولويات واختلاف في الخطط المرحلية وبعض التفاصيل الفقهية، فإنها جميعاً تصدر عن رؤية ثابتة للإسلام تعتقد بشموليته، تتماهى مع فكرة حسن البنا “الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف”…
منذ ذلك الحين إلى اليوم، ظلت هذه العبارة تشكِّل إحدى أهم ركائز “الإسلام السياسي
بدت الحاجة التاريخية، إبان سنة 1928، ملحة لنشأة جماعة الإخوان المسلمين، خاصةً بعد سقوط الخلافة العثمانية. هذا الأمر “أدى إلى فقدان المرجعية الكبرى للمسلمين، على المستويين: الفكري والسياسي، مما فتح الباب على مصراعيه أمام الاجتهادات الشخصية والجماعية”[1]، وأفرز حركات إسلامية تستهدف استعادة المكانة المندثرة.
لم تكن نشأة جماعة الإخوان المسلمين، في حقيقة الأمر، سوى رد فعل مباشر على إلغاء الخلافة وزحف العلمانية، لذا سعت الجماعة منذ الوهلة الأولى، إلى تحقيق رهان الحركة الإسلامية المعاصرة، المتمثل في بناء عالمية إسلامية ثانية تستعيد، وِفق شروط مختلفة، النسق الشرعي للخلافة الإسلامية.
وقد رسخ حسن البنا، مؤسس الإخوان والمرشد الأول، فكرة الخلافة عند عناصر التنظيم، وأفرد لها مساحات من رسائله. تجلى ذلك بالأساس في رسالة “التعاليم” التي طالب فيها بالسعي للعمل على إصلاح الحكومة حتى تكون “إسلامية بحق”، ومن تم “إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية، بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها، حتى يؤدي ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة”[2].
اقرأ أيضا: الإخوان المسلمون: الطّريــق إلى الإرهــاب 1
لابد هنا من التذكير، بكون ميلاد جماعة الإخوان المسلمين، تزامن مع فترة حساسة تمثلت في تهاوي صرح الخلافة العثمانية، الأمر الذي شكّل صدمة للعديد من أبناء “الأمة الإسلامية” التي كانت، إلى حدود 1924، تتدثر برداء الخلافة كضامنٍ لوحدة الأمة التي تعني في المقابل وحدة الدولة الإسلامية.
في حقيقة الأمر، لم يكن ما فعله حسن البنا في الأساس إلا تكراراً لرسالة محمد رشيد رضا، حيث قام بنشر رسالة هذا الأخير عبر تبسيط فكرتها، وجعلها متاحة على نطاق أوسع في الشارع المصري الذي أصغى إليه.
في استعراضه لتاريخ دولة الخلافة، استخلص عبد الرزاق السنهوري، أن هذين المبدأين لم يتم التفريق بينهما عند الفقهاء، لأن الواقع نفسه فرض هذه الفكرة، على اعتبار أن عهد “الخلفاء الراشدين”، الذي يعتبر المصدر التاريخي لأحكام الخلافة، قام على أساس وحدة الدولة الإسلامية.
هنا، لابد من العودة إلى رمزية الخلافة في ذهنية “العقل المسلم”؛ حيث لم تكن مجرد شكلٍ أو نظام للحكم، وإنما كانت تحمل في نظره بُعداً دينياً… على الرغم من كون الفكرة في حد ذاتها ترفل في المغالطة؛ إذ لم تشكِّل الخلافة في البدايات الأولى المرتبطة بحادثة السقيفة ذلك البُعد الديني المتصارع عليه في “المخيال الإسلامي”؛ بل أن “المسألة المطروحة لم تكن وراثة النبي في صلاحياته الدينية المستمدة من الوحي (…) بل خلافة الرسول في سلطته السياسية”[3].
على الرغم من كون الخلافة لا علاقة لها بالدين في حد ذاته؛ إذ هي نظامٌ سياسي تطلّبته ظروف الواقع في ذلك الوقت، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة الأم لمعظم التيارات والاتجاهات الإسلامية الحركية الراهنة، لا تنفك عن ترويج فكرة تقوم على أن “الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً، فهو دولةٌ ووطن أو حكومة وأمة”[4]. هذا الأمر يؤدي إلى تمازج الديني بالسياسي، فمنذ النشأة الأولى على يد حسن البنا، تعتقد الجماعة بشمولية الإسلام في كافة مناحي الحياة وشؤون البشر. الإخوان المسلمون “يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم”[5]، ويؤكد حسن البنا أن هذا بناءً على نصوص دينية.
اقرأ أيضا: كتائب الفنية العسكرية. الانقلاب الفاشل ضد السادات 2/2
بعد قرار إلغاء الخلافة، “كان منطقياً أن يظهر في مرحلة الانتقال هذه، وكنتيجة مباشرة لانفعال النموذج الليبرالي المصري بالكمالية، دعواتٌ حادة لاستنساخ النموذج الكمالي التركي مصرياً”[6].
هنا، طفا الحديث عن علاقة الدين بالسياسة على السطح، ونشأ عن ذلك اشتعال معارك فكرية وصراعات محمومة بين أنصار المعسكرين السلفي والتجديدي، وتزايد الحديث عن العلمانية كفكرة وكتوجه يحاول إعادة رسم العلاقة بين البُعدين على نحو التمايز والاستقلالية المتبادلة؛ بحيث لا يتم تديين السياسة ولا تسييس الدين.
في أبريل 1928، حضر إلى حسن البنا ستة من الذين تأثروا بمحاضراته من أهالي الإسماعيلية، والتي شكلت بعد ذلك مرتعاً خصباً لنشأة جماعة الإخوان المسلمين على يد كل من: حافظ عبد الحميد (نجار)، أحمد الحصري (حلاق)، فؤاد إبراهيم (مكوجي)، عبد الرحمٰن حسب ﷲ (سائق)، إسماعيل عز (بستاني)، زكي المغربي (عجلاتي). هٰؤلاء كانوا الشرارة الأولى لجماعة الإخوان المسلمين
بدا في هذه اللحظة أن المناخ كان مهيأ لانبثاق التيار الإسلامي، بداية في شكل جمعية الشبان المسلمين التي نشأت في نهاية عام 1927، ثم جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928، على يد حسن البنا الذي رأى المجتمع على حد تعبيره منقسماً إلى “معسكر الإباحية” و”معسكر الإسلامية”. هذا المعطى ظلّ كمحدد أساسي يحكم رؤية البنا للعالم وللأشياء بشكل عام.
في أبريل 1928، حضر إلى حسن البنا ستة من الذين تأثروا بمحاضراته من أهالي الإسماعيلية، والتي شكلت بعد ذلك مرتعاً خصباً لنشأة جماعة الإخوان المسلمين على يد كل من: حافظ عبد الحميد (نجار)، أحمد الحصري (حلاق)، فؤاد إبراهيم (مكوجي)، عبد الرحمٰن حسب ﷲ (سائق)، إسماعيل عز (بستاني)، زكي المغربي (عجلاتي). هٰؤلاء كانوا الشرارة الأولى لجماعة الإخوان المسلمين، حيث أخذ حسن البنا منهم القسم والبيعة. بعد مشاورة معه على تحديد تسمية، رد: “نحن إخوة في خدمة الإسلام، فنحن إذن الإخوان المسلمون”.
اقرأ أيضا: الطريق إلى الإرهاب: تهافت الفكر القطبي ونتائجه الكارثيّة
هنا كانت البداية، وبرز نشاط الجماعة بشكل ملحوظ حين انتقل حسن البنا للعمل بالقاهرة، حيث كان ذلك إيذاناً بدخول الجماعة مرحلة جديدة، فقد تمكن البنا من توسيع دائرة دعوته إلى خارج الإسماعيلية حيث تمكن من تأسيس عدد من الشُّعب[7] في كل من شبراخيت، المحمودية، أبو صوير، بور سعيد، السويس، والبلاح.
كلَّما كبُرت الجماعة واشتد عودها، تكبُر معها أحلام حسن البنا في إعادة المجتمع إلى “طريق الحق” لبناء مجتمع “إسلامي بحق” للعمل على إصلاح الحكومة لتكون حكومة “إسلامية بحق”، ومن تم إعادة الخلافة.
في حقيقة الأمر، لم يكن ما فعله حسن البنا في الأساس إلا تكراراً لرسالة محمد رشيد رضا، حيث قام بنشر رسالة هذا الأخير عبر تبسيط فكرتها، وجعلها متاحة على نطاق أوسع في الشارع المصري الذي أصغى إليه.
تقوم الرسالة على كون “المدنية لا تبقى إلا بالفضيلة، والفضيلة لا تتحقق إلا بالدين، ولا يوجد دينٌ متفق مع العلم والمدنية إلا الإسلام (…). واشتدت حاجة البشر إلى إصلاح روحي مدني ثابت الأركان، يزول به استعباد الأقوياء للضعفاء، واستذلال الأغنياء للفقراء وخطر البلشفية على الأغنياء، ويبطل به امتياز الأجناس، لتتحقق الأخوة العامة بين الناس، ولن يكون ذلك إلا بحكومة الإسلام”[8]، فالإسلام عند رشيد رضا “هداية روحية، وسياسة اجتماعية مدنية”.
اقرأ أيضا: علي اليوسفي العلوي يكتب: الإسلام: دين ودنيا، أم دين ودولة؟
أياً يكن الأمر، سواءٌ أكانت دعوة حسن البنا نسخة مكررة عن رسالة الشيخ رضا أو دعوة قائمة بذاتها، فإن كلا الرجلين (الأول عملياً والثاني نظرياً) أسس لفكرة “شمولية الإسلام”، ومن تم، خلق حالة من الرفض لدى أجيالٍ من الإسلاميين بمختلف المشارب لفكرة فصل الدين عن السياسة؛ حيث أن المشاريع الإسلامية، بالرغم من التنوع الظاهري وما تنطوي عليه من تباين الأولويات واختلاف في الخطط المرحلية وبعض التفاصيل الفقهية، فإنها جميعاً تصدر عن رؤية ثابتة للإسلام تعتقد بشموليته، تتماهى مع فكرة حسن البنا “الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف”…
منذ ذلك الحين إلى اليوم، ظلت هذه العبارة تشكِّل إحدى أهم ركائز “الإسلام السياسي”.
لقراءة الجزء الثاني: التنظيم السري للإخوان المسلمين… تاريخ الدم والنار 2/3
لقراءة الجزء الثالث: التنظيم السري للإخوان المسلمين… محاولات قتل عبد الناصر 3/3
[1] – رضوان أحمد الشيباني: الحركات الأصولية الإسلامية في العالم العربي، ص: 29
[2] – حسن البنا، رسالة التعاليم، أركان البيعة: ركن العمل، ص: 5و6.
[3] – عبد الجواد ياسين، السلطة في الإسلام: نقد النظرية السياسية، التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، ط: 2012، ص: 91
[4] – حسن البنا، رسالة التعاليم، أركان البيعة: ركن الفهم، ص: 2
[5] – حسن البنا، رسالة المؤتمر الخامس تحت عنوان “الإخوان المسلمون والخلافة”
[6] – عبد الرحيم علي، الإخوان المسلمون من حسن البنا إلى مهدي عاكف، مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات، 2007، ص: 22
[7] – الشعبة: هي أصغر الوحدات الإدارية، وتضم الشعبة كل الإخوان المقيمين في دائرة أيا كانت صفتهم، (والحد الأدنى لأعضاء الشعبة خمسة من الإخوان العاملين، بصرف النظر عن عدد المنتظمين والمنتسبين، والحدّ الأقصى خمسة وأربعون من الإخوان العاملين
[8] – محمد رشيد رضا، الخلافة، المكتبة الشاملة، ج:1، ص: 10و11.