حين كان ماكيافيلي لاعبا ودافنشي مشجعا! كرة القدم… لعبة الرعاع والمجرمين! 1/2 - Marayana - مرايانا
×
×

حين كان ماكيافيلي لاعبا ودافنشي مشجعا! كرة القدم… لعبة الرعاع والمجرمين! 1/2

الكاتب إدوارد غاليانو يحكي في كتابه “كرة القدم بين الشمس والظل”، أن سمعة كرة القدم في القرون الوسطى كانت سيئة للغاية، خصوصا في إنجلترا حيث لم تكن لملعب كرة القدم أبعاد محددة، ولا للمباريات زمن محدد، فقد كان يتراكض خلف الكرة إياها عدد كبير جدا بين قريتين لساعات أو أيام، وكانت اللعبة مزيجا من الريكبي وكرة القدم الحالية.
… لم تكن سوى لعبة همجية يتسيدها الرعاع والمجرمون، بسببها يموت الناس وترتكب الجرائم، ما جعل الملك إدوارد الثالث يمنعها ويجرمها بمرسوم رسمي.

الحديث عن شغب الجمهور يكاد يكون مصاحبا للحديث عن أي مباراة في كرة القدم، فاللعبة العالمية لا تثير حساسيات الترفيه والاستمتاع لدى عشاقها فقط، بل باتت خلال السنوات والعقود الماضية مدعاة للنزاع العنيف بين أقسام من متابعيها، خصوصا الشباب الصغار الذين ما يزالون في مقتبل العمر. عنف ليس حكرا على مجتمع بعينه أو ثقافة بعينها. إنه يكاد يكون “ظاهرة عالمية”.

قطاع عريض من المهتمين بالتطور الاجتماعي لكرة القدم والقضايا المتصلة بها يفسرون شغب الجمهور بكونه ليس تعبيرا عن الشعور بخسارة مباراة، أو الاحتجاج على فوز يرونه مغشوشا للفريق الخصم، بقدر ما هو تعبير لا واعٍ وغير مباشر عن مواقف اجتماعية لمتابعي اللعبة الأشهر والأكثر جلبا للاهتمام والمتابعة عبر التاريخ.

في الفترات الأخيرة بدأت جماهير كرة القدم في عدد من البلدان تنزاح في تعبيراتها “المشاغبة” نحو لفت الانتباه إلى روايات من الأدب العالمي، “تيفوات” تحمل شعارات تعكس مستوى مختلفا في الوعي عن مألوف هذا الجمهور، وأغانٍ لا صلة لها بكرة القدم والتنافس على الألقاب الكروية، إنه تحول في ظاهرة الشغب له علاقة بجينات الشغب في كرة القدم منذ منشئها، شغب تطور عبر القرون من شغب اللاعبين أنفسهم إلى شغب الدول والجيوش، وها هو شغب الجمهور يتطور بعد عقود وسنوات قليلة إلى شيء آخر.

شغب بنكهة “جورج أورويل”

القطار المتوجه من الدار البيضاء إلى مراكش يكاد أن يتحول إلى حمام دم حقيقي. هلع كبير أصاب الركاب. يبدو أن هذا “الجيش” من “الرعاع” العابثين لن يوقفهم شيء في طريقهم إلى الاعتداء على كل من يوجد على متن القطار. إنهم جزء من جمهور كرة القدم يريدون العودة إلى ديارهم مجانا بعد خسارة فريقهم.

اقرأ أيضا: ملاعب كرة القدم… الملاذ الجديد للاحتجاج السياسي والاجتماعي في المغرب.(1/2)

يكاد يكون هذا الحادث متكررا، بل يكاد يكون مصاحبا لأي مباراة وطنية أو محلية، فلا يستغرب مستعلمو القطارات وعربات “الطرام” والحافلات الصخب الذي يثيره هؤلاء الشبان. بالرغم من ركوبهم المجاني، إلا أنهم يقلقون فعلا راحة الكل. يبدو أن إثارة الشغب والفوضى صار صفة ملازمة لتيار عريض من متتبعي كرة القدم.

منذ سنوات مضت، صار تدبير مباريات كرة القدم تدبيرا أمنيا صرفا. معظم المقابلات الكروية لم تبق مجرد مناسبات للتنفيس عن الضغوط وجلب المتعة للمتفرجين، بل أصبحت مواضيعا حقيقية للصراع. صراع تنشب نيرانه على مدرجات الملاعب وعلى جنباتها بعد المقابلة، وأحيانا تمتد إلى ميدان اللعب نفسه.

تكلفة كبيرة هي تلك التي تلحق اللعبة، ومعها ترتفع فاتورة الهواجس التدبيرية، فالقوات العمومية يصير همها الشاغل هو تأمين المنشآت العمومية والخاصة من عبث كم مهمل من الشباب اليافعين يأتون على الأخضر واليابس. “ما الحاجة إلى هذه اللعبة أصلا؟”، يتساءل أحدهم مستغربا هذا النمط من التفاعل مع نتائج المباريات.

غير أن الصورة لم تعد هي نفسها، ففي الفترة الأخيرة، أصبحت “فصائل” المشجعين أكثر ميلا نحو توجيه الإشارات بأسلوب شعبي وباستعمال أدوات ثقافية، “تيفوات” بأسماء روايات عالمية مثل الإشارة للغرفة 101 في رواية 1984 للكاتب جورج أورويل، وأغنيات مليئة بالمضامين الاجتماعية والسياسية. إشارات هي ربما أكثر دلالة على تحولات جديدة في جينات كرة القدم وجمهورها، اللعبة التي بدأت بدايات مثيرة وهاهي تمشي في طريق تحولات خارج المتوقع.

لعبة الرعاع والمجرمين!

ربما لا يدري المشجعون الذي رفعوا اسم رواية الكاتب الإنجليزي جورج أورويل أن موقفه من لعبة كرة القدم كان قاتما للغاية، فالرجل كان قد أعلن في مقالته الشهيرة المنشورة أواسط الأربعينيات من القرن الماضي، والمعنونة بـ”الروح الرياضية”، أن اللعبة المثيرة للجدل احتفظت بجيناتها المثيرة للأحقاد والشرور والعنف، ولم تتخلص منها رغم مرور قرون طويلة على ظهورها وتطور القوانين المنظمة لها، وصولا إلى تأسيس اتحاد عالمي وصيٍّ عليها بداية القرن ذاته.

اقرأ أيضا: من العيطة إلى أغاني الألتراس.. حناجر غاضبة صنعت تاريخ الموسيقى الاحتجاجية في المغرب المعاصر (1/2)

الكاتب إدوارد غاليانو يحكي في كتابه “كرة القدم بين الشمس والظل”، أن سمعة كرة القدم في القرون الوسطى كانت سيئة للغاية، خصوصا في إنجلترا حيث لم تكن لملعب كرة القدم أبعاد محددة، ولا للمباريات زمن محدد، فقد كان يتراكض خلف الكرة إياها عدد كبير جدا بين قريتين لساعات أو أيام، وكانت اللعبة مزيجا من الريكبي وكرة القدم الحالية، ولم تكن سوى لعبة همجية يتسيدها الرعاع والمجرمون، بسببها يموت الناس وترتكب الجرائم، ما جعل الملك إدوارد الثالث يمنعها ويجرمها بمرسوم رسمي.

كان الشغب في الملاعب وبانخراط اللاعبين أنفسهم، بل كان إجراما حينئذ. لهذا، فملوك فرنسا وإسكتلندا وكنائس أوروبا وقفوا ضد اللعبة، وبقي الحال على حاله تلك، إلى أن جاء النصف الثاني من القرن التاسع عشر. حينئذ، بدأت كرة القدم تتقدم رويدا رويدا صوب التنظيم والانضباط لينتهي عصر “شغب” اللاعبين، فاللعبة التي شهدت بداياتها على أيام الفراعنة وقدماء الصينيين ومورست في إيطاليا إلى الحد الذي أصبح معه الفيلسوف الشهير نيكولا ماكيافيلي لاعبا ممارسا والفنان والعالم ليوناردو دافنشي مشجعا نشيطا، أصبحت لعبة محكومة بقوانين متعارف عليها أمميا.

لقراءة الجزء الثاني: ارتبط العنف بتاريخها… هكذا أشعلت كرة القدم حروبا مدمرة 2/2

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *