الكد والسعاية… ابن عرضون، الفقيه المغربي الذي أفتى بحماية حقوق النساء وتحصينها ضد العنف الاقتصادي! 1/2 - Marayana - مرايانا
×
×

الكد والسعاية… ابن عرضون، الفقيه المغربي الذي أفتى بحماية حقوق النساء وتحصينها ضد العنف الاقتصادي! 1/2

ليست الغَايةُ التأصيل في حد ذاته، وإنما تسعى “مرايانا” إلى إحياء هذه الفتوى في زمن لم يكن يذكر فيه مثل هذا الاجتهاد الذي يخرج المرأة من وضعها الدوني؛ بل غاية ما وجد صون عرضها وشرفها تحت سلطة زوج يحميها ويقوم عليها. أمّا أن يتحدث عن أموالها وتدبير شؤونها، فقد كان ذلك صعباً. بل أنه، إلى اليوم، لازال فكر الكثير من الأصوليين متصلّباً يأبى الاعتراف بأهمية هذه الفتوى.

أحياناً، قد نتساءلُ ببراءة: بعد الطلاق أو وفاة الزوج، هل يمكنُ أن يضيع حق الزوجة في مال زوجها وهي قد أسهمت بكدها وجهدها وسعيها ومالها ووقتها في تنميته وادخاره؟

عادةً… في محاولة الإجابة على هذا السؤال، يصطدمُ الأفق الحقوقي للعلاقة بين الرجل والمرأة مع الشعور الديني المؤطر لهذه العلاقة… فتضيعُ حقوق المرأة…

لكن، هل سمعنا من قبل بنظام الحق والسعاية الذي يحفظُ هذا الحقّ من الضياع؟

هذا ما سنحاول التعريف به وتأصيله في هذا الجزء الأول…

لم يكن أحد يجرؤ، خوفاً من حراسّ التراث وأنصار الشريعة بتأويلاتها السلفية، على فتح هذا الباب الذي ينصفُ المرأة ويعيدُ لها حقّها، قبل ابن عرضون، عبر فتوى الكد والسعاية…

ابن عرضون اجتهد وأفتى…و سكّان مناطق سوس في جنوب المغرب، استلهموا هذه الفتوى، ذات النفس الحداثي، وأطلقوا عليها حق “تامازالت” أو “تيغراد”. هذه اللفظة الأمازيغية تعني “حق السعاية والجهد والعمل”، وأضحى لها حضور قوي في فتاويهم وأقضيتهم…

الأصل الفقهي…

لعلّ أوّل من أفتي بـ”الكد والسعاية” هو الفقيه المالكي أحمد بن عرضون، في القرن 10هـ/16م، عندما آمن الفقيه المغاربي بحق السعاية للزوجة ونصيبها من مال الأسرة بالتساوي.

لكن، مع ذلك، يصر الكثيرون على أنّ هذه الفتوى كانت إحياءً لفتوى عمر بن الخطّاب في تظلّم حبيبة بنت زريق، التي عتّم عليها الفقهاء من القرن الأول الهجري إلى آخر القرن العاشر الهجري.

ليست الغَايةُ التأصيل في حد ذاته، وإنما تسعى “مرايانا” إلى إحياء هذه الفتوى في زمن لم يكن يذكر فيه مثل هذا الاجتهاد الذي يخرج المرأة من وضعها الدوني؛ بل غاية ما وجد صون عرضها وشرفها تحت سلطة زوج يحميها ويقوم عليها. أمّا أن يتحدث عن أموالها وتدبير شؤونها، فقد كان ذلك صعباً. بل أنه، إلى اليوم، لازال فكر الكثير من الأصوليين متصلّباً يأبى الاعتراف بأهمية هذه الفتوى.

لا شكّ أن هذه الفتوى لقيت، وفق المؤرخين، معارضة الفقهاء المعاصرين لابن عرضون، واعتبروها “فتوى شاذة”، وأنّ الفرائض قد قسمها المولى بنفسه من فوق سبع سماوات، فلم يبق فيها نظر ولا اختيار… لكن، لِم يَسْعَ الفقهاء إلى تحجيم هذه الفتوى واعتبارها تتنافى مع الشّريعة؟

المهدي الوزاني في نوازله المسماة “المعيار الجديد الجامع المعرب من فتاوى المتأخرين من علماء المغرب”، ينتصر للفتوى ويرد على منتقدي “ابن عرضون” بكونهم لم يفهموا مراده من القسمة، وأنّه ليس المقصود منها نقض الفرائض وأحكام الإرث والتطاول على تركة الهالك، بل معناه أنّ الذين يخدمون الثروة يأخذون منها بحسب جهدهم وعملهم، وما بقي فهو للورثة والزوجة منهم، وكل ذلك داخل في ما شرط الفقه من تصفية التركة قبل القسمة، من زكاة وديون ومصاريف الدفن والوصية وغيرها…

عرفٌ يدخلُ القانون…

الراحل الحسين الملكي، أحد أكثر الحقوقيين الذين اشتغلوا على حق الكد والسعاية في ثلاث مؤلفات منذ بداية الألفية الثالثة، يعتبرُ بأنّ هذا الحقّ من شأنهِ، ليس فقط تكريس مبدأ المساواة في توزيع الثروة الأسرية؛ أي ما راكمته المرأة إلى جانبِ زوجها منذ عقد قرانهما إلى غاية الطلاق أو وفاة زوجها؛ بل أيضاً له القدرة على الحد من عدة ظواهر تؤرقُ الأسر المغربية، كظاهرة الطلاق غير المسؤول، ظاهرة زواج النزوة والمصلحة، ظاهرة تشريد المطلقات والأبناء، ظاهرة تعدد الزوجات بدون مبرر شرعي، ظاهرة العنف ضد الزوجات لأسباب اقتصادية ومالية…

الحسين الملكي، المتخصص في نظام الكد والسعاية، في مقال له بعنوان: “الكد والسعاية: قواعد مستخرجة من أحكام القضاء الشرعي”، يشيرُ فيه إلى عشرين مِلفاً يخصّ هذا الموضوع، تؤرَّخُ بين 1959 و1960، ليبيّن أن الاجتهاد القضائي بسوس متجذّرٌ منذ نهاية الخمسينيات وما قبلها وأيضاً ما بعدها…

الملكي يعتقدُ أن النظرة الإقصائية السلبية أصبحت متجاوزة بعد صدور قانون مدونة الأسرة الجديد 70.03 وأساساً المادة 49 منه، التي صيغت الفقرتان الأولى والأخيرة منها، بشكل جعلهما متضمنتان للعناصر الأساسية لنظام الكد والسعاية إن لم نقل للنظام برمته، تحت تسمية عصرية هي” الأموال الأسرية”.

الباحث في القانون الخاص بسلك الماستر، عمر المزكلدي، والذي اشتغل على نظام الكد والسعاية، يرى بأن صدور المدونة الجدیدة للأسرة، بعد سنوات من النقاش حول إشكالیة تعدیل مدونة الأحوال الشخصیة، اعتبره العدید من رجال القانون وغيرهم، حدثا قانونیا بارزا، نظرا لما تكرسه من ثورة إصلاحیة، تعد الأكثر عمقا في المجتمع المغربي منذ الاستقلال، وما تمنحه من حمایة قانونیة وقضائیة لمؤسسة الأسرة بمختلف مكوناتها، على أسس من العدل، والمساواة، ومراعاة لمقاصد الشریعة وأحكامها…

هذه المدونة تضمنت مجموعة من المقتضیات الجدیدة، كان من أهمها معالجتها لمسألة التدبیر المالي للأموال المكتسبة بین الزوجین أثناء العلاقة الزوجیة، سواء في حالة الاتفاق أو غیابه؛ وذلك من خلال المادة 49 التي اعتبرها البعض تكریساً تشریعیا لحق الكد والسعایة… هذا الأمر يجعلنا نطرح التساؤل حول إمكانية تبني المادة 49 كأساس لمفهوم الكد والسعاية.

تساؤل سنحاول الإجابة عليه في الجزء الثاني.

اقرأ أيضا:

تعليقات

  1. ABDOX

    مقال رائع

  2. adam

    thank you

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *