أمال مديد تكتب: في بلدان ما سمي بالربيع العربي: كيف دخلت الأحزاب في حالة عطالة (الجزء الأول)
تخوفات الحراكات الشعبية في البلدان المسماة عربية، أفقدتها الثقة في الأنظمة السياسية السابقة، وحتى الأنظمة العسكرية التي حلت محلها، حتى لا يتكرر سيناريو الحكم العسكري الذي عرفته مصر في شكل نظام السيسي ومن معه وانقلابه على الإرادة الشعبية
يكاد جل المهتمين بالشأن الحزبي والسياسي يجمعون على تعطل آليات الأحزاب والتنظيمات السياسية في العالم العربي في ظل الأوضاع السائدة حاليا بصفة عامة، وفي شمال إفريقيا والبلدان المجاورة له بصفة خاصة.
هذه الأحزاب أصيبت بشلل في القيام بدورها في تأطير وتعبئة الجماهير الشعبية التي، بدورها، فقدت الثقة في هذه الأحزاب. كما أن الأخيرة فقدت بذلك مهامها كوسيط بينها وبين السلطة.
بدا هذا واضحا غداة ما سمي بالربيع العربي، إذ وقفت هذه الأحزاب والتنظيمات السياسية كمتفرج منبهر تحت وقع المفاجأة، لأن هذه الحراكات الشعبية والاحتجاجات المرتبطة بها، حدثت بطريقة عفوية بعيدة عن تنظير هذه الأحزاب وممارساتها.
وجدت الأحزاب السياسية المغربية نفسها تلعب دور المتفرج من بعيد، مكتفية بالصمت والتنديد الممزوج بالولاء والخنوع للسلطة، في انتظار مآلها الذي تهاوى أمام قوة الإرادة الشعبية واختياراتها للحرية والديمقراطية الحقيقية.
وهو ما يمكن اعتباره مؤشرا حقيقيا لفشل هذه التنظيمات وعجزها عن احتواء الحراك والاحتجاجات المترتبة عنه، واستحالة اختراقها أو المساهمة في الاعتصامات والمشاورات مع العسكر.
هذا الأخير نصب نفسه، بحكم تموقعه، كبديل للمرحلة؛ وذلك لملأ الفراغ الذي تعيشه هذه الأنظمة، متذرعا بالأمن والحفاظ على سيادة البلاد، ومحاولا في الوقت نفسه كبح جماح هذا الحراك وإفشاله. لأجل ذلك، قام الجيش، في معظم تجارب انتفاضات ما سمي بالربيع العربي، بفبركة مسلسلات الاعتقالات والمحاكمات الصورية نظرا لما يربطه برموز الأنظمة السياسية التي نصبته إبان تحكمها في زمام الأمور.
إقرأ أيضا: “المخزن”… بين هاجس الاستمرارية والواقع التاريخي الجديد
إذا كان الحراك الشعبي في الجزائر قد كرس ما سبق ذكره، فإن الأمر لا ينطبق على السودان التي شكلت استثناء، إذ أن الحزب الشيوعي السوداني واتحاد قوى المعارضة عموما، نجحوا في إرغام المجلس العسكري على التفاوض والالتزام بتسليم السلطة للمدنيين، في انتظار ما سيسفر عنه تطور الأوضاع على الأرض، خصوصا عقب العنف الدموي الذي واجه به العسكر، استمرار الاحتجاجات.
لعل تخوفات الحراكات الشعبية في هذه البلدان، أفقدتها الثقة في الأنظمة السياسية السابقة، وحتى الأنظمة العسكرية التي حلت محلها، حتى لا يتكرر سيناريو الحكم العسكري الذي عرفته مصر في شكل نظام السيسي ومن معه وانقلابه على الإرادة الشعبية، وفرملتة لدور الأحزاب السياسية في مصر، التي على ما يبدو دخلت في عطالة وإجازات مفتوحة إلى أجل غير مسمى.
هذا التطور غيب الأحزاب عن المشهد السياسي على غرار باقي الأحزاب السياسية في باقي دول المنطقة كسوريا ولبنان والعراق، التي حل بها صوت الرصاص ودوي القنابل بدل العمل السياسي والحزبي، موازاة مع إسهام داعش وحركات الإسلام السياسي والميليشيات الجهادية في وأد وإعدام الحركة السياسية بصفة عامة.
غير بعيد عن هذا، لم يسلم المغرب بدوره من لفحات رياح ما سمي بالربيع العربي، التي لم تمهل الأحزاب والتنظيمات السياسية للملمة صفوفها ووضع برامج تؤمن لها التموقع داخل هذا الحراك أو الاحتجاجات الشعبية. في النهاية، وجدت الأحزاب السياسية المغربية نفسها تلعب دور المتفرج من بعيد، مكتفية بالصمت والتنديد الممزوج بالولاء والخنوع للسلطة، في انتظار مآلها الذي تهاوى أمام قوة الإرادة الشعبية واختياراتها للحرية والديمقراطية الحقيقية.
السودان شكلت استثناء، إذ أن الحزب الشيوعي السوداني واتحاد قوى المعارضة عموما، نجحوا في إرغام المجلس العسكري على التفاوض والالتزام بتسليم السلطة للمدنيين، في انتظار ما سيسفر عنه تطور الأوضاع على الأرض، خصوصا عقب العنف الدموي الذي واجه به العسكر، استمرار الاحتجاجات.
هذه الهيئات السياسية صارت بالتالي ملزمة بإعادة النظر في ترتيب أوراقها وترميم بيوتها وذلك شريطة تهيئ الأجواء المساعدة لذلك، والمتمثلة في الديمقراطية الداخلية ودحر البيروقراطية الفردية وتجنب التنافر والتطاحن، إلى جانب ضرورة إعادة النظر في سلوك قيادييها حتى لا تكون هناك انقسامات وانشقاقات تولد حركات تصحيحية أو تنظيمات حزبية بديلة. ناهيك عن عوامل أخرى تولد هذا الانفجار والتذمر داخل الأحزاب، عن طريق تضييق الخناق أو التهميش والإقصاء الممنهج من طرف زعماء هذه الأحزاب. كل هذه الممارسات كرست بيروقراطية القيادة الحزبية في معالجتها للأوضاع الداخلية.
إقرأ أيضا: من تونس، جيهان الزمزمي تكتب: تونس بعد الثورة، الخطاب السياسي والهوية
في هذا السياق، سنعمل على محاولة تشريح لهذه الأحزاب السياسية، سواء منها تلك التي لها مرجعية تاريخية، أو التي تم تفريخها في محطات انتخابية معينة، من خلال معالجة الظرفية الزمنية والشروط الموضوعية والجوهرية التي أنشئت فيها، مع محاولة تقييم مدى مساهمتها في تأثيث المشهد السياسي المغربي خلال المقالات القادمة.
لقراءة الجزء الثاني: المرجعية التاريخية للتنظيمات السياسية المغربية 1- التنظيمات السياسية قبل الاستقلال (1925- 1937 )
لقراءة الجزء الثالث: المرجعية التاريخية للتنظيمات السياسية المغربية 2- التنظيمات السياسية قبل الاستقلال (1938- 1955)
لقراءة الجزء الرابع: المرجعية التاريخية للتنظيمات السياسية المغربية. 3 التنظيمات السياسية بعد الإستقلال (1956-1961)