من أجل تعريفٍ مُوحَّد للإرهاب… 1\2
يقترب «الإرهاب» من مفهوم الحرب، غير أنّه يبتعد عنها بكونه يستعمل العنف خارج كلّ ما هو شرعي قانوني وأخلاقي؛ فأفعاله مدفوعة بأهداف نشر الخوف واستعمال المدنيين كرهائن أو ضحايا للتأثير على الحكومات. والواقع أنّ الإرهاب يختلف عن الحروب في كون هذه الأخيرة تنتج عمومًا دمارًا أكبر بالوسائل التي يمكن للدول ذات الجيوش أن تقيّمها، بينما تستهدف الأفعال الإرهابية المدنيين لنشر الهلع والفوضى والتأثير على الرأي العام وتوجيهه
يمكن تمييز الأفعال الإرهابية على أنّها أفعال تقوم على الاستخدام غير القانوني وغير الأخلاقي للعنف، لخدمة غايات أيديولوجية أو سياسية أو دينية أو عرقية غير مشروعة.
يشمل هذا الاستخدام غير الشرعي للعنف والقوّة والخوف، الأفراد كما التنظيمات الجماعية، وقد يطال الأيديولوجيات والتيارات والحركات من مختف المشارب التي تلجأ إلى استعمال العنف والتهديد به بشكل غير قانوني.
في بعض التعريفات الأخرى، يتدخل معيار الضحية (شخص مدني، شخص أعزل، شخص بريء، هجوم على دولة ذات سيادة، إلخ).
تلجأ بعض المنظمات الإجرامية إلى ممارسة «الإرهاب» لتعزيز ما تعتبره قضيتها الخاصّة، أو الاستفادة منه. وقد ارتكبت بعض الأحزاب اليسارية واليمينية والجماعات القومية أو الدينية أو الثورية أعمالاً إرهابية خلال حروبها في مناطق النزاع.
الثابت في «الإرهاب» هو الاستخدام العشوائي، من طرف المجموعات المعنية، للعنف المميت ضد المدنيين من أجل الترويج لأفكارها وأيديولوجيتها، أو حتى لممارسة الابتزاز على نطاق واسع (حركات التمرّد المسلّحة، وحالات المافيا، وعصابات المخدرات، والحركات الجهادية، وما إلى ذلك).
يعود استعمال توصيف «الإرهاب» لأول مرة في نونبر من سنة 1794، حيث حددت «عقيدة أنصار الإرهاب» لأولئك الفوضويين الذين كانوا ينعتون بـالـ «أناركيين» (Anarchiques). تطورت الكلمة خلال القرن التاسع عشر لتعيين ليس عمل الدولة بل عمل ضدها.
يعود استخدام توصيف “الإرهاب” بالمعنى المناهض للحكومة في عام 1866 لإيرلندا، في عام 1883 لروسيا (الحركة العدمية)، في الهند البريطانية (في «Jugantar»)، في البلقان والإمبراطورية العثمانية (ومنها المنظمة الثورية الداخلية المقدونية التي أرهبت العثمانيين وأطلق عليها اختصارا الـ «ORIM»، وكانت تأخذ رهائن من الأوروبيين، وكذلك حركة الـ «comitadjilik» البلغارية التي مارست أعمال الإرهاب في البلقان).[1]
وفقا لفرانسوا- برنارد هيغي (François-Bernard Huyghe)، يعد إرهابا الهجوم على شارع سانت نيكاييس (Saint-Nicaise) عام 1800، الآلة الجهنمية في شارع المعبد في عام 1835، مؤامرات الكربوناري (les complots de carbonari) التي “لا تزال في تقليد مذبح الاستبداد”…
“الإرهاب بالمعنى الحديث يولد بوسائل إعلام حديثة”. في شكله الحديث، بدأ الإرهاب في الشرق الأوسط، باغتيال شاه ناصر الدين في عام 1896، والذي تُنسب مسؤوليته الأخلاقية، بشكل صحيح أو خطأ، إلى جمال الدين أفغاني.
يرجع الفيلسوف فيليب جوزيف سالازار (Philippe-Joseph Salazar) مفهوم الإرهاب إلى قانون الأرض (jus terrendi) الذي سنّه مشرّع روماني بومبونيوس (Pomponius) في عهد الإمبراطور الروماني للشرق جستنيان (Justinien). حق الأرض (jus terrendi) يعني التهديد بفقدانه من أجل الحفاظ عليه وفقا للقانون، ويندرج تحته التهديد بالإعدام.
