من أشهر المتهمين بالإلحاد في التاريخ الإسلامي: ابن الراوندي (الجزء الثالث)
كتب ابن الراوندي اندثرت، والغالب أن ذلك بفعل فاعل. إلا أن ما وجد من كتابات له متناثرة في كتب أخرى ألفت للرد عليه، لعب دورا مهما في تحديد فكر هذا الرجل، الذي عاد ليعرف اليوم كواحد من أبرز “ملحدي” التاريخ الإسلامي، كما نتابع في الجزء الثالث من هذا الملف.
تابعنا في الجزء الأول من هذا الملف شذرات عامة عن الإلحاد في التاريخ الإسلامي. ثم، في الجزء الثاني، شرعنا في تقديم حكايات بعض من أشهر من اتهموا بـ”الإلحاد” في الإسلام”، من خلال حكاية ابن المقفع. في هذا الجزء الثالث، نواصل الملف مع حكاية رجل آخر يعد من أشهر المتهمين بالإلحاد في التاريخ الإسلامي… رجل اسمه: ابن الراوندي.
اسمه أبو الحسن أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندي، ويعرف بـ”ابن الراوندي”. فارسي ولد في قرية تدعى “راوند” تقع اليوم في إيران، وكان ذلك، حسبما يجمع المؤلفون، عام 210هـ.
المؤلفون، إذ أجمعوا على تاريخ ميلاده، انقسموا كثيرا في تاريخ وفاته. ثمة من يقول إنه توفي عام 245هـ، ومن يقول بعام 250هـ، بينما يظل الأرجح عام 298هـ… وبالمناسبة، فابن الراوندي لم ترد أي أخبار عن تعذيبه أو القصاص منه، إنما اكتُفي بالرد عليه.
اقرأ أيضا: عبد الله ابن سبأ… أكثر الشخصيات إثارة للجدل في التاريخ الإسلامي؟ 2/1
كان ابن الراوندي أحد أشهر من اعتبروا “ملحدي” القرن الثالث الهجري. لهذا السبب، ليس لدينا اليوم أي من أعماله، فكلها، لم تنجُ. بيد أن آراءه، للمفارقة، محفوظة!
…محفوظة في كتب خصومه ومنتقديه، الذين آثروا إلا أن يردوا عليه، فكان بذلك أن حفظوا كثيرا من آرائه من حيث لا يدرون.
يرى عبد الرحمن بدوي أن الأنبياء في نظر ابن الراوندي ليسوا إلا سحرة مخرفين، والمعجزات التي تروى عن محمد قائمة على الأكاذيب التي اخترعها المتأخرون ولفقوها. هذا إلى أن بعض هذه المعجزات، في نظره دائما، مضحك لدرجة أنها لا يمكن أن تروى بهذا الوصف.
بفضل كتاب “الانتصار والرد على ابن الراوندي الملحد” للخياط المعتزلي، مثلا، الذي رد فيه على ابن الراوندي، واكتشف وطبع عام 1925، يمكننا أن نطلع على كثير من آراء الأخير التي كان قد ضمنها في كتاب “الزمرد”.
باقتضاب، ابن الرواندي شهد حياة فكرية متنوعة… كان في البداية من علماء المعتزلة، ثم انتقدها لاحقا بشدة في كتابه “فضيحة المعتزلة”، الذي كتبه ردا على كتاب الجاحظ “فضيلة المعتزلة”.
اعتنق ابن الراوندي لفترة وجيزة، الإسلام الشيعي، قبل أن ينتهي به الأمر رافضا للإسلام والدين المنزل، حسب البعض؛ ثم لاحقا، واحدا من أهم “الزنادقة” في التاريخ الإسلامي.
كما سبق وذكرنا في الجزء الأول، فالإلحاد العربي يقوم على الصيغة القائلة: “لقد ماتت فكرة النبوة والأنبياء”. إنكار النبوة إذن، عصب الإلحاد العربي… وابن الراوندي خير مثال في هذا الصدد، بالنسبة للمدافعين عن هذه الفكرة.
اقرأ أيضا: قداسة الكعبة على ضوء التاريخ الإسلامي: مسلمون … خربوا الكعبة 3/3
في مقتطفات كثيرة عثر عليها من كتاب “الزمرد”، لم يتوان ابن الراوندي عن مساءلة نظرية النبوة في الإسلام. جاء في كتاب “المجالس المؤيدية” للشيرازي: “إنه وقعت إلينا رسالة عملها ابن الراوندي وسماها الزمردة، ونسبها إلى البراهمة[1] في دفع النبوات”.
نقرأ من ذلك مثلا: “إن البراهمة يقولون إنه قد ثبت عندنا وعند خصومنا أن العقل أعظم نعم الله سبحانه على خلقه، وإنه هو الذي يعرف به الرب ونعمه، ومن أجله صح الأمر والنهي والترغيب والترهيب”، ثم يضيف: “فإن كان الرسول يأتي مؤكدا لما فيه من التحسين والتقبيح والإيجاب والحظر فساقط عنا النظر في حجته وإجابة دعوته، إذ قد غنينا بما في العقل عنه”.
يقول أيضا: “إن الرسول أتى بما كان منافرا للعقول مثل الصلاة وغسل الجنابة ورمي الحجارة والطواف حول بيت لا يسمع ولا يبصر والعدو بين حجرين لا ينفعان ولا يضران، وهذا كله مما لا يقتضيه عقل… وما الطواف على البيت إلا كالطواف على غيره من البيوت”.
بل ويتساءل: “إن الرسول قد شهد للعقل برفعته وجلالته فلِمَ أتى بما ينافره إن كان صادقا؟”.
السبب الذي يمكن افتراضه لتعليل عناية ابن الراوندي بنقد معجزات محمد، حسب عبد الرحمن بدوي في كتابه: “من تاريخ الإلحاد في الإسلام”، هو أنها منذ زمان متقدم، كانت تعتبر برهانا ساطعا على نبوته.
يرى عبد الرحمن بدوي أن الأنبياء في نظر ابن الراوندي ليسوا إلا سحرة مخرفين، والمعجزات التي تروى عن محمد قائمة على الأكاذيب التي اخترعها المتأخرون ولفقوها. هذا إلى أن بعض هذه المعجزات، في نظره دائما، مضحك لدرجة أنها لا يمكن أن تروى بهذا الوصف.
مثلا، ينسب لابن الراوندي قوله: “ما أضعف شوكة هؤلاء الملائكة الذين حاربوا في صف محمد والمسلمين في يوم بدر، وأين كان هؤلاء الملائكة في يوم أحد؟”، وينسب إليه أيضا، أنه هاجم في “الزمرد”، نظرية إعجاز القرآن، إذ يقول إن فصاحة أكثم بن صيفي (شاعر جاهلي) تفوق فصاحة القرآن.
اقرأ أيضا: الوجه الآخر لصلاح الدين الأيوبي… كما رسمته المصادر الإسلامية السنية 1/5
السبب الذي يمكن افتراضه لتعليل عناية ابن الراوندي بنقد معجزات محمد، حسب عبد الرحمن بدوي في كتابه: “من تاريخ الإلحاد في الإسلام”، هو أنها منذ زمان متقدم، كانت تعتبر برهانا ساطعا على نبوته.
ابن الراوندي إذن عبر بحرية عن أفكاره وآرائه، التي ضمنها في كتاباته، التي قدمت العقل على النقل، وجعلت الإسلام وشريعته موضوعا لها؛ عاملا بذلك على دحض المعجزات وألوهية القرآن، ناكرا للملائكة، وأي شيء لا يمكن إدراكه بالعقل.
ما يوجد اليوم من كتابات الراوندي قد يكون أُخرج من سياقه. لكن الأكيد، إجمالا، أن مضمونها الكامل غير متوفر. ومع ذلك، ورغم أن كتب ابن الراوندي اندثرت، والغالب أن ذلك بفعل فاعل، إلا أن ما وجد من كتابات له متناثرة في كتب أخرى ألفت للرد عليه، لعب دورا مهما في تحديد فكر هذا الرجل، الذي عاد ليعرف اليوم كواحد من أبرز “ملحدي” التاريخ الإسلامي.
في الجزء الرابع، نتابع الملف مع حكاية اتهام أعظم أطباء الإنسانية بالإلحاد، والحديث هنا عن أبي بكر الرازي.
[1] رجال الدين في المجتمع الهندي.
لقراءة الجزء الأول: الإلحاد في تاريخ الإسلام: حين استنفدت الروح العربية قواها الدينية! (الجزء الأول)
لقراءة الجزء الثاني: من أشهر المتهمين بالإلحاد في التاريخ الإسلامي: ابن المقفع (الجزء الثاني)
لقراءة الجزء الرابع: من أشهر المتهمين بالإلحاد في التاريخ الإسلامي: أعظم أطباء الإنسانية… الرازي (الجزء الرابع)
لقراءة الجزء الخامس: من أشهر المتهمين بالإلحاد في التاريخ الإسلامي: أبو العلاء المعري (الجزء الخامس)
لقراءة الجزء السادس والأخير: علماء حاربهم الفقهاء… هؤلاء 6 من أهم علماء الإنسانية المسلمين الذين اتهموا بالزندقة والكفر (الجزء السادس والأخير)
Merci à notre professeur d’arabe qui a obligé toute la classe la lecture de cet article.
merci a vous pour votre qualité qui pourra nous aider certes à
améliorer notre niveau.
Vous avez gagné toute une classe de lecteurs.
الهرطقة فى المسبحية
قتلت الكنيسة ما يزيد عن خمسة و عشرون الف عالم بتهمة الهرطقة
اى مخالفة العلم لتعاليم الكنيسة
العلم اثبت دوران الارض و لكن الكنيسة تقول ان الارض ثابتة