رابعة العدوية… “سيدة العاشقين” التي أسست مذهب الحب الإلهي في التصوف الإسلامي - Marayana - مرايانا
×
×

رابعة العدوية… “سيدة العاشقين” التي أسست مذهب الحب الإلهي في التصوف الإسلامي

في حين تذكر بعض الكتابات التاريخية أن توق رابعة العدوية الجامح إلى الحرية أدى بها إلى حياة اللهو والملذات، فإن كتابات أخرى تنفي ذلك، وتقول إنه ما كان لمن أطلق الجيران على أبيها، “العابد”، أن ينفلت زمام أمرها… بل وثمة من يقول إنها حفظت في باكر عمرها القرآن وقرأت الحديث، كما حافظت على صلاتها… وبوصف أشمل؛ نشأت عابدة.

نجد اسمها في الصفحات الأولى من تاريخ التصوف الإسلامي. ولأنها كذلك، يعتري ذكرها الكثير من الغموض وعدم الاتفاق بين المؤرخين، فضلا عن كونها لم تكتب صفحة واحدة تؤرخ بها لحياتها وأفكارها.

بيد أنه ثمة ملامح عامة لسيرتها، فهي “سيدة العاشقين”، التي ما أحب أحد الإله كما أحبته هي… والعهدة على الرواة!

إنها رابعة العدوية، اسم أشهر من نار على علم… فما قصتها؟ ذاك ما سنتابعه في هذا البورتريه.

اسمها رابعة بنت إسماعيل العدوية، تكنى بـ”أم الخير”، وقد رأت النور في البصرة بالعراق عام 100 للهجرة كتاريخ مرجح لمولدها.

أنجب والداها أربع بنات، هي رابعهن، لذلك سميت برابعة. أما لقب العدوية، فقد لحق بها لانتمائها لقبيلة تدعى بني عدوة.

يَتَمَت رابعة وهي لم تبلغ عشر سنوات، ثم ما لبثت الأم أن لحقت بالأب… كانت وأخواتها يعشن في فقر مدقع، فعانين بعد وفاة الوالدين أكثر وأكثر؛ إذ ذكر المؤرخ فريد الدين عطار في “تذكرة الأولياء”، أن أباهن لم يترك لهن سوى قاربا يقل الناس في أحد أنهار البصرة بدراهم معدودة.

حدث في يوم من الأيام أن ذهبت لقضاء حاجة لسيدها، فإذا بأحدهم يتبعها بنظرات تبطن الشر، ففزعت واختبأت ثم أخذت تناجي ربها أن يحفظها… هذا الحدث يعد نقطة التطور الحاسمة في حياة رابعة الروحية.

هكذا، نشأت رابعة في الحرمان وعاشت الشقاء في باكر عمرها بعدما خرجت لتعمل مكان أبيها، ثم زاد الطين بلةً مجاعةٌ ضربت البصرة بسبب الجفاف، أدت إلى مغادرة البيت رفقة أخواتها، حتى فرقت السبل بينهن.

صارت رابعة وحيدة متشردة تكافح المجاعة، التي أوجدت اللصوص في البصرة وقطاع الطرق، فكان أن تعرضت ذات يوم للخطف، فبيعت بستة دراهم لتاجر أثقل عليها بالعمل.

اقرأ أيضا: هذه حكاية التصوف في المغرب… بلاد الأولياء والصالحين!

حدث في يوم من الأيام أن ذهبت لقضاء حاجة لسيدها، فإذا بأحدهم يتبعها بنظرات تبطن الشر، ففزعت واختبأت ثم أخذت تناجي ربها أن يحفظها… هذا الحدث كان فارقا في حياة رابعة العدوية.

المفكر عبد الرحمن بدوي في كتابه “شهيدة العشق الإلهي”، يؤكد أن هذه اللحظة في حياة رابعة يجب أن تعد نقطة التطور الحاسمة في حياتها الروحية، مضيفا أنها “ما تزال في الأسر المادي لدى ذلك السيد القاسي الذي أرهقها، حتى كان لهذا الإرهاق فضلُ انفجار روحها الباطنة النبيلة”.

