من مصر، منى حلمي تكتب: لا حرية شخصية للزي الديني في دولة مدنية - Marayana - مرايانا
×
×

من مصر، منى حلمي تكتب: لا حرية شخصية للزي الديني في دولة مدنية

لقد انهزم الإخوان يوم 30 يونيو 2013، وقال أحد قادتهم حينئذ: “على الأقل انتصرنا فى تحجيب فتيات ونساء مصر… وهذا بحد ذاته انتصار سعينا ليه منذ زمن طويل”.إ

كيف تكون مصر دولة “مدنية”، ومع ذلك، فأغلب فتيات ونساء مصر، ومنهن طفلات ورضيعات، لا يرتدين أزياء مدنية، ولكن ما يسمونه “الزي الشرعي الاسلامي “؟ بل يزددن إصرارا عليه، بسعادة وزهو، تحت مسميات “حرية شخصية” لا تعوق التفتح العقلي؟ والبقية التي لم تتحجب، تنتظر قدوم شهر رمضان أو عندما “يشاء الله أن يهديها” حتى تنضم إلى أخواتها. ألا يشكل هذا تناقضا صارخا، جوهريا، واضحا وضوح الشمس، مع جوهر الدولة المدنية؟

سأسرد حقائق تاريخية، لمنْ يريد فهم أصل الأشياء وجوهرها.

أولا، الحجاب ليس له علاقة بالإسلام، والآية القرآنية أو الحديث الذي شرع تغطية رأس المرأة، جاءت لمنع تحرش الذكور المسلمين بالنساء المسلمات، حين يخرجن من خيمهن ليلا  لقضاء الحاجة أو لأمر آخر. ارتداء حجاب الرأس كان للحرائر فقط، حتى يسلمن من فسق الذكور؛ أما الجواري، فلا حجاب لهن، لأنهن بلا كرامة، وتحرش الذكور بهن طبيعي وليس قضية. لكن الآن، وبعد انتهاء زمن الرق وتاريخ السكن فى خيام الصحراء، ينتفي سبب تغطية الرأس للمرأة.

ثانيا، الحجاب الحديث والمعاصر هو رمز سياسي لجماعة الإخوان المسلمين، المؤسسة في مصر عام 1928، على يد أحد الشيوخ، وهو حسن البنا، وبأموال الاحتلال الانجليزي. عندما أيقن الانجليز أن وحدة وتماسك وارتباط الشعب المصري قوة كبيرة، أكبر من محاولات التقسيم والتفكيك والتفتيت، لجأ إلى سياسة “فرق تسد”، على أساس الدين والطائفة والمذهب. إذا تقاتل الشعب على الدين، فلن يجد الوقت أو الطاقة أو الوعي لمحاربة العدو الأساسي المشترك، وهو المحتل المستعمر. وهذه سياسة قديمة معروفة تاريخيا، وتستخدم فى كل مكان، وحتى اليوم.

ثالثا، استفحلت الدعاية الدينية للحجاب مع منتصف سبعينيات القرن الماضي، حين خرج المتأسلمون من الجحور ومن الكمون، ودشنوا مئات التنظيمات الدينية المتطرفة، إخوانية وسلفية صحراوية، انتشرت بالتمويلات الجاهزة المدخرة معهم تحت الأرض، تحمل السلاح، يعاودها  بالقتل والذبح حلم الخلافة الإسلامية وإقامة دويلات إسلامية وولايات إسلامية، تكفن النساء وهن أحياء، متحالفة مع أعداء الشعوب، ومحتلي الأرض، ولصوص الموارد، وسماسرة الأوطان، والقتلة المستثمرين فى السلاح والمخدرات وسرقة الأعضاء من الكبار والصغار.

اختلطت الدعاية الدينية بالدعاية الثقافية والاعلامية، من إعلاميات وإعلاميين، لا يهمهم الدين ولا الأخلاق ولا الدولة المدنية.

نجحت الدعاية وغسل العقول من العقل والمنطق، وتحقق المطلوب من النساء اللائي وُلدن على ذمة الإسلام.

انتصر الدين في معركة الزي الإسلامي، و”تحجبت” فتيات ونساء مصر المسلمات، من جميع الطبقات والأعمار والوظائف  والأيديلوجيات. وامتد الانتصار إلى فتيات في سن الرابعة من العمر وفنانات بادرن بالتحجب واعتزال الفن ترسيخا لهذا الوضع. وبلاد معروفة بالإسم، دفعت المليارات وجندت حشودا من أهل الفكر والثقافة،  لتدعيم الحجاب واللغة الدينية، وإشعال الفتنة الدينية، حتى وصلنا إلى إرهاب سفك الدماء العلني، وتحولت مصر، إلى شكل مقزز غريب مستورد من التعصب والتطرف والأسلمة الشكلية  القاتمة المتجهمة، التي تحرم الفنون، وتدعو إلى تدمير تماثيل الحضارة المصرية القديمة وتحريم الفن والموسيقى والفرح، وتهدر دم أصحاب الفكروالإبداع، الكاشفين للمؤامرة ضد الدولة المدنية.

