#ألف_حكاية_وحكاية: يحدث في بر مارسيليا
كانت عاملة نظافة وكانت صديقتي. نلتقي في بيتها أو في بيتي. كانت لها طفلة لا تحب المدرسة .حاوَلَت معها بكل الطرق بالتحسيس والترهيب. لكنها لم تنجح في جعلها تحب ذلك …
كانت عاملة نظافة وكانت صديقتي. نلتقي في بيتها أو في بيتي. كانت لها طفلة لا تحب المدرسة .حاوَلَت معها بكل الطرق بالتحسيس والترهيب. لكنها لم تنجح في جعلها تحب ذلك المكان الذي كان يعني لها العذاب: المدرسة.
كانت ابنتها تتوفر على كل ما تريد: غرفة خاصة، حاسوب، كتب. تمارس الرياضة والموسيقى وتسافر في العطل ولها آخر صيحات الموبايل.
كنت أحاول من جهتي أن أنصح ابنتها بالدراسة؛ لكني لم أفلح رغم أنني في الماضي جعلت العديد من تلامذتي في التعليم الأصيل يتشبتون بالدراسة.
أريدك امرأة حرة تعتمد على نفسها وتشق طريقها بعيدا عن قدر المكنسة والمسحوق
جاء يوم وقالت فضيلة، وهو إسم صديقتي:
_ سأخرج العيار الثقيل. سأحكي لها حياتي. أخفيت عنها حكايتي لكي أحميها من ثقل الماضي… لكنني اليوم سأحكي لها كل شيء.
اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: الوريثة
التقينا على مائدة العشاء. تحادثنا مع أنيسة، ابنة فضيلة. سألتها أمها عن الواجبات. كالعادة، أجابت أنها لم تقم بها. قالت صديقتي:
_ هل تعرفين لِم أنا عاملة نظافة؟
_ لا أعرف… لأنك لم تدرسي.
_ لماذا لم أدرس؟
_ لم تكوني تحبين المدرسة؟
قالت فضيلة وهي واثقة:
_ كنت أحب المدرسة كأي بنت فقيرة فهمت أن الدراسة خلاصها. كنت أحب الكتب ولباس المدرسة. كنت أقرأ كثيرا وكانت أمي ترمي بالكتب في الماء ومسحوق الغسيل. تمدني بالسطل وتأمرني بالتنظيف وتقول إنني لا أصلح إلا للنظافة وإنجاب الأطفال. كان أبي يوافقها الرأي وكان أخي يمدني بملابسه لأكويها.
اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: فضيلة من نوع خاص… لأخ من نوع خاص جدا (قصة واقعية)
رغم ذلك، تشبتت بالدراسة إلى أن أتى يوم قبّلت فيه دافيد في ساحة الإعدادية. فضحتني ابنة خالتي صباح وانعقد مجلس العائلة. ضربوني، شوهوا وجهي وقالوا إنهم سيزوجونني. كنت في الخامسة عشر من عمري. بمن أستعين؟
طلبت المساعدة من عمي، لكنه أقر بقرار مجلس العائلة. تمت خطبتي لإدريس، ابن عمي الذي كان مهاجرا سريا.
سرقوا عقلي وصادروا تفكيري، فتكوا بأجمل سنوات عمري. كل هذا لأنني امرأة ناقصة عقل ودين. أقل من الآخرين.
في الصيف التالي أقيم عرسي. غادرت المدرسة. كان علي أن أشتغل مادام إدريس ليس له أوراق إقامة. أول عمل وجدته كان التنظيف. كنت أصلح فقط للتنظيف. اشتغلت لسنة ثم حبلت بك. في تلك الأثناء، حصل أبوك على أوراق الإقامة وبدأت الإهانات والضرب. كان يضربني إلى أن تحدث هالات زرقاء في كل جسدي. حدثت أبي أنه يضربني لكنه قال إنه يؤدبني.
عندنا، يحق للرجل أن يضرب زوجته العاصية… وأنا كنت ضلعا أعوجا حسب أسرتي. حدثت أمي عن الضرب لكنها قالت لي بالصبر وبأن أنتظر، فزوجي سيتغير ذات يوم.
اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: الشيخ “لـ” والحريم: دعارة حلال؟
أتى يوم ضربني إلى أن دخلت في غيبوبة. في المستشفى، سألوني واعترفت. تدخلت المصالح الإجتماعية لمنع زوجي من رؤيتي. قمت باستخراج شهادة طبية تثبت الجروح والكدمات. رفعت دعوى ضده بعد خروجي من المستشفى. طلقت واعترفت للقاضية أنهم زوجوني رغما عن إرادتي.
كنت أقرأ كثيرا وكانت أمي ترمي بالكتب في الماء ومسحوق الغسيل. تمدني بالسطل وتأمرني بالتنظيف وتقول إنني لا أصلح إلا للنظافة وإنجاب الأطفال
عدت إلى بيت أبي لأنني خفت أن أسكن وحيدة. كان بطني قد انتفخ وبدأت أنت تتحركين في أحشائي. خافوا من عار الطلاق فأودعوني عند أختي بمارسيليا. أختي استخدمتني عندها لثلاث سنوات. لم أرَ العالم خلال تلك السنوات. أطبخ وأكنس وأعتني بالأطفال إلى أن جاء يوم هربت فيه. جريت بسرعة وأحسست بهواء الحرية.
قدمت إلى ألبي وأنا لا أعرف من أين أبدأ. اقترحوا علي عملا يليق بمغربية لم تتعلم. قنعت بقدر التنظيف لكي أربيك. أخفيت عليك حقيقة أبيك وأسرتي كي لا تضطربي. لقد سرقوا طفولتي. لم تكن لي يوما غرفة خاصة. لم يكن لي مكتب. كانت المكنسة دائما في يدي وخرقة لمسح الغبار. لم أكن أنفع لغير ذلك.
اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: تاناتوس… موسم الموت
سرقوا عقلي وصادروا تفكيري، فتكوا بأجمل سنوات عمري. كل هذا لأنني امرأة ناقصة عقل ودين. أقل من الآخرين.
عندنا، يحق للرجل أن يضرب زوجته العاصية… وأنا كنت ضلعا أعوجا حسب أسرتي
لا أريدك أن تعيدي سيرتي المثقلة بالرعب والقيود، بالخوف الذي نشأت فيه.
أريدك امرأة حرة تعتمد على نفسها وتشق طريقها بعيدا عن قدر المكنسة والمسحوق. لا يهم ما تعذبته أنا. لايهم كيف تهت في الطرقات. ما أريده هو أن تكوني حرة وتعتمدي على نفسك. تهون الإساءة إن كنت ستحصلين على شهادات وتشتغلي كما حلمت لنفسي قبل أن يقتلوا الحلم.
حلمت بأن أكون محاسبة، أن أشتغل في الأرقام وأن ألبس طايورا أنيقا. لم أحلم بقدر المكنسة. هم فرضوه علي ولا أريدك أن تعيديه. كفانا تكرارا لقدر الخنوع والخضوع. التعويض الحقيقي في هاته الحياة بالنسبة لي هو أن تتعلمي وتتسلحي بالمعرفة.
كانت أنيسة تنظر إلى أمها وتستغرب كيف أخفت عليها قصة حياتها. لماذا لم تحادثها من قبل عن مسارها.
انتهى العشاء وانصرفت أنيسة إلى غرفتها الوردية. بعد ذلك بشهر، عادت فضيلة إلى الدراسة. دخلت مدرسة لتكوين السكرتيرات. ذهبت ابنتها إلى مارسيليا لتعيش مع جدتها من أمها ولتتزوج هناك من كمال، ابن عم لم يكن يتوفر على أوراق إقامة…
وهكذا يعيد التاريخ نفسه حد المقت.
اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: سنطرد المومسات…