ثقافة “السيلفي” تغتال مداخيل باعة البازارات - Marayana - مرايانا
×
×

ثقافة “السيلفي” تغتال مداخيل باعة البازارات

“الصورة هي التذكار الأفضل، كل شيء ينتهي والصور تبقى”، بهذه العبارات تحسم سارة الموضوع.
البازارات المتراصة إلى جوار بعضها البعض توحي للزائر وكأنه قد حلَّ في زمن مضى، ومهما أخذ معه من المقتنيات فلن ينقل هذا الإحساس إلى الآخرين كما تفعل الصورة لدى نشرها على صفحات الفيسبوك والانستغرام.

لم يعد النقص في مبيعات البازارات مستمرا فقط بسبب تراجع عائدات السياحة، بل أصبحت مداخيلها تعاني مشاكل من نوع مختلف.

منذ بدء الانتشار المتسارع لموضات التواصل الاجتماعي، ورواج الأجيال المتلاحقة للهواتف الذكية، بدأت معاناة باعة البازارات تتعاظم، فالزبائن أصبحوا أكثر ميلا إلى التقاط الصور ونشرها في صفحاتهم، بدل شراء القطع المعروضة للبيع.

في “السوق التحتي”، الشارع الأشهر لبيع المنتوجات التقليدية في الرباط، غالبا ما يُشاهَد الباعة جالسين على كراسيهم الخشبية أمام محلاتهم، لا يلوون على شيء، فقط تبادل الدردشات بينهم، وإطالة النظرات إلى المارِّين بين الفينة والأخرى، كأنما يشجعونهم على ارتياد المحال. ركود طوال السنة تقريبا، اللهم إذا تعلق الأمر بالتقاط المارة من مغاربة وأجانب للصور لدى عبورهم.

نحن نؤثث المشهد فقط !!!

عند مغادرة قصبة الوداية، يستقبل الزوارَ زقاق البازارات، يتسع قليلا عند المدخل، ويفضي إلى ممر طويل تصطف على جنباته محلات بيع القطع التقليدية، صناعات جلدية مغربية، ونقوش على قلادات فضية، وآلات موسيقية تقليدية، وأدوات خشبية. ما إن يلج الزائر نتوءاته ومنعرجاته حتى تلحّ عليه الكاميرا الذكية المركونة خلف هاتفه، عساه يستل بعضا من جماليات المشهد.

اقرأ أيضا: مكناس: منبع التراث، نزهة الروح وغنى المجال…

“سعيد السالمي” ذو العقد الرابع، باشر مهنة بيع المنتوجات التقليدية السياحية، قبل فترة طويلة من ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، يتحسر على الحالة التي آلت إليها هذه التجارة في جملة بليغة: “صرنا نحن وبضائعنا نؤثث مشاهد السيلفيات فقط”.

سعيد، كغيره من تجار وباعة البازارات، لا يجدون فرقا بين الصيف والشتاء، الزبائن عموما لم يعد في مقدروهم اقتناء السلع الغالية. في أحسن الأحوال، يشتري أحدهم حمالات مفاتيح أو قلادات صغيرة لا يزيد سعرها عن العشرة دراهم، مع بضع صور هنا وهناك تجد طريقها سريعا إلى “الفيسبوك” و”الانستغرام”. بالنسبة للعابرين من هنا، تعليقات أصدقائهم وإشعارات الإعجاب تهمهم… أكثر من اقتناء البضاعة المعروضة!

في الماضي، كان باعة البازارات يعانون بعض الشائعات التي تحوم حول نشاطهم؛ كبيعهم للسياح أغراضا بأثمنة أكثر بكثير من قيمتها الحقيقية، وكونهم يتواطؤون مع المرشدين السياحيين ويتاجرون في العملات… الآن، أصبحوا يعانون تراجع الإقبال عل بضائعهم بشكل مهول، في حين يجدون صور محلاتهم وبضائعهم قد ملأت صفحات التواصل الاجتماعي. لقد أصبح كل عملهم خلفيات لصور المارة فقط.

“السوفونير” صورة فقط

جاءت “سارة” إلى الرباط قادمة من البيضاء لتلتقي أصدقاءها الأوروبيين. هؤلاء فضلوا زيارة المغرب في هذه الفترة تفاديا لازدحام المطارات ولارتفاع تذاكر الطيران والفنادق خلال الصيف. ساعات تمضيها سارة مع الضيوف بين التجوال في أزقة المدينة العتيقة للرباط، وبين احتساء الشاي المغربي في شارع محمد الخامس. الأوروبيون الذين برفقتها لم يقتنوا، لحد الساعة، أي تذكار من البازارات التي مروا بها.

اقرأ أيضا: هوليوود إفريقيا… لماذا يعد المغرب من أفضل الوجهات العالمية لتصوير الأفلام؟

في إحدى مقاهي شارع محمد الخامس، حديث قصير يدور بين الأصدقاء حول الصور التي تلتقطها الهواتف الذكية، وتنشر على صفحات التواصل الاجتماعي. سارة تؤكد أن الناس أصبحوا لا يجدون الجمال في قطعة بعينها إذا تم اقتناؤها، بقدر ما تكون المصنوعات الجلدية والخشبية والفضية جميلة حينما تكون معروضة مع بعضها البعض في البازارات.

“الصورة هي التذكار الأفضل، كل شيء ينتهي والصور تبقى”، بهذه العبارات تحسم سارة الموضوع. البازارات المتراصة إلى جوار بعضها البعض توحي للزائر وكأنه قد حلَّ في زمن مضى، ومهما أخذ معه من المقتنيات فلن ينقل هذا الإحساس إلى الآخرين كما تفعل الصورة لدى نشرها على صفحات الفيسبوك والانستغرام.

مساحات للربح وأخرى للخسارة

صناع تقليديون وباعة لا يكفون عن التذمر من الوضع، كلما طالعهم أحد بإمكانه نقل أصواتهم. يسلِّمون بأنه من حق الزوار أن يكتفوا بالتقاط الصور مع الفضاءات التقليدية مثل البازارات السياحية، لكن الهواجس تحوم حول مآلات هذه التجارة إذا استمرت موجة التخلي عنها، فالصناع التقليديون لا يتركون خلفا لهم في فنونهم، ومعظم التجار يبحثون عن بدائل أكثر جلبا للزبائن.

أما صناع المحتوى في اليوتيوب، فالكثير منهم يميلون إلى تصوير منتجات سياحية ثقافية وبثها على قنواتهم وصفحاتهم التواصلية، ما يعود بالأموال عليهم مقابل المشاهدات التي يتلقونها، واقع بات صناع المنتجات التقليدية وبائعوها في البازارات يدركونه، ويدركون معه أنهم هم مساحة الخسارة، مقابل مساحات أخرى للربح تؤثثها الصورة في عصر التكنولوجيات الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *