تزويج القاصرات: حين يشرعن القانون الرق… والاتجار بالبشر!حقوقي: تزويج القاصرات جريمة ترقى إلى جرائم الاتجار بالبشر وتجارة الرقيق"
خرجت مدونة الأسرة في المغرب إلى حيز النفاذ عام 2004، وما زالت منذ ذاك تطرح العديد من الجدل في فصول كثيرة؛ من أبرزها، تلك التي كان يفترض أن تحاصر ظاهرة تزويج القاصرات، فأسهمت من حيث لا تدري في تفاقمها… كما نتابع في هذا الملف.
خرجت مدونة الأسرة في المغرب إلى حيز النفاذ عام 2004، وما زالت منذ ذاك تطرح العديد من الجدل في فصول كثيرة؛ من أبرزها، تلك التي كان يفترض أن تحاصر ظاهرة تزويج القاصرات، فأسهمت، وفق البعض، في تفاقمها.
في حين سجل عام 2004، بحسب الأرقام الرسمية، 18341 حالة تزويج للقاصرين، ارتفع الرقم عام 2011 إلى 39031 حالة، بنسبة بلغت 12 بالمائة من مجموع عقود الزواج المسجلة خلال نفس السنة.
على أنه بعد الارتفاع، سجل المغرب تراجعا في هذه الظاهرة، إذ بلغت حالاتها، عام 2018، 25514 عقد زواج، بنسبة 9.13 بالمائة من مجموع العقود المسجلة خلال السنة ذاتها.
بحسب مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط، نشرتها عام 2017 بمناسبة اليوم العالمي للطفولة، فإن 94.8 بالمائة من القاصرين المتزوجين هم إناث.
وزير العدل، محمد أوجار: “تزويج القاصر اليوم ظاهرة اجتماعية مؤسفة وتحد حقوقي يقتضي تظافر الجهود للحد منه في أفق إلغاء الاستثناء”.
بلغة الأرقام إذن، ما زال الوضع مقلقا، والأمر يتعلق، وفق دراسة حديثة أجرتها جمعية “حقوق وعدالة”، بـ”موروث ثقافي لبلد تحكمه الأعراف والتقاليد” وبـ”أزمة القيم والأخلاق”؛ إذ مهما “اختلفت وتداخلت أسباب زواج القاصرات، فنتائجه وعواقبه تطال أطراف العلاقة الزوجية”.
اقرأ أيضا: جريمة الاغتصاب… بين “الحشومة” والعقوبات القانونية التي لا تكبح جماح الجناة! 3/1
والأسباب هنا مختلفة، منها ما يتعلق بالجانب الاجتماعي والجنسي، كالخوف من “العنوسة” (باعتبار أهمية الزواج لدى أغلبية الأسر والأفراد، خاصة بالنسبة للإناث)، أو ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، كرغبة الآباء في انتشال بناتهم من الفقر، خاصة في العالم القروي.
رئيس ذات الجمعية، مراد فوزي، أكد خلال تقديم نتائج الدراسة أن نسب تزويج القاصرات في تزايد وتتجاوز الإحصائيات الرسمية، كما اعتبر أن تزويج القاصرات “جريمة ترقى إلى جرائم الاتجار بالبشر وتجارة الرقيق”.
المجتمع لا يقبل الظاهرة
وفق بحث ميداني أجراه مركز الدراسات والأبحاث حول الهجرة والحقوق الإنسانية، عام 2017، فإن 71 بالمائة من المستجوبين يرفضون تزويج القاصرات.
79 بالمائة من هؤلاء، يرون بحسب البحث نفسه، أن تزويج القاصرات مرتبط بالفقر بدرجة أولى، ويعرف انتشارا مهولا في المناطق التي تتميز بالهشاشة.
بلغة الأرقام، ما زال الوضع مقلقا، والأمر يتعلق، وفق دراسة حديثة أجرتها جمعية “حقوق وعدالة”، بـ”موروث ثقافي لبلد تحكمه الأعراف والتقاليد” وبـ”أزمة القيم والأخلاق”؛ إذ مهما “اختلفت وتداخلت أسباب زواج القاصرات، فنتائجه وعواقبه تطال أطراف العلاقة الزوجية”.
كما ربط 80 بالمائة الظاهرة بضعف التعليم وغياب الوعي بالحقوق، معتبرين أن القيم الاجتماعية والثقافية تلعب دورا أساسيا في استمرار الظاهرة عبر الأجيال.
“الفشل مصير تزويج القاصر”، كان رأي أزيد من 71 بالمائة منهم. وفي حين اعتبر نحو 93 بالمائة أن تزويج القاصرات له آثار نفسية وجسدية خطيرة، بلغت النسبة في هذا الرأي لدى الفتيات 99 بالمائة.
اقرأ أيضا: عذرية المرأة… حين يصبح “العار” بالزواج شرفا! (الجزء الثاني)
تعليقا على هذه الأرقام، كان عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، قد أكد في غضون عرضها، أن “زواج القاصرات بات أزمة حقيقية، أدت إلى تزايد نسبة الوفيات في صفوف الحوامل الصغيرات، والانتهاك الممنهج لحقوقهن في الكرامة، وفي التعليم وتنمية قدراتهن”، مضيفا أن “الظاهرة تسببت في تشريد وضياع العديد من الفتيات، ضحايا التزويج في سن الطفولة، ورميهن في براثن الدعارة وتجارة البشر، والاستغلال الجنسي الممنهج”.
ثغرات قانونية
يخوض الحقوقيون معركة شرسة ضد الفصلين 20 و16 من مدونة الأسرة، إذ يفتحان الباب لاستمرار الظاهرة؛ الأول لتخويله الاستثناء، والثاني لإمكانية التحايل عليه بسهولة…
الفصل 20 من مدونة الأسرة يقول إن “لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن 18 سنة”، شريطة تعليل قراره بعد الاستماع إلى أبوي القاصر أو نائبه الشرعية، والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي.
رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش: “المطالبة بإلغاء الاستثناء يرجع إلى أن مدونة الأسرة لا تتلاءم مع الدستور والتشريعات الدولية، ومن ثم ينبغي الترافع من أجل إلغاء المادة 20 من المدونة، وتنفيذ مقتضيات تحديد السن الأدنى للزواج في 18 سنة”.
أما الفصل 16، الخاص بإثبات الزواج، فيطرح إشكالا كبيرا إذ يتم التحايل عليه لشرعنة تزويج القاصرات. الحديث هنا عن إشكال مفاده أن يتم الزواج على نحو تقليدي، بالفاتحة مثلا، ثم بعد ذلك يرفع الزوجان دعوى ثبوت الزوجية، حين تضع القاصر مولودها البكر.
اقرأ أيضا: المرأة “الزوجة” في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام… 3/1
هذا الفصل ينص على أن “وثيقة عقد الزواج تعد الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج، إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته”. ذات الفصل يشير إلى أن “المحكمة تأخذ بعين الاعتبار وهي تنظر في دعوى الزوجية وجود أطفال أو حمل ناتج من العلاقة الزوجية”.
بحسب دراسة أجرتها جمعية “مبادرات للنهوض بحقوق النساء – مكناس” عام 2014، فإن هذه المادة التي تروم تسهيل الاعتراف بالزواج، خاصة في العالم القروي، للأزواج الذين تعذر عليهم لأسباب قاهرة توثيق زواجهم، تسمح بـ”الاعتراف بعمليات تتم خارج القانون تتعلق بتزويج القاصرات”.
هل يلغى الاستثناء؟
أقر وزير العدل، محمد أوجار، في ملتقى وطني بعنوان “تزويج القاصرات: إلغاء الاستثناء… تثبيت القاعدة القانونية”، نظم في أبريل 2019، بأن تزويج القاصر اليوم “ظاهرة اجتماعية مؤسفة وتحد حقوقي يقتضي تظافر الجهود للحد منه في أفق إلغاء الاستثناء”.
أوجار أكد أن “الطابع الاستثنائي في الترخيص لهذا النوع من الزواج لم يمنع من الإقبال عليه خاصة بالنسبة لتزويج الفتيات، لدرجة أننا نواجه اليوم ظاهرة مجتمعية مزعجة تحضر بقوة في بعض مناطق المغرب كممارسة شائعة”.
من جهتها، رأت أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في ذات الملتقى، أن السماح بتزويج القاصرات يؤدي إلى تعريضهن إلى الهشاشة الاقتصادية، موضحة أن “تزويج القاصرات يساهم في تزايد الهشاشة ويؤدي إلى الفقر المدقع ويعرض الفتيات ونسلهن لأخطار صحية، كما يؤدي إلى انسداد آفاقهن المستقبلية”.
اقرأ أيضا: التمييز بين الجنسين… فروق شاسعة يحاول القانون حظرها بينما يكرسها المجتمع! 2/1
بوعياش أكدت أن المطالبة بإلغاء الاستثناء يرجع إلى أن “مدونة الأسرة لا تتلاءم مع الدستور والتشريعات الدولية، ومن ثم ينبغي الترافع من أجل إلغاء المادة 20 من المدونة، وتنفيذ مقتضيات تحديد السن الأدنى للزواج في 18 سنة”.
من جانبه، قدّر المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، أن إلغاء تزويج القاصرات سيجنب المغرب ثلاث مخاطر:
أولاها: عدم دخول دائرة التسليم بأمر الواقع، والقول إن الفقر المدقع الذي تعيشه المناطق الريفية مبرر للإبقاء عليه، إذ لا يمكن تحميل الطفلات مسؤولية تأخر المشاريع التنموية، مشددا على أن استمرارهن في تأدية ثمن هذه الفاتورة، يظل وصمة عار؛
ثانيهما: عدم الخضوع للأعراف والممارسات الشبيهة بالرق، التي تبدأ بالمقايضة المالية وتنتهي بالعبودية الجنسية وربما الاتجار بالبشر؛
وثالثهما: رفض الاعتقادات والتمثلات المحيطة بجرائم الشرف التي تؤدي إلى الزواج القسري.
اقرأ أيضا: سعيدة المنبهي… ثورية لم يقتلها الموت 2/1
المسألة بالنسبة للمندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، لا تتعلق إزاء هذه المخاطر بتغيير قانون أو إلغاء مقتضى متقادم، إنما بـ”الإسهام في تحرير المجتمع من قيوده التي تجره إلى القرون الوسطى”.
هكذا، يبدو أنه ثمة وعي من لدن المسؤولين بأن هناك ثغرات قانونية تسمح بتزويج القاصرات، بل وبتفاقمها كظاهرة… فهل ستتخذ خطوات عملية تروم إلغاء الفصلين 16 و20 من مدونة الأسرة، كمدخل من بين مداخل أخرى، يمكن أن تحاصر الظاهرة، في أفق القضاء عليها؟
كارثة عظمى