يهود المغرب و الحمايات 1859-1912… المحميون: يهود ومسلمون ضد مصلحة المخزن 5/5
تابعنا في الجزء الأول والثاني والثالث والرابع، كيف ظهرت الحمايات في المغرب، وكيف أثر المحميون على التركيبة المجتمعية، كما توقفنا عند المقاومات والمعارضات التي ووجه بها المحميون، خصوصا من خلال …
تابعنا في الجزء الأول والثاني والثالث والرابع، كيف ظهرت الحمايات في المغرب، وكيف أثر المحميون على التركيبة المجتمعية، كما توقفنا عند المقاومات والمعارضات التي ووجه بها المحميون، خصوصا من خلال نموذج يهود تطوان.
في هذا الجزء الخامس والأخير، سنتعرف على الكيفية التي أثرت بها هذه المعارضة، على العلاقات بين يهود ومسلمي المغرب.
حالة عيسى الريفي التي أوردناها في الجزء الرابع من هذا الملف، فيما يتعلق بالاعتداءات، راجع الى أهميتها وللبعد الذي يمكن أن يعطى لها، فيمكن أن تعبر عن كراهية الآخر التي أصبحت سائدة بين المغاربة، نظرا لما رأوه من تجاوز اليهود المحميين، كما أن ظاهرة التبرك والتشافي بتراب قبر عيسى الريفي ربما تعني أن المغاربة المسلمين كانوا يعتبرون الرجل رمزا معبرا عن إرادة جماعية للتخلص من هؤلاء اليهود… لكن المسألة تبقى مفتوحة أمام التأويلات.
علاقات اليهود بالمسلمين غير المحميين ظلت عادية، وظل يهود الداخل في غالبيتهم، على وضعيتهم السابقة بجانب المسلمين، هذا الغنى لم يمس الجاليات بالمناطق الداخلية، ذلك أنها استمرت على حالتها البئيسة التي كانت عليها قبل ذلك، بل هناك من اليهود من أبدى معارضته ورفضه للمحميين اليهود الى حد طلب فصلهم عنهم.
أما على مستوى الثاني، موقف العلماء، فهنا نقتصر على أحد المواقف لبعض العلماء التي أوردها محمد المنوني، وهي سبعة فتاوى، كلها تعتمد في تحريمها للحمايات على الشرع والقرآن، واعتبارها كفرا.
إقرأ أيضا: السنة الأمازيغية: هذا أصل حكاية تقويم يطفئ هذا العام شمعته الـ2969…
تقول الفتوى… الواجب على من يؤمن بالله واليوم الآخر ألا يجالس أهل الحماية ولا يصادقهم ولا يؤاكلهم ولا يعاشرهم ولا يناكحهم، وأن يوصي كل من لقيه على مجانبتهم ومباعدتهم وترك معاملتهم ردعا لأمثالهم لأن هذا المنكر من أعظم المفاسد في الدين.
هاتين العينينتين من مظاهر المعارضة، كفت بكل وضوح رفض القاعدة وكذلك العلماء من المغاربة المسلمين أدنى تعامل مع الاجنبي، كما أن هذه الاعتداءات، كانت تدل على انعدام الأمن الذي لم يعد المخزن قادرا على ضبطه، بفعل الحمايات التي أصبحت تمنعه من محاكمة أي محمي ارتكب جريمة أو اعتداء، فحادثة عيسى الريفي كانت في اعتقادي رسالة لكل مسلم غير محمي، أن يحمي نفسه بنفسه. .
لكن… هل نقصد بما قلناه سابقا عن اليهود أنه لم يعد هناك أدنى تعايش بين اليهود والمسلمين؟
وهل تبنى كل اليهود الحمايات؟
الوقائع التاريخية، تؤكد أن الجواب عل هذا السؤال هو بالنفي، ذلك أن علاقات اليهود بالمسلمين غير المحميين ظلت عادية، وظل يهود الداخل في غالبيتهم، على وضعيتهم السابقة بجانب المسلمين، هذا الغنى لم يمس الجاليات بالمناطق الداخلية، ذلك أنها استمرت على حالتها البئيسة التي كانت عليها قبل ذلك، بل هناك من اليهود من أبدى معارضته ورفضه للمحميين اليهود الى حد طلب فصلهم عنهم.
يقول كنبيب في هذا السياق أن اليهود غير المحميين والذين ظلوا على تعايشهم مع المسلمين، قد عانوا من تصرفات واعتداءات اليهود المحميين، ولهذا كثيرا ما طلبوا بالانفصال عن هؤلاء مثل دمنات وفاس.
كخلاصة… يمكن أن نقول إن الحمايات، سلاح الامبريالية المفضل، اذا أردنا استعارة عبارة الأستاذ كنبيب هي التي كانت، كما عرضنا سابقا، وراء هذه الاضطرابات والتحولات، حتى بالنسبة للمسلمين الذين تزايد عدد المقبلين فيهم على الحمايات.
الحمايات لم تنطبق فقط على اليهود بل شملت كذلك المسلمين، الذين دخلوا تحت حماية القوى الأوروبية، و شكلوا بجانب هؤلاء اليهود، شركاء رغم اختلافاتهم الاجتماعية والاقتصادية، في وضعية تتميز بعدم آدائهم للضرائب ورفض سلطة القائد ورفض المشاركة في الحركات والاشغال.
الحمايات… كانت فرصة تاريخية لليهود بالخصوص، للانتقال من موقع اجتماعي ذكرنا طبيعته سابقا، الى موقع آخر، حيث وجدوا مبادرتهم الحرة وقوانين أوروبية لا تلزمهم بشيء، بل تحميهم من كل ما يمكن أن يمس بمصالحهم. كذلك ساهم فيه مطالبتهم بالحرية التي كانت، كما يقول العروي، تعني بالنسبة لهم التمتع بنفس الامتيازات القانونية والمالية التي يتمتع بها الأوروبيون، وبالتالي التملص من الوضعية الإسلامية وإعلان قطيعة مع وضعية الذمة، أي بعبارة أخرى، تمردهم على كل المجتمع المغربي كمخزن وكعلاقات اجتماعية محكومة بالشرع والعرف والقانون. وكما هو معلوم فان الحمايات لم تنطبق فقط على اليهود بل شملت كذلك المسلمين، الذين دخلوا تحت حماية القوى الأوروبية، و شكلوا بجانب هؤلاء اليهود، شركاء رغم اختلافاتهم الاجتماعية والاقتصادية، في وضعية تتميز بعدم آدائهم للضرائب ورفض سلطة القائد ورفض المشاركة في الحركات والاشغال.
إقرأ أيضا: من فلسطين، عامر أبو شباب يكتب: عام الحقيقة في فلسطين والوضوح عالمياً
انه تحول النخبة المغربية التي ستعرف تطورا آخر فيما بعد. وقد استمر الوضع هكذا، بل عرفت الوضعية تطورات أخرى لم تكن في صالح المخزن، ذلك أن السلطان كما يبدو لي، وأقصد هنا السلطان مولاي عبد الحفيظ، لم يكن لديه ما يفعله لإلغاء الحمايات، وبالتالي تجاوز الوضعية، لأن الأمر كان أكبر منه، ومن قراراته. بعبارة أخرى كان الخرق قد اتسع على الراقع، ذلك أن الحمايات كانت قد تسربت حتى إلى حاشيته ومعاونيه، وبالتالي، لم يستطع القيام بأي شيء إزاء هؤلاء ولا أولئك الذين وقفوا بجانبه في مواجهة الحركة العزيزية. هذا زيادة على الضغوط الأوربية التي كانت قد قيدته بعدة مؤتمرات ومعاهدات، وبالتالي لم تترك له الحد الأدنى من الشروط لكي يحافظ على النظام والامن العام، وكذلك كي يضمن إعادة النظر وإصلاح قانونه المالي.
السلطان إذن، كان أمام فراغ داخلي وضغط خارجي، زد على ذلك عزلته أمام العلماء. أما فيما يتعلق باليهود المحميين، فإن وضعيتهم ستعرف تطورا آخر مع بداية القرن العشرين، خاصة بعد دخول الحماية الفرنسية التي سيستفيدون منها كثيرا ليلعبوا أدوارا أخرى مختلفة فيما بعد، وهذا ليس مجال حديثنا ولكل مقام مقال كما يقول الفقهاء.
لقراءة الجزء الأول: يهود المغرب و الحمايات 1859-1912. البدايات 1/5
لقراءة الجزء الثاني: يهود المغرب و الحمايات 1859-1912… يهود تطوان بين الهجرة والتجنيس 2/5
لقراءة الجزء الثالث: يهود المغرب و الحمايات 1859-1912…أسباب إقبال يهود تطوان على الحمايات 3/5
لقراءة الجزء الرابع: يهود المغرب و الحمايات 1859-1912… المحميون: اعتداءات ومعارضة 4/5