بطريقة ما، نالت رابعة أخيرا حريتها… في حين تذكر بعض الكتابات التاريخية أن توقها الجامح إلى الحرية أدى بها بعد ذلك إلى حياة اللهو والملذات، فإن عبد الرحمن بدوي ينفي ذلك، ويقول إنه ما كان لمن أطلق الجيران على أبيها، “العابد”، أن ينفلت زمام أمرها.

بل وثمة من يقول إنها حفظت في باكر عمرها القرآن وقرأت الحديث، كما حافظت على صلاتها… وبوصف أشمل؛ نشأت عابدة.

اقرأ أيضا: ابن عربي… “الشيخ الأكبر” المتهم بالزندقة والكفر 1\2

أيا كان القول، فإن لقاء رابعة بصوفي من البصرة اسمه رياح بن عمرو القيسي، كان لحظة فارقة أخرى أدى بها إلى الزهد والتصوف… وعلى فرض أنها اعتنقت حياة اللهو والملذات سابقا، وأنها أحبت أحدا ما، فإنها بتصوفها، حملت معها هذا الحب على نحو آخر.

رابعة إذ صارت متصوفة، أحبت الإله هذه المرة حد أن اعتبرت في تاريخ التصوف الإسلامي، مؤسسة مذهب الحب الإلهي.

وبتعبيرها، في بعض أكثر ما اشتهر من شعرها:

عرفتُ الهوى مذ عرفت هواك *** وأغلقت قلبي عمن سِواكَ

وكنت أناجيك يا من ترى *** خفايا القلوب ولسنا نراك

أحبكَ حُبّيْنِ حب الهوى *** وحبّا لأنك أهل لذاك

فأمّا الذي هو حب الهوى *** فشغلي بذكرك عمن سواك

وأمّا الذي أنت أهل له *** فكشفك للحُجب حتى أراك

رابعة بالمناسبة حُبيّت بموهبة الشعر، ولما تمكنت من روحها وتمكنت منها، أنشدت أبياتا في حب الإله، لا تزال خالدة إلى اليوم، يتغنى بها العامة قبل المتصوفين.

عدا عن أبيات الشعر هذه، لرابعة مقولات عدة تتضمنها كتب تاريخ التصوف الإسلامي، منها أنها سُئلت يوما “ما أقرب ما تقرب به العبد إلى الله عز وجل؟ فبكت وقالت: أمثلي يُسأل عن هذا! أقرب ما تقرب العبد به إلى الله تعالى أن يعلم أنه لا يحب من الدنيا والآخرة غيره”.

عاشت رابعة العدوية بقية حياتها في البصرة، زاهدة متعبدة اشتهرت بحبها المنقطع النظير لربها، عذراء بتولا، تقدم لخطبتها خيرة رجال قومها، لكنها فضلت الانصراف إلى حياة التعبد وحدها دون زوج ولا ولد.

منها أيضا ما روته خادمتها عبدة بنت أبي شوال، أن رابعة كانت تصلي مئات الركعات في اليوم، فإذا سئلت “ما تطلبين من هذا؟”، قالت: “لا أريد ثوابا بقدر ما أريد إسعاد رسول الله حتى يقول لإخوته من الأنبياء: انظروا هذه امرأة من أمتي… هذا عملها”.

اقرأ أيضا: المرأة “الزوجة” في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام… 3/1

هكذا، عاشت رابعة العدوية بقية حياتها في البصرة، زاهدة متعبدة اشتهرت بحبها المنقطع النظير لربها، عذراء بتولا، تقدم لخطبتها خيرة رجال قومها، لكنها فضلت الانصراف إلى حياة التعبد وحدها دون زوج ولا ولد.

في تاريخ وفاة رابعة العدوية أكثر من رواية… مِن المؤرخين من قال إنها ماتت عام 135 للهجرة، ومنهم من قال عام 180هـ، ومن قال أيضا 185هـ، بيد أن معظم الباحثين يميلون إلى الروايتين الأخيرتين.

ثمة من يقول إنها ووريت ثرى القدس على رأس جبل يدعى طور زيتا، لكنها رواية غير مرجحة، ذلك أنها لم تخرج البصرة ما حييت، ناهيك عن ترجيح اشتباهه على الناس، إذ هناك دفنت امرأة أخرى اسمها رابعة، لكنها قد لا تكون رابعة العدوية.

أما الراجح في ذلك، أنها ترقد اليوم حيث عاشت… في البصرة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *