التنظيم السري للإخوان المسلمين… تاريخ الدم والنار 2/3 - Marayana - مرايانا
×
×

التنظيم السري للإخوان المسلمين… تاريخ الدم والنار 2/3

الجهاز الخاص للإخوان، على ما اعتراه من متانة تنظيمية وسرية مُحكمة، لم يكن بمنأى عن الوقوع في انزلاقات خطيرة، أودت في نهاية المطاف بالجماعة ككل إلى غياهب السجون في أوائل نشأتها على يد حسن البنا، الذي كان في حقيقة الأمر القائد الأعلى للتنظيم السري.
التنظيم الخاص، كان يسير وِفق سلسلة عنقودية تتكون كلٌّ منها على حدة من خمسة أفراد يتلقّون الأوامر دونما علمٍ بالمصدر الحقيقي أو اليد الخفية التي تحرّك خيوط الجهاز الخاص.

لئن تركّز الخطاب الفكري لرواد حركة النهضة الإسلامية، مع كل من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده عقب الحملة الفرنسية، على إحياء وتجديد الفكر في أوساط النخبة فقط، ففي المقابل، جاء حسن البنا وانتقل بالقضية نقلة مغايرةً تماماً، تاركاً خلف ظهرانيه النخبة متوجهاً للعامة بُغية إشراك قطاع عريض من الجماهير في حركة (الإصلاح). بذلك، كان خطاب البنا على النّقيض تماما، جماهيرياً وفعّالا. وعوض التركيز على إحياء الفكر، كانت الخطوة الأهم بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين هي التوجه للنشاط السياسي.

بعد زهاء عشر سنوات على ميلادها، تحولت جماعة الإخوان المسلمين، من العمل المدني إلى العمل العسكري. ثم سرعان ما قرر حسن البنا، بعد نجاح الحركة في الإنتشار في مختلف الدوائر، الانتقال إلى مرحلة الجهاد. من تَمة، شرع في تحويل جزء من الجماعة من العمل الدعوي إلى العمل العسكري، فكوّن فرق الرحالة والجوالة ثم أنشأ نظام الكتائب.

كانت هذه الأنظمة أداة تفريغ لنظام جديد أشد حساسية وخطورة.. تنظيم مسلّح يستهدف استخدام القوة والعنف لتحقيق الأهداف بقوة السلاح.

الانضمام للنظام الخاص يتطلب مرور الشخص بسبع جلسات. تبدأ هذه الجلسات بالتعرف الكامل على المرشح، ثم جلسات روحية ثم جلسة للقيام بمهمة خطرة، تكون بمثابة الاختبار، حيث يطلب من الشخص كتابة وصيته ومن ثم يمر إلى جلسة البيعة، حيث يدعى المرشح للبيعة والشخص المسؤول إضافة لعبد الرحمٰن السندي.

لم يقِل التنظيم الخاص أهمية عن التنظيم العام لجماعة الإخوان المسلمين. تميز هذا الأول بالسرية التامة والطاعة المطلقة، إذ يتم انتقاء عناصره بدقة شديدة، وِفقاً لما سمي بقانون التكوين، الذي وضع تحت المسؤولية المباشرة للمرشد المؤسس حسن البنا. وقد بدأ التنظيم السري أول الأمر بخمسة أفراد تحت رئاسة عبد الرحمٰن السندي.

شُكل الجهاز الخاص وِفقاً لمجاميع عنقودية متسلسلة، حيث تتكون المجموعة القيادية من خمسة أفراد يتولى كل منهم تكوين مجموعة خمسة آخرين، ويظل الأمر متسلسلا إلى ما لا نهاية.

كان الانضمام للنظام الخاص يتطلب مرور الشخص بسبع جلسات. تبدأ هذه الجلسات بالتعرف الكامل على المرشح، ثم جلسات روحية ثم جلسة للقيام بمهمة خطرة، تكون بمثابة الاختبار، حيث يطلب من الشخص كتابة وصيته ومن ثم يمر إلى جلسة البيعة، حيث يدعى المرشح للبيعة والشخص المسؤول إضافة لـعبد الرحمٰن السندي. 

يدخل الثلاثة لغرفة البيعة التي تكون في العادة مطفأة الأنوار، فيجلسون على فراش على الأرض في مواجهة شخص مغطى الجسد تماماً، وتبدأ طقوس البيعة الأخيرة التي تمسي بعد ذلك ملزمة، وتؤدي خيانتها إخلاء سبيل الشخص من الجماعة.

اقرأ أيضا: عسكرة الرّعب: من الجهاز الخاصّ إلى الجماعة المقاتلة. تعاليم سيد قطب

لكن الجهاز الخاص، على ما اعتراه من متانة تنظيمية وسرية مُحكمة، لم يكن بمنأى عن الوقوع في انزلاقات خطيرة، أودت في نهاية المطاف بالجماعة ككل إلى غياهب السجون في أوائل نشأتها على يد حسن البنا، الذي كان في حقيقة الأمر القائد الأعلى للتنظيم السري. الأخير، كما سبقت الإشارة، كان يسير وِفق سلسلة عنقودية تتكون كلٌّ منها على حدة من خمسة أفراد يتلقّون الأوامر دونما علمٍ بالمصدر الحقيقي أو اليد الخفية التي تحرّك خيوط الجهاز الخاص.

بدا أنه كلّما كبُر التنظيم السري واشتد عوده وتشعّبت حلقاته، كلّما زادت صعوبة التحكم في أفراده الذين انفلت عقال جزء منهم في غير ما مرة، وأمسى يشكّل تهديداً على التنظيم نفسه والجماعة ككل، بل يشكّل تهديداً على حياة حسن البنا.

كانت أوّل بوادر انفلات الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين لحظة اغتيال أحمد باشا ماهر، رئيس وزراء مصر، في 1945. بيد أن مرتكب العملية أنكر انتماءه للجماعة… ثم تكرّر المشهد في 1946 عند إلقاء قنابل على عدد من أقسام الشرطة في القاهرة. لم تلبث الأمور أن تطورت بشكلٍ مخيف إبان محاولة تفجير فندق “الملك جورج” بالإسماعيلية سنة 1947.

لكن الضربة القاصمة لجماعة الإخوان المسلمين، كانت لحظة اغتيال أحمد الخازندار، في مارس 1948، على يد أحد أفراد التنظيم الخاص، والذي يُدعى حسن عبد الحافظ، سكرتير المرشد آنذاك. هذه الحادثة تبعتها عملية أخرى قام بها قسم الوحدات، أحد أقسام الإخوان، حيث قام “بتفجير عربة محمّلة بالمتفجرات في حارة اليهود بالقاهرة في 5 ماي \ أيار 1948، ثم أتبعها بتفجير عربة يد أخرى في نفس المكان (حارة اليهود) 19 يوليوز\تموز 1948، وقد كان هذا في شهر رمضان. قُتل في هذا الحادث مفجر العربة وعدد من المارة[1].

خرج حسن البنا ببيانه الشهير “ليسوا إخواناً… وليسوا مسلمين”، للتبرأ من مرتكبي الأحداث وليساعد على تخفيف حدة الضغط على الإخوان. بيد أن البيان لم يشكّل فارقاً يُذكر عند السلطة العليا للبلاد، والتي حسمت القرار بحل الجماعة

بُعيد هذه العمليات، تم انكشاف خبايا الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين، ما دفع رئيس الحكومة، النقراشي باشا لإصدار قرار عسكري بحل الجماعة قبل اغتياله، في 28 دجنبر \ كانون الأول 1948، على يد عبد المجيد أحمد حسن، أحد عناصر الجهاز الخاص. هذه القضية تعبِّر عن قمة التراجيديا السياسية في العلاقة القائمة بين الإخوان والسلطة في مصر.

اقرأ أيضا: التنظيم السري للإخوان المسلمين: مرايانا، مع ثلاث باحثين جامعيين من تونس، ينبش في أسرار وخبايا التنظيم

أمام هذا المأزق الذي لا مخرج منه، والذي كاد أن يمثل مسماراً في نعش جماعة الإخوان المسلمين في تلك الأثناء، خرج حسن البنا ببيانه الشهير “ليسوا إخواناً… وليسوا مسلمين”، للتبرأ من مرتكبي الأحداث وليساعد على تخفيف حدة الضغط على الإخوان. بيد أن البيان لم يشكّل فارقاً يُذكر عند السلطة العليا للبلاد، والتي حسمت القرار بحل الجماعة؛ فعلى الرغم من المهام القومية والوطنية التي شارك فيها التنظيم السري كحرب فلسطين ومقاومة الإنجليز، إلا أنه تسبب في مشاكل جمّة أدت في نهاية المطاف إلى حل الجماعة واغتيال حسن البنا نفسه فيما بعد.

 

[1] – علي عشماوي، التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين، مركز بن خلدون للدراسات الإنمائية، ص: 63

 

لقراءة الجزء الأول: الإخوان المسلمون… التأسيس وحلم الخلافة 1/3

لقراءة الجزء الثالث: التنظيم السري للإخوان المسلمين… محاولات قتل عبد الناصر 3/3

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *