فرنسا ما بعد الأحداث الإرهابية… هل تنجح الجمهورية في تجفيف منابع الفكر المتطرف؟ (1\2)
نستعيد في هذا الملف، في جزأيه، السياق السياسي لمقترح قانون ”تعزيز مبادئ الجمهورية”، وبعض أهم مواده، ونسائل تأثيره على الجالية المسلمة في فرنسا، كما تفتح ”مرايانا” لهذه الأخيرة مساحة لمشاركة تصورها للقانون، ولوضعيتها في ”فرنسا ما بعد الأحداث الإرهابية” الأخيرة.
بعد أن عصفت بها الاعتداءات الإرهابية في كل من باريس، ونيس، وليون، وكونفلانس سانت أونورين، تتجه فرنسا للمصادقة على قانون ”تعزيز مبادئ الجمهورية”، الذي يأتي كردة فعل منها على تواتر الأعمال الإرهابية. أمر تراه الدولة تساهلا نجم عن رفع أيديها على بعض الأحياء، مما ساهم في انتشار الفكر المتطرف فيها، وتزايد الخطابات السياسية داخل أماكن العبادة، وتلقيها لتمويلات مشبوهة.
بالعودة لكرونولوجيا تطور الأحداث، بدأ مسلسل هذه الأعمال الإجرامية في 26 من شتنبر من سنة 2020، بالاعتداء على شخصين، قرب المقر القديم للصحيفة الساخرة ”شارلي إيبدو”، مما خلف إصابتهم بجروح خطيرة.
يذهب الكثيرون إلى أن قانون ”تعزيز مبادئ الجمهورية”، قد يكون آخر قانون مهم وكبير في ولاية ماكرون. لذلك، فهو يدخل في سياق سياسي مشحون
في السادس عشر من أكتوبر، أقدم لاجئ من أصل شيشاني على قطع رأس أستاذ التاريخ والجغرافيا صامويل باتي، البالغ من العمر 47 عاما، في ضواحي باريس، بعد عرض الأخير على تلاميذه لرسم كاريكاتوري للنبي محمد.
في 30 أكتوبر من نفس السنة، أقدم اللاجئ التونسي إبراهيم العيساوي، على قطع رأس امرأة وقتل شخصين في كنيسة في نيس.
في الواحد من نونبر، أصيب كاهن بإطلاق نار في مدينة ليون.
نستعيد في هذا الملف، في جزأيه، السياق السياسي لمقترح قانون ”تعزيز مبادئ الجمهورية”، وبعض أهم مواده، ونسائل تأثيره على الجالية المسلمة في فرنسا، كما تفتح ”مرايانا” لهذه الأخيرة مساحة لمشاركة تصورها للقانون، ولوضعيتها في ”فرنسا ما بعد الأحداث الإرهابية” الأخيرة.
”تعزيز مبادئ الجمهورية”… مشروع قانون ناجع أم تضييق على المسلمين؟
يذهب الكثيرون إلى أن قانون ”تعزيز مبادئ الجمهورية”، قد يكون آخر قانون مهم وكبير في ولاية ماكرون.
لذلك، فهو يدخل في سياق سياسي مشحون، يواجه فيه الرئيس الفرنسي اتهامات بسوء تدبير جائحة كورونا، حيث اعترف رئيس الوزراء جون كاستكس نفسه أن رفع الحجر الصحي في شهر ماي كان قرارا متسرعا.
“87 % من الفرنسيين يرون أن العلمانية مهددة، و79 % منهم أن التطرف الإسلامي أعلن الحرب على الفرنسيين”، و”أنهم يتوقعون معالجة السلطات لهذه المشكلات”
قدمت الحكومة مشروع القانون في الذكرى الخامسة عشرة بعد المائة لقانون 1905، الذي يفصل الدين عن الدولة. كما تراجعت السلطة عن تسميته بـ”القانون ضد الانفصالية”، لما أثاره ذلك من شبهة استهداف المسلمين.
يضم القانون خمسين بندا. من بين أهم مواده وأكثرها إثارة للجدل:
‘‘إلزام الجماعات الدينية بالإفصاح عن أي تمويل يتجاوز 10 آلاف يورو”، و”الحق في إغلاق أي مكان للعبادة تنشر فيه خطابات الكراهية’‘، و”حياد العاملين في المرافق العامة خاصة المطارات والسكك الحديدية”، و”إلزامية ارتياد المدرسة من سن 3 أعوام لتجنب تسرب الطلبة لأسباب دينية”.
آية الخياري، صحفية مغربية في فرنسا، ترى أن ”بعض مواد هذا القانون في محلها، مثل مراقبة تمويل الجمعيات ودور العبادة، فالمال عصب الحرب، ولا يمكن التساهل مع أي تمويلات مشبوهة”.
في المقابل، عبرت الخياري عن عدم ارتياحها التام للقانون، حيث أكدت في تصريح لـ”مرايانا”: ”هناك صيغ ومواد فضفاضة، مثل السماح للولاة بالتدخل في حالة المس بمبادئ الجمهورية ”carence républicaine”، وإلزام بعض الجمعيات دون الأخرى بتوقيع التزام بمبادئ الجمهورية”.
بين رغبة الحزم وشبهة الورقة السياسية
مباشرة بعد الأحداث، أبدت فرنسا رغبتها في التعامل بحزم للحد من خطر الإسلامويين المتطرفين، واستغلالهم للمساجد للترويج للخطابات السياسية والفكر المتطرف، حيث قررت في الثالث من دجنبر وضع ستة وسبعين مسجدا تحت المراقبة وإغلاق أخرى.
مواقف أغلب الفرنسيين لا تختلف كثيرا عن السلطة السياسية، حيث أكدت استطلاعات الرأي لمعهد “إيفوب”، والتي أُجريت نهاية شهر أكتوبر، أن “87 % من الفرنسيين يرون أن العلمانية مهددة، و79 % منهم أن التطرف الإسلامي أعلن الحرب على الفرنسيين”، و”أنهم يتوقعون معالجة السلطات لهذه المشكلات”.
”الخوف بعد الهجمات الإرهابية كان مبررا. لكن هذا الخوف تم استغلاله من أجل إظهار الرئيس الفرنسي على أنه الوحيد القادر على حماية الفرنسيين من مشاعر الهلع بسبب الإرهاب”
تشوب مشروع القانون هذا العديد من الشبهات، حيث يعتبره بعض المعتنقين لديانات أخرى تهديدا لممارسة جميع طقوس الديانات التوحيدية في الجمهورية، وورقة سياسية لاستمالة أصوات الناخبين، خصوصا من اليمين المتطرف.
تعقيبا على السياق السياسي لظهور القانون، ترى الصحافية آية الخياري أن ”كل قانون يهم مختلف المجالات له خلفية وأهداف سياسية. لاشك أن هذا القانون يهدف لاستقطاب ناخبي اليمين واليمين المتطرف. هكذا كان الأمر مع قانون الأمن الشامل الذي صوت له نواب من هذه الحساسيات السياسية”.
وتضيف الصحفية المغربية: ”الخوف بعد الهجمات الإرهابية كان مبررا. لكن هذا الخوف تم استغلاله من أجل إظهار الرئيس الفرنسي على أنه الوحيد القادر على حماية الفرنسيين من مشاعر الهلع بسبب الإرهاب”.
في الجزء الثاني، سنسلط الضوء على ردود فعل المسلمين في فرنسا، وتصورهم للتأثير المحتمل لهذا القانون على حياتهم.
اقرأ أيضا:
- فرنسا ما بعد الأحداث الإرهابية… ترقب وشكوك المهاجرين المسلمين (2/2)
- فرنسا على صفيح ساخن… جدل قانون الأمن الشامل وتواتر التجاوزات الأمنية
- الطلبة المغاربة في فرنسا… متاعب الحجر الصحي تُفاقم إحساس الغربة عن الوطن (2/1)
- “قول في التسامح” بعد أحداث فيينا ونيس… لمَاذا يحتاجُ الإرهَابيّون باسم الدّين إلى قِراءة فكْر فُولتير! 1/2