إكرام عبدي: هل وعد المحاسبة أخلف من عرقوب؟ - Marayana - مرايانا
×
×

إكرام عبدي: هل وعد المحاسبة أخلف من عرقوب؟

تاريخ حكوماتنا هو تاريخ فتح تحقيقات ومحاكمات مجهولة الأفق والمصير، حتى صارت مجرد فعل تدبير لحرج سياسي في محطات معينة من أجل الهروب إلى الأمام…
وإن عُقدت محاكمات في قضايا فساد فهي غالبا تكون محاكمات انتقائية وتصفية حسابات أكثر مما هي عدالة مضبوطة وقوانين جارية، حتى غدت عبارة “فتح تحقيق” مجرد امتصاص لاحتقان شعبي لحظي، ليطول الأمد ويصير وعد التحقيق أمطل من عرقوب.

وأنا أتابع أخبار الوزير المغربي السابق والقيادي في حزب “الحركة الشعبية” محمد مبديع، وذلك على خلفية التحقيق بشأن اتهامات بالفساد وتبديد أموال عمومية، ابتهجت كون بلدي تنزل عمليا شعار ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي ظل كثير من السياسيين والمسؤولين يرددونه على مسامعنا في كل مناسبة. في نفس الآن، اعتراني الخوف أن تكون هاته العبارة: “فتح تحقيق في الموضوع”، مجرد عبارة رنانة مهدهدة تمارس تنويما مغناطيسيا على المغاربة من الحكومة الآنية، كعبارة تبدأ بالضجيج لتنتهي على الرفوف، تبدأ بإلهاء الناس وربح الوقت في انتظار قضية أخرى تطفو على السطح، وهكذا دواليك في جو من استهبال المغاربة واستغبائهم.

تاريخ حكوماتنا هو تاريخ فتح تحقيقات ومحاكمات مجهولة الأفق والمصير، حتى صارت مجرد فعل تدبير لحرج سياسي في محطات معينة من أجل الهروب إلى الأمام، وإن عُقدت محاكمات في قضايا فساد فهي غالبا تكون محاكمات انتقائية وتصفية حسابات أكثر مما هي عدالة مضبوطة وقوانين جارية، حتى غدت عبارة “فتح تحقيق” مجرد امتصاص لاحتقان شعبي لحظي، ليطول الأمد ويصير وعد التحقيق أمطل من عرقوب كما يقال، بدءا من اختلاسات صندوق الضمان الاجتماعي إلى قضية البنك العقاري والسياحي CIH، انتهاء بحادثة حافلة طانطان وحادث الصويرة وفيديو تعرية الزفزافي وواقعة الاعتداء على المحتجين في قضية “كالفان”. تحقيقات تفتح إلى أجل غير مسمى، أما المحاكمات، فهي لتكميم الأفواه وقمع النشطاء والحقوقيين، فتمضي ويا للعجب بسرعة البرق.

من كثرة ترداد هاته العبارة: “فتح تحقيق في الموضوع”، فقدت مصداقيتها، وصارت نكتة تضحكنا وتبكينا في الآن نفسه، والكل يتذكر كيف أن التحقيق في حادث بوقنادل بسلا كان أسرع من قطار بوقنادل، فالمتابع بتهم القتل والجرح الخطأ هو مواطن مغربي بسيط، وهو بالفعل يتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن الحادث بسبب الإفراط في السرعة، فأنا لست ضد هاته العقوبة، ولكن ضد المماطلة في محاكمات تمس الكبار والإسراع في تحقيقات تمس البسطاء، مع أن المفروض أن الكل سواسية أمام القانون.

آمل أن تتزيا كل التحقيقات والمحاكمات بزي المسؤولية والشفافية والصرامة، وتستتبع آليات المحاسبة كل وزير أو برلماني أو صحفي أو سائق على قدم المساواة، دون تدخل من علٍ وبدون أية انتقائية أو تصفية حساب خصوم سياسيين أو تمييز.

في كوريا الجنوبية، تلقت الرئيسة “باك جون هاي” حكما بالسجن بمعية صديقتها، وهي أول سيدة تجلس على كرسي الرئاسة في بلادها، وحققت لبلادها مركزا مرموقا بين دول العالم المتقدم. لكن، في نهاية الأمر، سمحت لإحدى صديقاتها من سيدات الأعمال بالفساد واستغلال علاقة الصداقة برئيسة البلاد لتحقيق مكاسب مالية بمخالفات قانونية؛ وهي نفس التهمة التي تواجه الرئيس السابق في فرنسا نيكولاي ساركوزي بعد اتهامه بتلقي أموال من معمر القذافي ساعدته في حملته الانتخابية على الوصول إلى كرسي الرئاسة.

نحن إذن أمام دول وحكومات تحارب الفساد بحق ولا تبرر وجوده بعالميته. المثير للاشمئزاز ما يحدث عندنا من سكوت عليه وملاحقته ظاهريا، دون أدنى درجة من درجات الجدية والحسم، فكفى من استغباء المواطن المغربي، فله الحق في معرفة مجريات كل المحاكمات وتفاصيلها ومآلاتها عوض دسها بين الرفوف بسحنات البراءة والطهارة والغموض إلى أجل غير مسمى.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *