النقل عبر التطبيقات الذكية يغري المغاربة… الكريمة والريع في مواجهة التكنولوجيا
هو وعدٌ قدمه وزير النقل واللوجيستيك، محمد بن عبد الجليل، بأنّ الجهات الرسمية تحاول بجدية أن تؤطّر النقل عبر التطبيقات الذكية وتقنّنه من أجل ضمان تنافسية مقبولة بينهم وبين المهنيين، وبغاية ضمان سلامة المواطنين وتحسين الخدمات المقدّمة لهم.
لكن… لازال الأمر مجرد “وعد من ورق”، بما أنّ المناقشات لا تتمّ بالشكل المطلوب، وفق المتتبعين، ولازال الصّراع محتدما و”قاسيا”، بين سائقي النقل عبر التكنولوجيا والسائقين المهنيين. الخطير أنّ الوضع يصل إلى الضرب والاعتداء الجسدي أحيانا، بشكل يغامر بسمعة سوق النقل بالمغرب.
فما حكاية النقل عبر التطبيقات الذكية؟
أريحية وشُبهة
في دجنبر 2022، حين أعلنت وزارة الداخلية أنها ستتحرك لمراقبة مستعملي التطبيقات الذكية في التنقل التي تنشط بعدة مدن، أعلن “عشاق” هذا الصنف من النقل رفضهم للخطوة.
المدافعون عن خدمات النقل الحديثة تداولوا وسم “#أنا_مواطن_أنا_مع_النقل_عبر_التطبيقات”، بشكل غزا مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا فيسبوك في الآونة الأخيرة.
أميمة مصواب، طالبة جامعية من مدينة فاس تستعمل أحد التطبيقات دائما للتّنقل، تفيد بأنها من الزبناء الأوفياء لهذه الخدمة.
هي تطبيقات عمليّة، تقول أميمة، “لكونها تعفي من التّوقف على الرصيف لوقت طويل في انتظار مرور سيارة أجرة. كما أنّ الثمن يتم تحديده مسبقا قبل انطلاق الرّحلة، عكس سيارة الأجرة التي قد يعرضنا بعض السائقين للنصب بسبب الغشّ في “الكونتور” أو إطالة طريق الرحلة إذا كان الزبون من خارج المدينة”.
مصواب تجد أنه “من الحيف توجيه الشباب رغما عنهم لاستعمال سيارات الأجرة عبر محاولة فرض حصار على هذه التطبيقات”، قائلة: أنا أستعملها بشكل دوري وأرتاح كثيرا في استعمالها، وتعجبني جدا الخدمات التي تقدّمها هذه التطبيقات.
من جهة أخرى، يرى يوسف سهلاوي أنّ النقل عبر التطبيقات الذكية أفضل بكثير من خدمات النقل التي يقدمها السائقون المهنيون، فبعضهم يرفض أن يقف إذا رأى اثنين أو ثلاثة، بينما خدمات التطبيقات تمكنك من نقل العدد المحدد قانونا للسيارة، بما أنّها سيارة خاصة (مقابل ثلاثة فقط في سيارات الأجرة الحضرية). لكنها، للأسف، غير مرخص لها قانونا للنقل. كما أنّ السّيارات نظيفة، عكس الكثير من سيارات الأجرة.
أما خولة أملداد، وهي مغربية مشتغلة بمنتجع تسوق بجليز مراكش، فتقول “إنها تستعمل هذه التطبيقات للتّنقل بشكل يومي بمدينة النخيل، أثناء التوجه أو العودة من العمل، بما أنّ العديد من سائقي سيارات الأجرة يرفضون ركوب المغاربة، ولا يتوقفون إلاّ للسّياح الأجانب، بحكم الطابع السياحي لمراكش”.
لكن، تقول خولة، إن “هناك ملاحظات، منها أن استعمال التكنولوجيا في النقل لا يمنح الأمان المطلق، خصوصا بالنسبة للنساء، فقد يتعرضن للسّرقة أو التحرش”، مبيّنةً أنها “لم تواجه ذلك من قبل، غير أنّ الناس لا تكفّ عن الحديث عن ذلك”.
عبد العزيز، سائق بأحد التّطبيقات بمدينة الرباط، يؤكد أنّ المشكل الذي يحدث، هو أن السائقين المهنيين صاروا يعتبرون أنفسهم وصاةً على القطاع ومن واجبهم تطبيق القانون، عبر تعريض العديد من السّائقين العاملين بالقطاع الرّقمي للنقل، للضرب والاعتداء، ما يزعج الرّكاب ويعرقل مسارهم.
محدثنا يضيف أنّ “السلطات هي المخول لها بشكل حصريّ تطبيق القانون، وليس المهنيين أو غيرهم. ولولا أنّ الخدمات التي نقدمها ممتازة وتنافسية لما أزعجهم ذلك”، موضحاً أن “بعض السائقين المهنيين يمعنون في إهانة المواطنين وإذلالهم عبر فرض وجهات محددة عليهم، لكنهم لا يريدوننا بالمقابل أن نقوم بعمل جيد، يبرز مختلف الاختلالات التي تطبع عمل الكثيرين منهم”.
السائق يسترسل أنه “لا أحد يستطيع مضايقة الركاب لأن معلوماتنا مسجّلة في التّطبيق، حتى لوحة السّيارة، نحن لسنا لصوصاً ولا مجرمين، نحن باحثون عن قوت يومنا، ووجدنا في هذه التّطبيقات فرصة للشّغل”، مبرزاً أنّ “مراكش هي السوق الواعدة في هذه الخدمات، لأن السائق يحصل على المبلغ كاملاً، في حين أنه في طنجة أو الرباط أو الدار البيضاء، للتطبيق نصيب من كلّ عملية نقل”.
نقل يتمّ في فوضى؟
أحد السائقين المهنيين، عبر لمرايانا عن استيائه من استمرار هذا النقل الذي يتم بالتنسيق عبر تطبيقات الهواتف الذكية في سحب البساط من تحت السائقين “التقليديين” الذين يعيشون من مداخيل سيارة الأجرة.
السائق، الذي تحدثنا إليه بمدينة مكناس، قال أيضا إنه “وافق منذ سنة تقريبا على التدخل العنيف، شرط ألا يحدث اعتداء لا على السّيارة التي تنقل الأشخاص بدون رخصة في إطار العمل مع تطبيقات رقمية، ولا على سائقها”.
ما يقصده هذا السائق بالتدخل “هو محاصرة السيارة وإخبار الشرطة لكي تقوم بعملها في إطار القانون”. ثمّ يمضي قائلا: “نحنُ لا ننصّب أنفسنا محلّ الأمن، لكنّنا نحاول حمايةَ وجودنا وقوت يومنا”.
عمر، سائق مهني آخر قضى في مهنة السياقة أكثر من عشرين سنة، يقول إنّه يحفظ الرباط بكافة أزقتها وشوارعها، حتى المنسية منها، مستبعداً في الآن ذاته “أن يعرف سائقون غير مهنيين، فقط يتوفرون على سيّارة وعلى هاتف ذكي، مسالك الطرق ومخارجها ومداخلها. هم يعتمدون فقط على مساعدة خرائط غوغل والتطبيقات الأخرى للوصول إليها. وهذا لا ينتقص منهم، لكنه يبين أنهم دخلاء على مجال النقل”.
تحفظ مفهوم من طرف هذا السائق، لكنه يفضح أيضا، إضافة إلى التّخوف من المنافسة، التخوفَ من التكنولوجيا. اليوم، استعمال التطبيقات الذكية التي تمكن من الوصول لعناوين معينة، أصبح من مكتسبات مستعملي الطريق، سواء كانوا راجلين أو على متن سيارات ودراجات. وبالتالي، يصبح التساؤل التالي مشروعا: هل أصبح من شروط المهنية لدى سائق سيارة الأجرة، معرفة الشّوارع والأزقة بتفاصيلها؟
أصل المشكل؟
يحمّل مصطفى الكيحل، الكاتب العام للاتحاد الديمقراطي المغربي للنقل، المسؤولية مباشرة للجهات المسؤولة، بما أنها عصب هذا المشكل بسبب تغاضيها عن هذا الموضوع لوقت طويل وسماحها لهذا الاختراق والعمل غير القانوني أن يتمّا.
الكيحل في تصريحه لمرايانا، يضيف أنه “إذا لم يكن هناك توجّه وتصوّر، فلن يتم النهوض بقطاع النقل إجمالاً ببلدنا؛ فمنذ 2014 وهذه الشّركات التي تعملُ عبر التطبيقات تتجه إلى السوق المغربية، لكنها لا تحترم قوانين النقل بالبلد”، مردفا أنّ “هؤلاء يُعتبرون، بالنسبة إلينا، نوعا من “الخطافة”، والنقل السري، وعملهم يمس مجموعة من المواطنين والمواطنات الذين يشتغلون وفق مقتضيات قانونية، مما يعني أن المنافسة غير شريفة”.
لا يفوت المتحدث الفرصة ليشير أنّ “وزارة الداخلية دخلت على الخط مؤخراً، وتحاول محاصرة هذه الشركات الوهمية، التي لا مقر اجتماعي لها داخل المغرب، لكن هذه المحاصرة لازالت تتم باحتشام، ببطء وبنوع من التلكّؤ”.
يؤكد النقابيّ بأنّه “لا يمكن القول إن الدولة لا تعرف بهذا الموضوع أو أنها لا دراية لها بكيف يمكن أن تتصرف. المشكل يكمن في الرغبة في التصرف، فالمغرب صار بلدا متطورا جدا فيما يخص الرصد والتتبع والتحقق، إلخ، ولهذا تبقى هناك استفهامات كثيرة: لماذا الدولة تصمت عن هذه الممارسات التي لا تتم في نطاق القانون؟”
لا يشك الكيحل أن “هناك تغاضي مقصود في هذا الجانب، ولن يتم تجاوز المشكل إلا بشكل توافقي وتشاركي، يراعي حقوق كل الأطراف، بغية تنظيم القطاع والقضاء على الاختلالات التي يعرفها، يجب البدء بالقوانين لأنها صارت مُتقادمة”.
من جهته، يرى مصطفى شعون، الكاتب العام الوطني للمنظمة الديمقراطية للنقل واللوجيستيك متعددة الوسائط، أنه “لابد بداية من الحديث عن تطوير قطاع النقل عبر القطع مع مبدأ “الكريمة” أو مأذونيات الطّاكسيات، الذي يكرس الريع والوزائع.
يقول شعون: “قدمنا تصورا للإصلاح التشريعي فيما يتعلّقُ بقطاع النّقل، رحب به رئيس الحكومة والمهنيين وفرق الأغلبية، وكنا شددنا على أنه من ضمن المحاور أن يتم التّركيز على رقمنة عمل مهنيي سيّارات الأجرة، حتى يكون بإمكانهم مُنافسة الشّركات الوافدة، بعد أن تخضع هي بدورها لقوانين البلد”.
شعون، يقول في تصريحه لمرايانا إنه “لا مفرّ من الرقمنة، فالعالم يسير في تطور. لذلك، على المهنيين أن يدخلوا غمار التقنية وتسخيرها لتسهيل عملهم اليومي، لكن الرقمنة ستصبح أكثر جدية حين تنتهي “محنة الكريمة” و”مول الشكارة”، الذي يتوفر على سيارات أجرة ويستعبد السائقين العاملين لديه ويمعن في إذلالهم بشكل يوميّ”.
الرقمنة في النهاية، وفق شعون، يجب أن تجد الأرضيّة خصبة ونظيفة، وهذا حتى لا تصبح شيئا جميلا فوق واقع قبيح. يجب أن تكون هناك استمرارية في العمل وأن يكون للسائق كل الحقوق المتعلقة بالحماية الاجتماعية والعطل، إلخ، وأن يخضع السائقون لدورات تكوينية في هذا الجانب وفي التواصل مع الزبناء أيضا.
مقالات قد تثير اهتمامك:
- عمال الإنعاش الوطني بالمغرب… حكاية “عبيد القرن 21″؟ 1\2
- العدالة الضريبيبة في المَغرب: أو حين يتعثرُ الحديثُ عن عدالة غير موجودة! 1\2
- العدالة الجبائية في المغرب: عدالة عنوانها الأكبر… تهرّبٌ ضريبيٌّ! 2\2
- المعامل “السّرية” في المغرب… زواجُ الاقتصاد غير المهيكل بنقيضه المُهيكل! 1/2
- المعامل “السّرية” في المغرب… باطرُونا على وزن “باندية”؟ 2/2
- العثماني: حملة الفحص عن كورونا في المقاولات تُسرّع الاستئناف الآمن للنشاط الاقتصادي