أحمد الخمسي يكتب: كم من عُمْرٍ يلزمنا… لإفراز محام بمثل عُمَر
على اعتبار أن في المشهد العام لمدينة طنجة، ومن مشارب مختلفة، برزت شخصيات استطاعت أن تطبع بصمتها في مجالات متنوعة، صنعت الحدث، أو كان لها الأثر والتأثير فيه، وشغلت الرأي …
على اعتبار أن في المشهد العام لمدينة طنجة، ومن مشارب مختلفة، برزت شخصيات استطاعت أن تطبع بصمتها في مجالات متنوعة، صنعت الحدث، أو كان لها الأثر والتأثير فيه، وشغلت الرأي العام المحلي و الوطني؛ نشرت “مؤسسة طنجة الكبرى للشباب والديمقراطية” ملاحظة وضحت من خلالها، أنه تم اختيار الشخصيات بكل حياد وموضوعية، مع مراعاة مختلف المجالات والتخصصات الفنية والرياضية والثقافية والجمعوية والسياسي. وتساءلت: في نظركم، من هو شخصية طنجة لسنة 2018 من ضمن الشخصيات المقترحة أسفله.
وأبدعت المؤسسة المذكورة طريقة التصويت بحيث توجهت إلى زوار صفحتها الالكترونية بالدعوة التالية: صوتوا على المرشح الذي ترونه يستحق لقب شخصية سنة 2018 بطنجة بوضع إعجاب فقط على اسمه الموجود في التعليق أسفله.
عمر بنعجيبة: محام وناشط حقوقي، عرف خلال هذه السنة بمناهضة “الصابو” وقام برفع دعوى قضائية ضد الشركة المفوض إليها تدبير خدمات الركن. الرابور مسلم: فنان أصدر أعمالا فنية لاقت نجاحا كبيرا خلال هذه السنة. وعبد الحميد أبرشان: رئيس مجلس عمالة طنجة أصيلا/ رئيس اتحاد طنجة يتميز بشعبية كبيرة خاصة لدى الاوساط الرياضية بعد تمكنه من تحقيق لقب البطولة الوطنية كرئيس لفريق اتحاد طنجة. والبشير العبدلاوي: عمدة مدينة طنجة، يقوم بتدبير جماعة طنجة في ظل أزمة مالية تعرفها ميزانيتها جراء حجوزات مالية ضخمة ناجمة عن أحكام قضائية. وادريس المرابط: المعروف ب “الشريف” مدرب اتحاد طنجة السابق، استطاع قيادة فريق المدينة لإحراز لقب البطولة لأول مرة في تاريخ طنجة. وخالد اشطيبات: إعلامي بإذاعة طنجة استطاع خلال هذه السنة إثارة مواضيع بالغة الأهمية تهم المدينة عبر البرنامج الاثيري الذي يحظى بمتابعة كبيرة؛ “بين الإدارة والمواطن”. أحمد الحريشي: شاعر وأديب تألق في مناسبات أدبية عديدة وطنية وعالمية. وداد بنموسى: شاعرة/ ومديرة المركز الثقافي بوكماخ، عدنان معز: فاعل جمعوي وناشط مدني تميز خلال هذه السنة بالإشراف على أعمال جمعوية متميزة بالمدينة. ومحمد العمراني بوخبزة: أستاذ جامعي ومحلل سياسي، ساهم في تقديم تحليلات سياسية، وقراءات للواقع التدبيري عبر منابر متعددة.
كان التصوف، الزاد لتحصين المغاربة من فهم قاحل حنبلي غريب على المالكية وعلى اعتدال التدين لديهم. على النقيض مما نشره الراحل عبد الكريم الخطيب من رأي مخالف تماما لحاجة كانت في نفس يعقوب في كتاب تحت عنوان “التصوف والمتصوفة في مواجهة الإسلام” سنة 1981؟
وكما أبرزت مؤسسات عالمية كون العالم كله يعرف تحولا عميقا في أشكال الاشتغال والتنظيم والتفكير والتعبير، مثل سبق معهد روبير شومان الفرنسي لتسجيل ترهل الطبقة السياسية في أوربا، ودعوته منذ 2010 إلى تجديد النخب، وبعدما برز رئيس جمعية “المواطنة المسؤولة” بطنجة، بنضاله ضد شطط الجماعة الترابية في طنجة مثل مثيلاتها في مراكش والرباط، التي حجزت كل الشوارع لفائدة شركات زبونة، لفرض الأداء على مجرد الوقوف وركن السيارة باستعجال لشراء دواء من الصيدلية مثلا، لإسعاف مريض مرهق، وبالتالي نضاله ضد “الصابو”، وفقا لقرارات المحاكم الإدارية ولتقارير المجلس الأعلى للحسابات، فقد كان لهيئة محامي طنجة رأي آخر عجيب غريب.
إقرأ لنفس الكاتب: يا ظالمة!… أحاديث في الدولة والولاء
فقد استعجلت الهيئة المهنية للمحاماة بطنجة الأمر، وعقدت شراكة مع المقاولة المستفيدة من شطط البلدية كي يعفى المحامون من الأداء، مقابل تقديم خدمة للشركة الزبونة وللبلدية صاحبة الشطط الأصلي. بحيث أبلغ نقيب المحامين بطنجة المحامي عمر ابن عجيبة قرار إحالته على المجلس التأديبي في حالة ما إذا استكملت مسطرة ذلك خلال الشهرين المواليين. مما دفع مواقع إليكترونية لاستنكار الحيف البيّن. ولأن الخبر المقرف اتسع في أقاليم الجهة الشمالية، كان لابد من استقصاء الأمر. وقصد التعرف على ملابسات وعدم التسرع واستجلاء لدور الإعلام في تشخيص جوانب الشطط. وخصوصا بعدما تغلغل نفوذ “البيجيدي” في دوائر طنجة، وصار كم الأفواه الحرَّة نتيجة وشكلا لانتقامات بعيدة عن الصواب.
من أين هذا المعدن؟ بدء من الاسم، عمر من سلالة أحد شخصيات المغرب الذي اشتهر خلال القرن 18 كأحد الأعلام الصوفيين: أحمد بن عجيبة الحسني. من علماء شمال المغرب في القرن 18. أن تكون صوفيا مؤلفا لاثني عشرة كتابا، يفوق أحدها ألف صفحة، يعني أن تكون ملما بعلوم الدين، في الوقت الذي بلغت المغاربة، أخبار الثورات الأمريكية والفرنسية. خصوصا بعدما تسربت الوهابية ساعتها إلى القصر وأثرت في السلطان سليمان نفسه. فكان التصوف، الزاد لتحصين المغاربة من فهم قاحل حنبلي غريب على المالكية وعلى اعتدال التدين لديهم. على النقيض مما نشره الراحل عبد الكريم الخطيب من رأي مخالف تماما لحاجة كانت في نفس يعقوب في كتاب تحت عنوان “التصوف والمتصوفة في مواجهة الإسلام” سنة 1981؟
الهيئة المهنية للمحاماة بطنجة… عقدت شراكة مع المقاولة المستفيدة من شطط البلدية كي يعفى المحامون من الأداء، مقابل تقديم خدمة للشركة الزبونة وللبلدية صاحبة الشطط الأصلي.
فإذا كان انتشار العلماء عبر التراب المغربي كعلامات السير والسلوك، فمن بقايا هذا الانتشار نقش ملامح الانتماء وزرع حب البلد والشعب والمؤسسات. بوعي ثاقب نقدي. وهو ما يلاحظه كل متتبع لمسيرة المحامي الشاب عمر ابن عجيبة. وبالتالي ينتمي لما يعبر عنه السوسيولوجي حسن رشيق بما يسمي به أحد كتبه: “ترميز الأمة”.
ومهما يكن من أمر، فمن ساءته أحوال بلده، لا يملك سوى التأمل فيما حاور أحد الشعراء وطنه بالابيات التالية:
سيجمعُني بـــك التاريخُ يومًا///إذا ظهر الكرامُ على اللئــام
لأجلــك رحتُ بالدنيـا شقيًّا///أصدُّ الوجهَ والدنيــا أمامــي
وأنظـــر جَنَّةً جمعتْ ذِئابًـــا///فيصرُفُني الإباءُ عن الزحـــام
وهبتُكِ غيــــر هــيَّابٍ يَراعًا///أشدَّ على العدِّو من الحســام
إقرأ أيضا: حقيقة تكشف لأول مرة. اغتيال عمر بنجلون…هكذا “غيرت” هيئة الإنصاف والمصالحة تقريرا أعدته حول القضية
في البلدان التي تنبني فيها الجودة على المنافسة المنتجة، تخصص جوائز للكفاءات التي تبذل جهدا مرئيا واستثنائيا، وذلك بهدف رفع درجات الجودة في القيمة الاعتبارية للعمل، وكذا هدف رفع الانتاج المحلي إلى السقف الأعلى. إذ نجد تقليد الجوائز ينتقل من المؤسسات العمومية إلى القطاع الخاص، كل في ميدان تخصصه، ومن المركز إلى المناطق.
ينتقل الهزال من التشوه المادي المجسد في أوجه فقر وخصاص الفئات الدنيا والمناطق المهمشة، إلى الاحتقان الاجتماعي إلى اليأس والعزوف السياسي، إلى الرغبة في تمزيق أوراق التعريف الوطني، لسبب أو لآخر.
ولأن التنافس في بدل الجهود يستند في الأصل على حرية المبادرة، وعلى المواطنة المسؤولة، يهدف إلى التباري في بناء المؤسسات وتحرير الطاقات وتطوير الممارسات وتجويد الأساليب وابتكار الوسائل واقتصاد التكاليف والنفقات وخدمة المصالح العليا وتقوية روح الانتماء والإقبال على المشاركة الفعالة. ولو كان من بين أدوار البرلمان، رصد الحالة في كل قطاع، قصد رسم صور الابتكار المواطن في المجتمع والاقتصاد والسياسية، لاكتسبنا تقاليد تشكيل اللجن البرلمانية لمتابعة دينامية القطاعات.
ولاخترنا لجنا محايدة ذات طابع دولي، تشرف على فرز ما عندنا من مناضلات ومناضلين، وبكل حياد وموضوعية، تحدد معايير الجودة، ومساطر الفرز، ليتم استدعاء أجودهم كل سنة إلى منصة البرلمان، وتسلم لهم شهادات الاستحقاق والتقدير، بغض النظر عن ميولاتهم الإيديولوجية وعن اختيار نمط عيشهم الشخصي.
هذه الفكرة لا تغيب عن الدولة حاليا، بدليل المهرجانات ذات الصبغة الدولية في السينما والموسيقى. لكنها ذات هدف استهلاكي وإشعاعي لفائدة الاستثمار السياحي ذي المردود المالي والخادم للأغنياء مالكي المؤسسات الريعية، والمستدعية لنجوم العالم لتوزع عليهم جوائز مالية مقابل تهميش فئات معوزة داخل المغرب.
إقرأ أيضا: سناء العاجي تكتب: عمر بن جلون وأيت الجيد… القتل بكل حياد وموضوعية
ولأن هذه الروح غائبة، فالدماغ الذي يدبر الاستراتيجيات الكبرى والمصيرية للبلاد، لا تهمه القيمة الاعتبارية للإنسان، بل يتجه إلى الماديات الصرفة التي تبرز صماء في الهيكل العظمي المالي. بحيث لا مضمون معنوي للثروة في المغرب غير المحتوى المالي الصرف. وحتى المحتوى المالي الصرف لا يُتّخَذُ شكلا ولا آلية لاحتساب إنتاج الثروة الوطنية وتوزيعها مجتمعيا، بل تفهم ثروة مالية صرفة لفائدة الأفراد وبأية طريقة. مما يفضي إلى تهريب الأموال بقيمة تفوق بكثير ما يمن علينا به البنك الدولي من فتات مقابل الإذلال والمساومات على حساب القرار الوطني المستقل. وهو ما يعني الاستنزاف المتواصل للثروة الوطنية مقابل الاغتناء الفاحش لفائدة “خدام الدولة”.
أبلغ نقيب المحامين بطنجة المحامي عمر ابن عجيبة قرار إحالته على المجلس التأديبي في حالة ما إذا استكملت مسطرة ذلك خلال الشهرين المواليين
لا يتوقف هذا الاستنزاف عند الدوائر الاقتصادية ولا يعني الهدر في دوائر عليا محدودة، فكيان الدولة عندنا ككل دولة في العالم، يتجسد في أجهزة الدولة، سواء القائمة على الرمزية أو المشتغلة لدوران عمل المؤسسات أو الحارسة لوجود الدولة واستقرار بنيانها. لذلك، يسيل الهدر من المسالك المالية البحثة إلى اختيارات اجتماعية واقتصادية، نتيجة عملها على تقليص دور العلاقات الاقتصادية والاجتماعية لخدمة ثنائية الريع والهدر. فيتضخم رأس الغنى ويضمر باقي جسد الفقر في مختلف مكونات الدولة والمجتمع، لنظهر في الجغرافيا السياسية ككيان مشوه. تفضحنا التقارير الدولية بالأرقام السنوية.
إقرأ أيضا: هشام روزاق يكتب: والله لن نسلمكم أخانا… الرميد!
ويوما عن يوم، ينتقل الهزال من التشوه المادي المجسد في أوجه فقر وخصاص الفئات الدنيا والمناطق المهمشة، إلى الاحتقان الاجتماعي إلى اليأس والعزوف السياسي، إلى الرغبة في تمزيق أوراق التعريف الوطني، لسبب أو لآخر.
كم يلزمنا من عُمْرٍ كي يفرز مجتمعنا في هذا الزمن الرديء محاميا حازما مثل عمر ابن عجيبة؟