ماذا تعرف عن الاستشراق؟ الوجه الآخر للغزو الغربي للشرق… 1\2
الصراع بين الغرب والشرق موغل في الزمن، كانت الغلبة في ذلك للأول تارة وتارة أخرى للثاني، والتاريخ مليء بشواهد ذلك. وفق عدد من الباحثين، ما كان للغرب أن يسطو حاليا …
الصراع بين الغرب والشرق موغل في الزمن، كانت الغلبة في ذلك للأول تارة وتارة أخرى للثاني، والتاريخ مليء بشواهد ذلك. وفق عدد من الباحثين، ما كان للغرب أن يسطو حاليا على الشرق، لولا أن درسه جيدا، وهذه المهمة… عهد بها إلى المستشرقين.
كثيرا ما سمعنا عن الاستشراق الذي بات اليوم يحمل أوجها جديدة، لكن ما الذي يعنيه هذا المفهوم؟ متى نشأ وكيف تطور؟ ما كانت أهدافه؟ وهل كلها ذات نوايا سيئة؟ ما أنواع المستشرقين؟ ثم ما هي الوسائل التي بلغوا بها أهدافهم؟
أسئلة نجيب عنها في هذا الملف الذي نخصصه لمفهوم الاستشراق، على أننا ننوه إلى أننا سنتبنى التبسيط والاختزال منهجا، فالاستشراق، وفق الباحثين، علم أوسع مما سيرد في هذا الملف بكثير.
مفهوم الاستشراق
اشتقت مفردة “الاستشراق” في اللغة، من “الشرق”؛ أي ضد الغرب، وتعني: طلب الشرق، وبعبارة أوسع، دراسة الشرق من حيث علومه وثقافاته وسماته الحضارية.
أما اصطلاحا، فلا شك أن في تعريف الاستشراق اختلافا كبيرا، ما دام أن الباحثين قد اختلفوا في تحديد المقصود بالشرق، لكن بالمجمل يقصد به مجموع الأقطار الأسيوية والأفريقية التي تدين بالإسلام.
اقرأ أيضا: “حوار الحضارات من خلال أدب الرحلات 1\2”
أول ما يطالعنا من كتب حاولت سبر كنه مفهوم “الاستشراق” واشتهر منها، كتاب يحمل اسم المفهوم ذاته للكاتب الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد.
انقسم الباحثون في تحديد بداية الاستشراق، زمانيا ومكانيا، فخلصوا بالموضوع إلى روايات متعددة ومختلفة.
إدوارد سعيد يرى أن لفظ الاستشراق أكاديمي صرف، والمستشرق هو كل من يدرس أو يكتب عن الشرق أو يبحث فيه، وكل ما يعمله هذا المستشرق يسمى استشراقا.
الاستشراق، على حد تعبير الكاتب، مؤسسة مشتركة للتعامل مع الشرق بإصدار تقارير حوله ووصفه ودراسته والاستقرار فيه والسيطرة عليه وحكمه، وهو بإيجاز، أسلوب غربي للسيطرة عليه واستبنائه وامتلاك السيادة عليه.
بداية الاستشراق زمانيا ومكانيا
هذا من الأسئلة التي أجيبَ عنها باختلاف كبير. الباحثون انقسموا في ذلك لأسباب متعددة، منها الاختلاف حول أسباب ودوافع نشأة الاستشراق، وحول ما إذا كانت أشكال بدايته منظمة أو محاولات فردية.
ثمة إذن من يرجع بداية الاستشراق إلى ما قبل الميلاد بستة قرون، حين زار المؤرخ اليوناني “هيرودوتس” الشرق وكتب عنه لأول مرة؛ لأسباب معرفية محضة، ليس فيها من النوايا السياسية أو الدينية شيء.
اقرأ أيضا: “إذا طالع العرب أنفسهم في مرايا يابانية، فهذا ما سيرونه… (الجزء الأول)”
البعض الآخر يرجع البداية إلى العصر الأموي، تحديدا لقصة العالم النصراني يوحنا الدمشقي الذي قيل إنه درس الإسلام قصد تشويهه، فكانت نتيجة ذلك كتب عدة، من بينها “محاورة مع مسلم” و”إرشادات النصارى في جدل المسلمين”.
من الآراء أيضا من يعود بالاستشراق إلى الأندلس في القرن الثامن للميلاد، إذ حدث هنالك احتكاك كبير بين المسيحيين والمسلمين، فتأثر القادمون بالثقافة الإسلامية وحملوها معهم إلى بلدانهم.
الآراء، بالمجمل، يصعب حصرها، فباحثون آخرون يرجعونه أيضا إلى أول ترجمة للقرآن إلى اللغة اللاتينية من طرف راهب إنجليزي، في القرن الثاني عشر، وباحثون يقولون إنه يرجع إلى انتهاء الحروب الصليبية وبروز الحاجة إلى دراسة أسباب غلبة المسلمين، وآخرون يجعلونه حديثا نسبيا، ويشيرون إلى أنه قد بدأ مع بونابارت في حملته على مصر، حيث أخذ معه مطبعة عربية وعددا من العلماء.
اقرأ أيضا: “حسين الوادعي: الكذب في سبيل الله… أو ماركس حنيفا مسلما”
وراء كل شيء غاية، مَثلُ ذلك، الاستشراق؛ فأهدافه كثيرة.. أهداف نتعرف عليها في الجزء الثاني من هذا الملف، الذي سنتعرف فيه، أيضا، على الوسائل التي يستخدمها المستشرقين لبلوغ غاياتهم، وعما إذا كانوا، كلهم، ذوو نوايا سيئة في ذلك.
لقراءة الجزء الثاني: هل كل المستشرقين ذوو نوايا سيئة؟ 2/2