يهود المغرب و الحمايات 1859-1912. البدايات 1/5
في الجزء الأول من هذا الملف، نتعرف بداية على السياقات السياسية والمجتمعية التي سادت المغرب، والتي سهلت عمليات فرض الحمايات وظهور المحميين المغاربة… وتأثير ذلك على المجتمع المغربي. تعتبر الحمايات …
في الجزء الأول من هذا الملف، نتعرف بداية على السياقات السياسية والمجتمعية التي سادت المغرب، والتي سهلت عمليات فرض الحمايات وظهور المحميين المغاربة… وتأثير ذلك على المجتمع المغربي.
تعتبر الحمايات بحق، سرطانا ساهم وبشكل كبير في نخر المجتمع المغربي من الهرم حتى القاعدة، ذلك أنها أدخلت مجموعة من التحولات الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي السياسية، وذلك منذ منتصف القرن التاسع عشر. فكان أن أدت هاته التحولات، بعد فترة قصيرة، الى فرز تركيبة اجتماعية جديدة بالمغرب.
الحمايات، وما جاءت به من مضامين، كانت قد فرضت على المغرب واقعا لم يكن بامكانه تجاوزه لأن الظاهرة (ظاهرة الحمايات) كانت قد تجاوزت كونها مسألة قرارات فرد أو أفراد، حيث أصبحت واقعا قائما له جدوره القديمة بعض الشيء، وله أيضا، وهذا هو الأساسي، عناصر ومقومات استمراره التي أصبحت عضوية في المجتمع المغربي في منتصف القرن التاسع عشر، والتي اتخدت لها ضمانات قانونية (مؤتمر مدريد سنة 1880، مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906، الاتفاقية المغربية الفرنسية…) هذا علاوة على الاتفاقيات الثنائية بين المغرب و الدول الأوربية التي كانت لها غاية نفعية، أي استغلال المغرب (اتفاقية بيكلار 1863) على كل الواجهات ونهبه على المستوى الاقتصادي بالأساس، مستعملة في ذلك طرقا ووسائل غير مباشرة (الاتفاقيات، المعاهدات، الإغرءات…إلخ) .
بدخول هذه القوى الأجنبية الى المغرب كان لابد لها فعلا أن تؤثر على البنيات الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، ذلك أن انتعاشها كان قد تزامن مع فترة الاضطرابات وعدم التنظيم الذي عرفه المخزن
إذن، ولكي لا نطيل في هذا التقديم، نتساءل عن هذه الحمايات، عن وسائل تسربها وعن أهدافها، كذلك نتساءل عن مدى تأثيرها أو مساهمتها في تفكيك وإعادة تركيب المجتمع المغربي في منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، و كذلك عن ردود الفعل الاجتماعية التي خلفتها، هذا مع التركيز على إسهامها في عناق أو طلاق عناصر التركيبة الاجتماعية للمغرب ونقصد هنا اليهود والمسلمون بالمغرب بصفة عامة و بتطوان على الخصوص.
إقرأ أيضا: يهود الريف المغربي… حكاية وجود راسخ انتهت بـ”باتوا ولم يصبحوا!” 2/1
كان القرن التاسع عشر قد عرف ضغوطا متوالية من طرف القوى الأوربية التي أخذ دخولها للمغرب طابع الاكتساح السلمي الذي اختفى تحت غطاء الحماية الدبلوماسية والقنصلية.
بدخول هذه القوى الأجنبية الى المغرب كان لابد لها فعلا أن تؤثر على البنيات الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، ذلك أن انتعاشها كان قد تزامن مع فترة الاضطرابات وعدم التنظيم الذي عرفه المخزن، كما ان انفجار المجتمع و تبعيته للدول الأجنبية كان قد بدأ يتضح أنداك، والعنصر الذي كان وراء هذا كله، وهو لا يقل أهمية هنا، هو عملية توزيع أوراق جديدة للحماية.
توسيع نظام الامتيازات والدخول التدريجي للحمايات عرف ارتفاعا ملحوظا مند سنة 1856، هاته العملية التي ساهمت وبشكل عميق في إدراج المغرب في دورة السوق العالمي، الشيء الذي أدى إلى ضرب توازن الاقتصاد المغربي الذي كان لا يزال تقليديا ومعتمدا على الاكتفاء الذاتي.
أوراق جديدة للحماية، كانت في البداية منحصرة في ممثلي الأجانب بالبلاد فقط، وأصبح ممكنا، بموجبها، منح امتيازات قانونية ونقدية لعدد من أفراد بعض الشرائح الاجتماعية المختلفة، ونذكر هنا مغاربة موظفون إما كمترجمين أو كتاب أو حرس في المصالح الدبلوماسية والقنصلية، مفاوضون محليين، إلخ. كان دور هؤلاء يتجسد في كونهم وكلاء أو سماسرة لدور التجارة الأوربية بالبلاد، بعض رجال البوادي الذين كانوا ،مبدئيا، شركاء (المخالطين) بجانب الأجانب في الزراعة و تربية المواشي، شخصيات قدمت خدمات استثنائية الى هاته الجهة أو تلك، رعايا السلطان الذين أصبحوا يحملون جنسيات أخرى و أصبحوا مواطنين أمريكيين أو بلجكيين أو برازليين أو بريطانيين أو إيطاليين أو فرنسيين أو برتغاليين.
إقرأ أيضا: نهاية وجود اليهود في الريف المغربي … 2/2
توسيع نظام الامتيازات هذا والدخول التدريجي للحمايات كان قد عرف ارتفاعا ملحوظا مند سنة 1856، هاته العملية التي ساهمت وبشكل عميق في إدراج المغرب في دورة السوق العالمي، الشيء الذي أدى إلى ضرب توازن الاقتصاد المغربي الذي كان لا يزال تقليديا ومعتمدا على الاكتفاء الذاتي. إن الامتيازات التي أصبح يتمتع بها هؤلاء المحميون، خاصة الشركاء الفلاحيين ومحميو البوادي، كان الهدف منها أساسا الإفلات من السلطة المخزنية. بالإضافة إلى هذا، نشير أن الحمايات لم تتوقف فقط على هؤلاء بل شملت، وذلك انطلاقا من مؤتمر 1880، الأعيان و رجال الدين كذلك، الشيء الذي نتج عنه، تدخل في شؤون الدولة تحت غطاء رعاية مصالح المحميين، و بالتالي التأثير على سياسة المخزن في المناطق النائية.
في الجزء الثاني من هذا الملف، نتابع كيف أثرت الحمايات على السلطة المخزنية بالمغرب، ونقف على وضعية الجاليات اليهودية، وكذلك التحول الذي طرأ عليها تحت تأثير هده الحمايات، خاصة يهود تطوان.
لقراءة الجزء الثاني: يهود المغرب و الحمايات 1859-1912… يهود تطوان بين الهجرة والتجنيس 2/5
لقراءة الجزء الثالث: يهود المغرب و الحمايات 1859-1912…أسباب إقبال يهود تطوان على الحمايات 3/5
لقراءة الجزء الرابع: يهود المغرب و الحمايات 1859-1912… المحميون: اعتداءات ومعارضة 4/5
لقراءة الجزء الخامس: يهود المغرب و الحمايات 1859-1912… المحميون: يهود ومسلمون ضد مصلحة المخزن 5/5