الأمن الروحي: ما بين مواجهة التطرف ومؤاخذات بإقصاء المختلف 2/2
بينما “استحدثت” الدولة ما يسمى بـ”الأمن الروحي” قصد مواجهة التطرف، على خلفية تنامي انتشار الظاهرة الإرهابية، يرى البعض أنه ذريعة أخرى للحجر على حرية الرأي والتعبير من جهة، ومن جهة ثانية لإقصاء المختلف عن الثوابت الدينية المغربية، وهي المؤاخذات التي نتعرف عليها في الجزء الثاني والأخير من هذا الملف عن “الأمن الروحي”.
بعدما تابعنا في الجزء الأول المقصود بـ”الأمن الروحي” وعلاقته بالتصوف، في هذا الجزء الثاني والأخير، نواصل الملف مع المؤاخذات التي تطال “الأمن الروحي” بالمغرب.
في السنوات الأخيرة، مع تنامي الظاهرة الإرهابية وانتشار رقعتها، لم يعد المغرب، حسب التقارير الدولية، بمنأى عن وصول خطر التطرف إليه. لذا، فإن عودة مفهوم “الأمن الروحي” إلى الواجهة والسعي إلى تحقيقه، يعد رهانا ترتكز عليه الدولة لحماية أفرادها من مغبة “التطرف والإرهاب”، وللبحث عن سبل انتشار إسلام “معتدل”.
الملك محمد السادس كان قد أكد في خطاب الذكرى الرابعة عشر لاعتلائه العرش، سنة 2013، أنه لصيانة الهوية الإسلامية للمغاربة باعتبارها تشكل نموذجا “متميزا” يقوم على الوسطية والاعتدال، ستطلق استراتيجية للنهوض بالشأن الديني، تعززها خطة “ميثاق العلماء”، في مقدمة أهدافها، توفير الأمن الروحي للمملكة.
فيما يعتبر أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، انتشار الزوايا والأضرحة بالمغرب دليلا على “تأطير روحي جيد للمغاربة وتمسكهم بالقيم الإسلامية والأولياء الصالحين”، يرى آخرون أن انتشارها على نحو مهول، دليلا على انتشار الإيمان بالخرافة.
في الواقع، يقوم الشأن الديني في المغرب على الثوابت المستمدة من مؤسسة إمارة المؤمنين التي تعرفها الدولة منذ سنوات طويلة. والثوابت في هذا الباب، هي اتباع المذهب المالكي، والفقه الأشعري، وطريقة الجنيد في التصوف.
هذه الثوابت هي التي يستند إليها مفهوم “الأمن الروحي” بالمغرب، وكل ما عداها يعد مساسا به. ثوابت تسعى الدولة من خلال مجموعة من السياسات والمبادرات، إلى ترسيخها في المجتمع.
في هذا المسعى، تشكل العناية بالأضرحة والزوايا في المغرب، حجر الزاوية. إذ تخصص ميزانيات ضخمة سنويا، سواء من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أو من هبات الملك. وقد تعدى الإنفاق عليها خلال السنة الماضية، ما مجموعه 146 مليون درهم، وذلك من أجل تجديدها وترميمها، ومساعدتها في أداء مهامها الدينية. هذه الميزانية الضخمة باتت في السنوات الأخيرة مصدر انتقاد من طرف العديد من المتابعين، الذين يعتبرون أن هذه الميزانية يمكن أن توجه لخانات أكثر أولوية في تدبير شؤون البلد.
يقدر عدد الأضرحة في المملكة بـ 5038 ضريحاً تشرف عليها وزارة الأوقاف المغربية، فيما يبلغ عدد الزوايا 1496 زاوية، وهو ما اعتبره أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، في مداخلة برلمانية، دليلا على “تأطير روحي جيد للمغاربة وتمسكهم بالقيم الإسلامية والأولياء الصالحين”. بالمقابل، فإن عددا من الفاعلين يرون في هذه الأعداد المرتفعة من الأضرحة والزوايا دليلا على انتشار الإيمان بالخرافة.
طائلة للحجر على حرية التعبير؟
لكنه في الأشهر الأخيرة، بدا حسب ملاحظين أن في “الأمن الروحي” بالمعنى الذي تسعى الدولة إليه، تعارضا على نحو ما، مع حرية الرأي والتعبير، بل و”حجر” عليها. مرد ذلك، إلى منع كتاب “صحيح البخاري… نهاية أسطورة”، لصاحبه رشيد أيلال، الذي صدر في حقه حكم بالمنع من التداول من محكمتي مراكش وسلا.
وقد تضمن الحكمان في حيثياتهما إشارة صريحة إلى كون صفحات الكتاب، بها “مس بالأمن الروحي للمواطنين ومخالفة الثوابت الدينية المتفق عليها”.
أحمد عصيد: “الأمن الروحي بهذا المعنى يجعل بقية المسلمين من التيارات أو المذاهب الأخرى، وكذا بقية المغاربة الذين هم على المسيحية واليهودية أو غير المتدينين، خارج حماية الدولة، بل هدفا لتسلط الأخيرة لكونهم يصبحون في منظورها ـ بسبب اختلافهم ـ مصدر تهديد…”.
لم يقتصر المنع على هذا الكتاب فحسب، إنما طال ذلك لوحة بعنوان “كاماسوترا”، للفنانة التشكيلية خديجة طنانة، إذ سحبت من العرض بمتحف الفن المعاصر بمدينة تطوان، بسبب تناولها “أوضاعا جنسية” مستوحاة من كتاب “الروض العاطر في نزهة الخاطر”.
اقرأ أيضا: محمد بن العربي العلوي… شيخ الإسلام 3/1
بلاغ للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، اعتبر حكم حجز كتاب رشيد أيلال، “تقييدا” لحرية الرأي والتعبير والإبداع، و”يدفع في اتجاه تضييق المجال على الحق في الاختلاف في القضايا التي تهم الشأن الديني، ويوسع مجال المقدسات والثوابت”.
ذات البلاغ، وصف المنع بـ”المشوب بالانحياز للسلطة الإدارية”، مضيفا أن به “تضخيما غير مبرر لما يسمى بالأمن الروحي، بغض النظر عن مضامين الكتاب التي تعبر عن رأي لم يحرض على العنف ولم يدع إلى الكراهية”.
مؤاخذات على “الأمن الروحي”
يرى أحمد عصيد[1]، أن مفهوم الأمن الروحي، قد “اختزل في الدين وحده دون غيره، بينما تتجاوز القيم الروحية مجال الدين، إلى ما هو أكثر منه اتساعا وشمولا، حيث تضم ممارسات كثيرة أخرى ليست بالضرورة دينية”.
اقرأ أيضا: سيرج بيرديغو.. سفير الموروث اليهودي المغربي!
ذات الباحث، في ملاحظات له حول المفهوم، أوضح أن الأمن الروحي المقصود “ليس بأمن كل المغاربة بل بعضهم فقط، وهم المسلمون، بل وبعض المسلمين فقط؛ أي هؤلاء الذين هم على المذهب المالكي السني الأشعري، وهو ما يجعل بقية المغاربة حسب هذا المفهوم بدون روح تستحق الأمن والحماية”.
إن هذا الأمن الروحي، وفق عصيد دائما، يجعل بقية المسلمين من التيارات أو المذاهب الأخرى، وكذا بقية المغاربة الذين هم على المسيحية واليهودية أو غير المتدينين، “خارج حماية الدولة، بل إنها تجعلهم هدفا لتسلطها لكونهم يصبحون في منظورها ـ بسبب اختلافهم ـ مصدر تهديد لمغاربة المذهب المالكي السني الأشعر، الرسمي، الذين تخصّهم السلطة وحدهم بالرعاية”.
لقراءة الجزء الأول: الأمن الروحي… مفهوم “مستحدث” لمواجهة التطرف أم حجر على حرية التعبير؟ 2/1