المغرب: حكم قضائي جديد يجرم الاغتصاب الزوجي
هذا الملف، رغم أنه يبرز نوعا من الأمل في تعامل القضاء المغربي مع جنايات الإغتصاب الزوجي، فهو يكشف أيضا أنه لازالت هناك إشكالية في “استمرار إفلات المغتصبين من العقاب من خلال اللجوء إلى إبرام عقود زواج بالضحايا، مما يجعلهن يتراجعن عن تصريحاتهن بتعرضهن للاغتصاب أو يتنازلن عن شكاياتهن”.
يبدو أنّ القضاء المغربي صار يسير شيئا فشيئا نحو تجريم الاغتصاب الزوجي.هذا، ربّما، ما يبينه حكم قضائي، صدر عن محكمة الاستئناف بتاريخ 08 يونيو 2022. المحكمة أدانت زوجا من أجل اغتصاب زوجته وهتك عرضها باستعمال العنف، وجرت معاقبته على ذلك بثلاث سنوات حبسا نافذا وبأدائه للمشتكية تعويضا قدره 30 ألف درهم.
أصل الملف
حسب نسخة من الحكم الصادر عن غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بتطوان، يتبين أنّ أطوار هذا الملف تعود إلى سنة 2020: في 24 غشت 2020، كانت المشتكية، وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة الصم البكم، في منزلها، حين باغتها المشتكى به حوالي الساعة العشرة ليلا، وقام باغتصابها.
المشتكية قالت إنها أحست بألم حاد على مستوى جهازها التناسلي، وشاهدت قطرات الدم بعد أن تركها المشتكى به ممددة أرضا. في اليوم الموالي، رافقتها أختها للمستشفى الإقليمي أبو القاسم الزهراوي بمدينة وزان وتلقت الإسعافات الأولية، وأدلت بشهادة طبية تثبت أنها مصابة بجرح على مستوى جهازها التناسلي.
المتهم حينها نفى كل التهم الموجهة إليه، مؤكدا أنه توصل لصلح معها وأنه بصدد القيام بإجراءات الزواج وأنه تم وضع الوثائق الخاصة بذلك بمحكمة الأسرة، وهو ما أكدته فعلا المشتكية بعد أن طلب منها الزواج منه وتنازلت عن الشكاية. بتاريخ 27 أكتوبر 2020، تقدم المشتكى به إلى الشرطة وأدلى بعقد زواجه من المشتكية.
بيد أنه، بتاريخ 09 أبريل 2021، ستفتح أطوار جديدة في الملف، حيث ستتقدم المشتكية من جديد إلى النيابة العامة لتسجيل شكاية جديدة ضد زوجها بهتك عرضها باستعمال العنف، مدلية بتراجعها عن التنازل الذي سبق أن تقدمت به لفائدة المشتكى به. وإذ تمّ الاستماع إليها، صرّحت بأنّ المشتكى به، بعدما تزوجها، لم يعمل على اصطحابها معه إلى بيت الزوجية رغم إلحاحها على ذلك، فتقدمت بدعوى إهمال الأسرة في مواجهته، مما جعله يوافق على أخذها معه إلى منزله.
هنا، ستكون فاتحة لمحنة أخرى، إذ تقول المشتكية إنه “في الليلة التي جاءت إلى بيته، دخلا إلى غرفة منفردة وأغلق الباب، وطلب منها ممارسة الجنس الشرجي معه بدعوى أنه لا يريدها أن تحمل منه، لكنها رفضت. أصر “الجاني” على طلبه، حيث أغلق فمها ونزع ملابسها بالقوة، ومارس عليها الجنس الشرجي دون رضاها رغم توسلاتها، ثم تركها في حالة نفسية مزرية وغادر المكان بعد أن هددها بالقتل إن هي أخبرت أحدا”.
حين عرضت على المشتكى به تصريحات المشتكية، قال إنه “يوم رافقته لمنزل سكناه، وصلا ساعة العشاء، فوجد والده وزوجة والده بالمنزل وتناولوا العشاء مجتمعين، ثم نام وزوجته المذكورة بشكل عادي بحيث عاشرها معاشرة الأزواج من فرجها، وأنه ينفي أن يكون قد أتاها من الدبر، وتناولا وجبة الفطور مع والده وزوجة هذا الأخير بشكل عادي ثم خرج لعمله، وأنه خلال مدة ثمانية أيام التي قضتها معه بالمنزل كانا ينامان معا ويعاشرها بشكل طبيعي، وأنه لا يعرف قصد المشتكية من الشكاية”.
لكن… رغم إنكاره المتكرر للمنسوب إليه جملة وتفصيلا، فقد حكمت عليه المحكمة بثلاث سنوات حبسا نافذا وبأدائه للمشتكية تعويضا قدره 30 ألف درهم.
ما التعليل؟
في إصدارها للحكم، اعتمدت هيئة المحكمة في بناء قناعتها على أنه رغم إنكار المتهم، فإنه يمكن إثبات الجرائم بجميع وسائل الإثبات بما فيها القرائن وشهادة الشهود؛ إضافة إلى تصريحات الضحية أمام قاضي التحقيق التي أكدت أنها تقدمت بشكاية بالاغتصاب في مواجهة المتهم، وحينما تمكن الدرك من إيقافه، قام بالزواج منها، إلا أنه أصبح يتنكر لها، ويرفض أن تنتقل معه إلى بيت الزوجية.
وحينما تقدمت بدعوى في مواجهته من أجل النفقة، عرض عليها أن ترافقه إلى منزل عائلته، وهناك قام باغتصابها، وأضافت أن المتهم تحايل عليها بالزواج منها فقط لتتنازل عن شكايتها ضده باغتصابها، وأنه يرغب في الزواج من فتاة أخرى، وأنها لا ترغب في العيش معه لأنه يعنفها ويضغط عليها.
أيضا، فإن تصريحات المشتكية جاءت متسقة ومنسجمة طوال إجراءات البحث والتحقيق والمحاكمة؛ إضافة إلى معاينة الضابطة القضائية لآثار الاعتداء الذي طال الضحية؛ كما اعتمدت المحكمة على الشواهد الطبية المدلى بها في الملف وعلى القرائن التي تحيط بالقضية والتي تفيد أن العلاقة الجنسية التي كان يمارسها المتهم على المشتكية كانت تتسم بالإكراه في ظل العنف المعنوي والمادي والجسدي الذي كانت تتعرض له الضحية، مما يجعل جريمة الاغتصاب وهتك العرض قائمة في حقه.
ولكل ذلك، اعتبرت المحكمة أن جميع المعطيات المتوفرة بملف النازلة والقرائن المنضبطة والمتلائمة جاءت متناسقة ومتجانسة في أدنى جزئياتها، ومن الصعب التكهن بعدم صحتها رغم إنكار المتهم لها؛ الأمر الذي كونت معه المحكمة قناعتها الوجدانية بأن العناصر التكوينية لجناية الاغتصاب وهتك العرض باستعمال العنف قائمة في حق المتهم ويتعين مؤاخذته من أجلها.
لا شكّ أنّ هذا الحكم يتجه نحو التطبيق القضائي للشكايات المتعلقة بالاغتصاب الزوجي، خصوصا أنّ هذه القضايا لازالت تتسم بالندرة في محاكم المملكة المغربية، وسيما، أيضا، أنّ القضاء المغربي كان يبتّ فيها بوصفها جرائم عنف أسري تخضع للفصل 404 من القانون الجنائي وليس كجرائم اغتصاب زوجي.
لكن، بالنسبة لموقع المفكرة القانونية، فإنّ هذا “الحكم يثير إشكالية استمرار إفلات المغتصبين من العقاب من خلال اللجوء إلى إبرام عقود زواج بالضحايا، مما يجعلهن يتراجعن عن تصريحاتهن بتعرضهن للاغتصاب أو يتنازلن عن شكاياتهن”.
مقالات قد تثير اهتمامك:
- الكد والسعاية… ابن عرضون، الفقيه المغربي الذي أفتى بحماية حقوق النساء وتحصينها ضد العنف الاقتصادي! 1/2
- لأول مرّة في المغرب… العنف النّفسي ضدّ النساء في حكم قضائي!
- عبد الصمد البلغيثي: دور العنف في تشكـل الإسلام التـاريخي
- العنف الجنسي… الظاهرة الخفية!
- من كندا، نبيل جميل سليمان يكتب: في الغربة: احتدام الخلاف والعنف الأسري والطلاق