يبدو أنّ الرومان تصوروا معنى لاستخدام الإرهاب، يجعل من الممكن طرد جميع أولئك الذين يرغبون في خرق القوانين من الأراضي. باختصار، فإن حق الأرض له بعد أخلاقي – الإرهاب كرادع – ولكن أيضا بعد الدولة – عندما يتعلق الأمر بفرض السيادة “.[2]
بشكل عام، يشكّل «الإرهاب» حجّة إدانة للأفعال العدائية غير القانونية وغير الأخلاقية. إنّه الفعل الأخطر ضمن الجرائم التي ترتكب ضد الناس، ومن هنا تكون الأحكام العقابية ضدّ اقترافه مشدّدة دائما. يُدان «الارهاب» مهما كانت دوافعه، ويمكن أن يطال هذا العقاب مؤيديه، بل قد يكون هذا التأييد والتشجيع أخطر من العنف المرتكب باسم الإرهاب ذاته.[3]
يحيل توصيف «الإرهاب» إلى أعمال عنيفة تهدف إلى نشر الرعب في النفوس، وبالتالي الضغط على دولة ما، أو على السكان المدنيين (أمثلة: إيتا الباسكية، الفارك، القاعدة، داعش، بوكو حرام، إلخ) للرضوخ لتصوّر معيّن، أو لقرار غير شرعي. كما أنّه غالبًا ما تستهدف هذه الأعمال العنيفة السكان المدنيين، من أجل تدمير ممتلكاتهم وقتلهم وإخضاعهم. إنّها أفعال تهدف إلى الترويج لرسائل ذات طبيعة أيديولوجية أو سياسية أو دينية من خلال بثّ الخوف والرعب في النفوس عبر آليات مختلفة منها الدعاية الإعلامية.
من ناحية أخرى، يُستخدم مصطلح «الإرهاب» اليوم في القانون والمؤسسات الدوليين بشكل متكرّر للغاية. لكن ذلك لا يؤدي إلى الاتفاق على تعريف واحد وعالمي له.
غير أنّ بعض عناصر تعريفه توصل إلى توافق في الآراء. لذا، يكتب الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا (Jaque Derrida) أنّه «عندما نعود إلى التعاريف القانونية التي تعطى للإرهاب، فماذا نصادف؟ إنّنا غالبا ما نجد الإشارة إلى أنّ الأمر يتعلّق جريمة ضد حياة إنسان أعزل، بالتالي جريمة تنتهك القوانين (الوطنية أو الدولية) التي تميز بين المدني والعسكري (لأنّ ضحايا الإرهاب هم مدنيون في الغالب)، وعادة ما يكون الغرض منها إحداث تأثير سياسي (التأثير أو تغيير سياسة “دولة من خلال ترويع سكانها المدنيين)».[4]
لا يبدو هذا التعريف بعيدا عن وصف «الأفعال الإرهابية» كما تمارس في الواقع.
لذا، سيتحدّد «الإرهاب» بهذا الأثر الذي يحدثه في الواقع (نشر الخوف لإحداث تأثير في الواقع عبر الهلع والترويع). وفي سياق الحرب التقليدية، هناك بالفعل إطار قانوني دقيق، أي قانون الحرب؛ بالتالي، يمكن أن تُصنف الأعمال الحربية التي تنتهك قانون الحرب هذا على أنها جرائم حرب. أمّا تلك «الأفعال الإرهابية» التي تبتت فيها الخلفية الإرهابية، فإنّها تصنّف في خانة الأعمال التي تقع خارج الإطار القانوني المحدّد للحرب التقليدية.
بهذا المعنى، يقترب «الإرهاب» من مفهوم الحرب، غير أنّه يبتعد عنها بكونه يستعمل العنف خارج كلّ ما هو شرعي قانوني وأخلاقي؛ فأفعاله مدفوعة بأهداف نشر الخوف واستعمال المدنيين كرهائن أو ضحايا للتأثير على الحكومات. والواقع أنّ الإرهاب يختلف عن الحروب في كون هذه الأخيرة تنتج عمومًا دمارًا أكبر بالوسائل التي يمكن للدول ذات الجيوش أن تقيّمها، بينما تستهدف الأفعال الإرهابية المدنيين لنشر الهلع والفوضى والتأثير على الرأي العام وتوجيهه.
[1] – Philippe-Joseph Salazar , «Le communiqué du Califat a une dimension cachée», Philosophie Magazine, n° 95, 3 décembre 2015, p. 50-51.
[2] – بلقيس شرارة، الداعشية المسيحية.. في العهد الروماني، موقع ميدل ايست أونلاين، (meo)، منشور بتاريخ الأربعاء 2017/11/15، أنظر الرابط: https://middle-east-online.com
[3] – Artemy Magun, «Le terrorisme contemporain et ses conditions philosophiques», Rue Descartes 2008/4 (n° 62), pages 47 à 54.
[4] – جاك دريدا، ما الذي حدث في “حدث” 11 سيبتمير؟، ترجمة صفاء فتحي، مراجعة بشير سباعي، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، 2003، ص 82.