عرفنا الفتاوى المريضة بنكاح النساء، الأحياء والأموات، ونكاح الأطفال والرضيعات، وفتاوى إرضاع الكبير، وتبرير التحرش الذكوري، والاغتصاب والتربص بعمل المرأة خارج البيت، وترويج شرعية كراهية الأقباط وتجنبهم، وتحريم عمليات زراعة الأعضاء، ورفض تجريم الختان، وتزويج البنات فور بلوغهن، وتكاثرت الجوامع والمساجد بالميكرفونات لنشر التعصب وإهانة النساء غير المحجبات، والترويج للعلاج بشرب بول الإبل، وانتشرت الشعوذة والدجل الديني، ولبس “المايوهات الشرعية”، ولاعب الكرة يسجد على الأرض بعد إحراز الهدف، وقد أطلق ذقنه، مرتديا “الشورت الرياضي الشرعي”، وظهر “المفكر الإسلامي”، و”الكاتبة الإسلامية”، و”الداعية الإسلامية”، و”المدارس والحضانات والمستشفيات الإسلامية”، و”البنوك الإسلامية“، و”الجلاليب الإسلامية”، والذقون الطويلة، و”الخناقات الإسلامية”، و”الأغاني الإسلامية”، والدراما التليفزيونية الممولة من الخليخ، تمدح تعدد الزوجات، وتحجيب النساء، وعدم عمل المرأة، وسعادة النساء بأنهن ربع زوجات على ذمة رجل واحد؛ ورأينا الناس يقرؤون بصوت مرتفع القرآن فى المترو والأتوبيسات، وتزدهر قضايا الحسبة الإسلامية، و”ازدراء الأديان”، و”إنكار المعلوم من الدين بالضرورة”، و”الإساءة الى الذات الذات الالهية العليا والرسل والأنبياء”، وجر الروايات والمسرحيات والقصائد إلى المحاكم، ولصق ملصقات “دينية إسلامية” على زجاج السيارات الخلفي، والشباب يشترطون  قبل الزواج أن تكون المرأة محجبة، مطيعة، مختنة، قابعة فى البيت .

عاصرنا تجريم الجهر بالإفطار فى نهار رمضان، وشاهدنا كيف يترك الناس أشغالهم، يغلقون محلاتهم ويسدون الشوارع حينما يأتي وقت الصلاة، وتابعنا استخدام الخواتم الفضية للرجال بدلا من الذهبية، ليكونوا أكثر إسلاما، وتحية صباح الخير ومساء الخير في التلفونات استبدلت بـ “السلام عليكم”، وأسماء المحلات أخذت أسماء اسلامية، وتنظيم أعراس في الشوارع بنقر الدفوف، وكتابة تهديدات على حيطان الشوارع تقول : “صلّي قبل أن يُصلّى عليكِ“، “تحجبي قبل أن يختلي بك الثعبان الأقرع في القبر“، “جمالك فى نور حجابك، لا غيره يغفر آثامك“. تعاملوا مع المجتمع المصري على أنه “دار كفار”، وهم يقومون بمهمة جليلة: إعادة الإسلام لشعبها وأراضيها؛ وغيره كثير مما حول المجتمع  المصري إلى بؤرة كبيرة دينية إرهابية، متشنجة، كارهة للحرية، مشغولة بتكفير بعضها البعض ومعاداة كل أسباب التقدم الحضاري. أصبح المجتمع يقوم ولا يقعد، ليس بسبب قنابل تطلق على سكان عزل فى أرضهم، ولكن من أجل “حتة ذراع مكشوف” من المرأة، و”شوية شَعر” يظهروا من رأس طفلة.

في ظل هذا المناخ، هل يكون الحجاب “حرية شخصية” للمرأة؟

بل، هل تكون حرية العقيدة  أصلا، وحرية تغيير الدين، مكفولة من المجتمع والدولة والمزاج الشعبى العام؟

كل هذا، لكي تخضع مصر، سياسيا وثقافيا واجتماعيا، للقوى المتحالفة داخليا وخارجيا، وتنطفئ شعلتها الريادية القائدة في منطقتها، لتحل محلها ريادات أخرى لها أهداف سياسية ودينية.

المعروف تاريخيا أن تحجيب أي مجتمع يبدأ بتحجيب النساء، والفتن الدينية تبدأ بالتمييز على أساس الزي.

رابعا، الحجاب قائم على صورة ذهنية وعقلية مفادها أن الرجال ذئاب جنسية شهوانية، تتحرك بغرائز النصف الأسفل من أجسامهم، وهي غرائز حاضرة طول الوقت، مكبوتة طول الوقت، لا يمكن التحكم فيها ولا يمكن تهذيبها وتأديبها وإصلاحها بالتربية الصحية والقواعد الأخلاقية الحسنة، أو بزرع احترام الفتيات والنساء؛ وأن هذه الغرائز تترك كل شيء فى الحياة، وتثار فورا، دون تعقل، برؤية أي جزء غير مغطى من دلائل طبيعة المرأة. وعند الاثارة، تحدث التهلكة الكبرى وما لا يحمد عقباه. والوضع الأمثل أن تتغطى كلها، لأنها “الشيطان” يتحرك على قدمين.

لكن، إذا تعذر هذا، فعلى الأقل، وحتى تقام الخلافة، لابد أن تغطي شعرها وتخفيه تماما، وتبعد فتنته الشريرة الشيطانية عن الذكور دائمي الهياج. أهذه صورة أخلاقية متحضرة راقية للمرأة والرجل؟

الرجل “المتربي”، لا يمشي في الشوارع بحثا عن “أنثى” لا يعرفها تلبي غرائز دنيا غير مسيطر عليها، بل يمشي بحثا عن “وظيفة” يأكل منها، تعينه على الزواج والإيفاء بمتطلبات أطفاله، أو بحثا عن “شقة” ولو “خرم إبرة”، تأويه بمفرده أو مع أسرته.

الرجل “المتربي” هو الأب والأخ والحبيب والصديق والزوج والجار والزميل والصنايعي الحرفي العامل في كل مجال، الذي لا هم له، إلا إتقان عمله وكسب الرزق. بدونه، لا تسير حياتنا ولا نقضي لوازمنا.

أما الرجل “الغير متربي”، وشهواته الجنسية تمشيه، فلابد من علاجه أخلاقيا وثقافيا ونفسيا، وحجبه حتى يصبح لائقا للعيش بتحضر واحترام ورقي وتهذيب.

المرأة لم تخلق، لتختبئ وتتغطى، لحماية الذكور المنحرفين بشهواتهم.

الرجل “الغير متربي” هو الذي يجب أن يدفع ثمن قلة تربيته. هكذا العدل والأخلاق الصحيحة، والمسؤولية غير المعوجة والمنطق الرشيد. هذا فضلا عن أن الرجل الماشي يحركه النصف الأسفل من جسده، لن يغير من سلوكه شيء، سواء غطينا المرأة أو لم نغطها، ففي كل الأحوال، هو يعرف جيدا كيف يقضي شهوته.

خامسا، أين كانت “الحرية الشخصية” للحجاب، في الخمسينات أو الستينات من القرن الماضي؟ ألم يكن هناك دين أو إسلام فى مصر؟ ألم نعرف “الحرية الشخصية” إلا على أيدي الإخوان، وتوابعهم، الخارجين من الجحور؟ وإذا كانت “حرية شخصية”، لماذا يشن أشرس هجوم ديني، على المعارضين له، أو على منْ تقرر خلع الحجاب؟ وإذا كان الحجاب “حرية شخصية”، لماذا أصبح الرجال يشترطون فى الزوجة أن تكون “محجبة”؟

إذا كان الحجاب “حرية شخصية”، لماذا طلب مرشد الإخوان المسلمين من الرئيس جمال عبد الناصر عندما تولي الحكم، أن “يحجب “نساء مصر، ويلبسهن طرح، ورفض عبد الناصر، وتهكم على طلبه، في واحدة من خطبه الهامة والشهيرة؟

سادسا، المفروض أن “الحرية الشخصية” لا تتعارض ولا تتناقض مع توجهات المجتمع الذي أعيش فيه، وإلا، فلماذا تكتب الدول الدساتير؟

إن الدستور المصري يمنع استخدام الرموز الدينية بأي شكل، لأنه تمييز ديني صارخ على الملأ. “الحرية الشخصية” لابد أن تكون متناغمة مع مصلحة الوطن واختياراته، ومحاربة لأعدائه في الداخل والخارج. منْ لا يعجبه توجه المجتمع، فليذهب للعيش في أفغانستان أو إيران مثلا.

“الحرية الشخصية” أمارسها فى بيتي، بطريقتي، متى أشاء… لهذا، نطلق عليها “شخصية”. لكن، لا توجد “حرية شخصية”، إذا كانت رمزا لعدو الوطن، وتسبب في الإرهاب وسفك الدماء، وتخريب المجتمع ومكتسباته، والتمييز الديني بين نسائه والتضحية بحقوق وحرية وكرامة نصف ما يشكل هذا المجتمع.

“حرية شخصية” للمرأة إذن لا تلبسه إلا في البيت، لكنها لا تفعل، لماذا؟ لأنه لن يراها أحد، وبالتالي، سوف تنتفي الرسالة التي توجهها للمجتمع. الرسالة المنبثقة من كل التاريخ والتوضيح والتفسير الذي ذكرته سلفا. الحجاب شىء مفرغ من أي معنى، إلا استعراض التدين الشكلي، الخوف من عدم تقليد الآخريات.

أيها النساء والرجال، اقرؤوا التاريخ قبل تسمية الأشياء بغير مسمياتها، حتى لا تجرونا إلى مناقشة أمور من المفروض أن ننتهي منها جذريا، لنصنع الدولة المدنية المصرية الحديثة. إننى على يقين أنه لا توجد فتاة أو امرأة محجبة، في بلادنا، قرأت كتابا واحدا عن تاريخ الإسلام ونشوء الأديان وعلاقة تغطية النساء بتغطية الحكم السياسي الباطش باسم الدين وإحياء الإسلام.

لقد انهزم الإخوان يوم 30 يونيو 2013، وقال أحد قادتهم حينئذ، مبتسما ابتسامة متهكمة: “على الأقل انتصرنا فى تحجيب فتيات ونساء مصر… وهذا بحد ذاته انتصار سعينا إليه منذ زمن طويل”.

لا أحد ينكر أن المزاج الوجداني الشعبي الآن، في أغلبه، هو مزاج سلفي، إخواني، ليس بمعنى الرغبة فى حكم ديني، ولكن الإيمان بالتفسيرات الدينية الإخوانية السلفية، والنظرة المهينة للنساء، ورؤيتهم العنصرية المتغطرسة المتعالية للمصريين غير المسلمين.

أبدا، مصر لن تتقدم إلا بنبذ  “الحرية بمرجعية القهر”، وفضح السموم المندسة في العسل.

الشِعر خاتمتي

قصيدة : رسالة من حبيبي

ابقي حرة

حبيبتي

دائما وأبدا

لا تخافي أحدا

أو شيئا

خيانة الجسد وغدر القدر

هروب القصائد وأرق الليل

موتي المبكر وحصارات الضجر

دائما “منى” حبيبتي

حبيبة العمر

ابقي كما أنتِ

عصية المنال

على رجال السُلطة وسٌلطة الرجال

منبوذة من ثقافة الدولار والريال

اهجري المهرجانات والمعارض والملتقيات

والأوسمة والندوات والجوائز والتكريمات

يمنحها كهنة الشِعر

لمنْ يسبح بحمدهم

أنتِ التى تملكين صكوك الدخول

إلى جنة الشِعر

أنتِ الوسام والجائزة

فى استغنائك مكُرمة

وفى ابتعادك الفائزة

ابقي متمردة حبيبتي

لا تطيعي إلا قلبك

وتأملاتك المتفلسفة المفكرة

المسكونة بأسرار البحر

تسبح إلى زرقة المجهول

برشاقة الأسماك المهاجرة

ولو أنا قيد عليكِ

لا تترددي وكسريني

انزعي سلاسلي عن يديكِ

“منى” ابقي شامخة

سقوطك لن يرجع الأم الحبيبة

حبيبتى ما فائدة النزف والانهيار ؟

قلبك أجهده مرارة الفراق

أشفق عليكِ حبيبتي

من الألم

والعبث الموحش وسخرية الأقدار

“منى” حبيبة العمر

نصفي وتوأمي ومعجزتي

بيت الروح

وطن الجسد

اختطفني الكفن المبكر

واختفيت بلا مبرر

حبيبتي، تذكري دائما

أن وخزات الوجع

هكذا أدركت

بعد فوات الأوان

تحررنا من مذلة الأمل

تكشف خداع وحقيقة الأشياء

وتذكري أن العيون الجميلة

ليست هى العيون السوداء أو الزرقاء

لكنها العيون التى تسكنها القصائد

والعيون التى لا تغادر محطات البكاء

مواضيع قد تهمك

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *