التعليم الجامعي الرقمي في المغرب بين فرص الإبداع الفكري والحاجة إلى دليل مهني 2/2
الكيفية المعتمدة في التعليم عن بعد اختلفت من أستاذ لآخر، حيثُ ثمّةَ من قام بإعطَاء مُحاضرات عبر تسجيل أشرطة فيديو، أو التواصل المباشر مع الطلبة عبر المنصات الرقمية التي خصصتها الجامعات، أو عبر وسائط التواصل الاجتماعي؛ والبعض الآخر عمل على إنجاز تسجيلات صوتية؛ في حين أن مجموعة أخرى من الأساتذة لم يُسعفها الحال واكتفت بالمطبوعات.
بعد أن تطرقنا في الجزء الأول إلى الفجوة الرقمية وسطوة النسق الكلاسيكي على التعليم عن بعد لدى العديد من الأساتذة في الجامعة المغربية، وما أفرزه ذلك من حصيلة متواضعة مقارنة بالتطلعات القبلية، نتابع في هذا الجزء الثاني أهمية الجمع بين التعليم عن بعد والتعليم الحضوري، ودور هذا الجمع في تحفيز البحث العِلمي.
يبدو أن سرديةَ كون ضعفِ البحث العلمي راجعٌ أساسا إلى الاجتِهاد في التدريس من طرف الأساتذة وانعدام الوقت أحياناً، باتَت تلفظُ أنفاسها الأخيرة، استعداداً لمرحلةٍ أُخرى تنبني على التدبير المعقلن للوقت وتكريسه للإبداع والبحث العلمي… هذا ما أوضحه مختصون لمرايانا!
فرصُ الإبداع الفكري
أستاذُ التواصل الرقمي مهدي عامري يرى أنّهُ، انطلاقاً من تجربته في التعليم عن بعد، فهو يجدُ متسعاً للوقت، قد يساعدُ في الإنتاج الفكري والبحث العلمي، الذي تشير التقارير الرسمية إلى ضعفه بالمَملكة.
الأستاذ الجَامعي، الذي قد ينجحُ في تجربته الجديدة، هو ذاك الذي يفجّر مزايا الاجتهاد والتعلم الذاتي وتحيين دروسه وفق المستجدات التربوية الرقمية. لهذا، يجدُ عامري أن على هذا الأستاذ، بالتالي، أن يستغلّ هذا الهامش الكبير من الإبداع والحرية والأريحية، للبحث العلمي.
في المقابل، تؤكدُ الكثير من الدراسات والتقارير على ضعف التمويل العمومي الذي يقل عن 01 بالمائة من الناتج الإجمالي الخام.
أخطر من ذلك، فالمغرب حلّ في المرتبة 75 عالميًّا من أصل 131 دولة بعد حصوله على ما مجموعه 28.97 نقطة من أصل مائة، في النسخة 13 من مؤشر الابتكار العالمي لسنة 2020. وهو مؤشر تصدره المنظمة العالمية للملكية الفكرية “الويبو”… بينما تونس احتلت المرتبة 65!
إدريس لكريني، الأستاذ الجامعي بجامعة القاضي عياض، يقولُ إن جائحة “كورونا” التي اجتاحت جلّ دول العالم، أعادت موضوع البحث العلمي وحيويته إلى واجهة النقاش العمومي وطنياً ودولياً. وذلك بعدما تبيّن أنّه يمثل أهم سلاح لمواجهة مخاطر العصر في تجلياتها المختلفة، وأنه الكفيل بالتعاطي مع المشكلات والكوارث والأزمات التقليدية والمستجدة التي تواجه الإنسان وحضارته بقدر من الجاهزية والكفاءة.
هل التّعلِيمُ الهَجِين هُو الحَل؟
التعليمُ الهجينُ L’enseignement hybride، هو مزيج من التعليم الحضوري (وجهاً لوجه) والتّعليم عن بعد.
الأستاذ الجَامعي الذي قد ينجحُ في تجربته الجديدة، هو ذاك الذي يفجّر مزايا الاجتهاد والتعلم الذاتي وتحيين دروسه وفق المستجدات التربوية الرقمية. عليه بالتالي أن يستغلّ هذا الهامش الكبير من الإبداع والحرية والأريحية، للبحث العلمي…
يعتقدُ مهدي عامري أنّ هذا النوع من التعليم هو الأنجع، نظراً لأن الجيل الحالي متشبع بالتواصل الرقمي. في ذات الآن، هناك حاجة إلى التواصل المباشر لتوصيل الأحاسيس والمشاعر التي يمكنُ أن تمرّ بعفوية عبر الأعين، وتنجح العملية الإرسالية والتفاعلية بين الطلبة والأساتذة؛ “لاسيما أن التعليم الجامعي تجربة اجتماعية، قبل أن تكون افتراضية”، يقولُ مهدي عامري، معززا قوله بكون التعليم الجامعي ينبني على ملكات إبداعية للطلبة، باعتبارهم في مرحلة إنتاج.
التعليم عن بعد بدأ في الولايات المتحدة الأمريكية منذ الثمانينات، وهو يتطورُ بتطور النظم المعلوماتية والرقمية. والمزاوجة بين الشكلين من التعليم، قد تخدم النهوض بالتعليم في البلاد والحد من الأمية الرقمية لدى الكثير من الأساتذة الجامعيين.
في الحاجة إلى دليل مهني!
الكيفية المعتمدة في التعليم عن بعد اختلفت، وفق خبراء، من أستاذ لآخر، حيثُ ثمّةَ من قام بإعطَاء مُحاضرات عبر تسجيل أشرطة فيديو، أو التواصل المباشر مع الطلبة عبر المنصات الرقمية التي خصصتها الجامعات، أو عبر وسائط التواصل الاجتماعي؛ والبعض الآخر عمل على إنجاز تسجيلات صوتية؛ في حين أن مجموعة أخرى من الأساتذة لم يُسعفها الحال واكتفت بالمطبوعات.
لهيكلة ومأسسة التعليم عن بعد، تبقى الدعوةُ إلى دليل استراتيجي مهني، يقول مهدي عامري، حاجة ملحّة، ليوحّد رؤى الأسَاتذة، ويكون بمثابة اتفاق جماعي على خارطة طريق، ويتضمن مواصفات مهنية دقيقة، كتجارب الصين واليابان والولايات المتحدة الأمريكية…
وكخلاصة، يقول الأستاذ عامري لـ”مرايانا”: هذا الدليل ينبغي أن يشمل جميع خطوات صيغة التعليم عن بعد، وأن يأخذ بعين الاعتبار المستجدات، لكي لا يبقى كل أستاذ يسبحُ في واده وحده، وإنما ينضوي تحت الدليل، لإنجاح التجربة وأن تكون رائدة مستقبلاً…
فهل سينجح المغرب؟
علينا أن ننتظر بضع سنوات لنرى النتائج…
اقرأ أيضا:
- الجزء الأول: الطوفان الرقمي وإرهاق التعليم عن بعد أمام ضُعفِ البنية التحية بالجامعة المغربية 1\2
- طلبة بين معَاوِل القُرى وأقلام الجامعة!
- الطلبة المغاربة في فرنسا… متاعب الحجر الصحي تُفاقم إحساس الغربة عن الوطن (2/1)
- الطلبة المغاربة في فرنسا.. هاجس عدم العودة للوطن وتزايد العنصرية (2/2)
- التنمر… “الإجرامُ” في ثوبٍ أبيض!