الحقوق الجنسية والإنجابية: مدخل للمساواة بين الجنسين؟
الأعراف التي تحدد المنوط بكل نوع اجتماعي لا تحرم النساء والفتيات على نحو جائر من التمتع الكامل بهذه الحقوق فقط، بل إن عدم حصولهن عليها قد يفاقم عدم المساواة بين الجنسين.
أرادت بياتريز (22 عاما) الخضوع لعملية إجهاض عام 2013. لكن سلطات بلادها، السلفادور، وقفت أمام وجهها.
كانت تُعاني من أمراض شديدة. أن يستمرّ حمل بياتريز والحال هذه، يُعرّض حياتها وصحتها للخطر، كما أن الطب يرجح ألا يعيش الجنين بعد الولادة.
دام الخطر محدقا لأشهر، ثمّ بعد ضغط حقوقي، أذعنت السلطات وسمحت لبياتريز بإجراء عملية قيصرية[1].
هذه الحقوق تعني أيضا وجوب خلو حياتنا من العنف الجنسي: الاغتصاب، تشويه الأعضاء التناسلية، الحمل بالإكراه، الإجهاض القسري…
إذا كان يُهيّأ للمرء في بعض البلدان أنه يملك ترف الاختيار واتخاذ القرارات الأنسب حيال جسده، فإن الحكاية في بلدان كثيرة، خلاف ذلك.
تشير منظمة العفو الدولية إلى أن حكومات عديدة تحاول تقرير من بوسع المرء أن يُقبّل أو كيف يلبس وكيف يحدد هويته ومتى ينجب أطفالا وكم ينجب منهم[2].
اقرأ أيضا: من اليمن، حسين الوادعي يكتب: حكومات…. تراقب الجنس!
تتابع، بالأرقام، أنه توجد في العالم اليوم:
- 1/10 من الفتيات دون سن 18 عاما يُجبرن على ممارسة الجنس أو أداء أفعال جنسية؛
- 40% من النساء في سن الإنجاب يعشن في بلاد حيث يُحظر الإجهاض، أو يقيد أو لا سبيل للحصول عليه.
- 215 مليون امرأة لا تستخدم وسائل منع الحمل، على الرغم من إرادتهن استعمالها للامتناع عن الحمل أو تأخيره.
الحقوق الجنسية والإنجابية
تَهُمّ هذه الحقوق النساء والرجال معا، وتُوفّر لهم أساسا الوصول إلى تقرير المصير اجتماعيا، نفسيا وجسديا.
تقول منظمة الصحة العالمية، في تعريفها للصحة الجنسية، إنها حالة من الصحة البدنية والعقلية والاجتماعية فيما يتعلق بالجنس.
يظهر أن العقبات التي تواجه النساء في سبيل الحصول على هذه الحقوق كاملةً، أكثر من تلك التي تُلاقي الرجال.
هذا النوع من الصحة، تتابع المنظمة، يتطلب اتباع نهج إيجابي ومحترم للعلاقات الجنسية، فضلا عن إمكانية الحصول على تجارب جنسية ممتعة وآمنة، خالية من الإكراه والتمييز والعنف.
تعريف الصحة الإنجابية يعني أيضا التمتع بحياة جنسية مسؤولة ومُرضية، وأن تكون للأزواج والأفراد حرية تقرير الإنجاب ومتى، ناهيك عن الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية ذات الصلة.
اقرأ أيضا: محمد علي لعموري يكتب: الإنجاب عند المغاربة بين المقدس ومنطق القبيلة
تُضيف منظمة العفو الدولية أن هذه الحقوق تعني أيضا وجوب خلو حياتنا من العنف الجنسي: الاغتصاب، تشويه الأعضاء التناسلية، الحمل بالإكراه، الإجهاض القسري…
لكن… يظهر أن العقبات التي تواجه النساء في سبيل الحصول على هذه الحقوق كاملةً، أكثر من تلك التي تُلاقي الرجال.
لماذا؟
يعود ذلك إلى الاختلاف البيولوجي بين الجنسين، مثل قدرة المرأة على الإنجاب، وكذا إلى الأدوار المتجذرة التي أناطها المجتمع بكل جنس على حدة.
فالمرأة، خلاف الرجل، في الغالب ما تواجه قوانين من قبيل تلك التي تُقيّد الإجهاض أو مثلا تلك التي تحظر استخدام أشكال معينة من وسائل منع الحمل.
محصلة سوء الصحة الجنسية والإنجابية، تشكل ثلث إجمالي عبء المرض العالمي للنساء والفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و45 سنة.
ثم في كثير من أرجاء العالم، تلاحق الحياة الجنسية للمرأة وصمة تقوض فرص حصولها على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية.
قد تطلب إذنا من أحد أفراد أسرتها، الذكور، للحصول على هذه الخدمات، وربما لا تملك أن تخصص موردا ماليا لهذا الغرض… ما تكرسه الأبوية في إطار نظرية الدور الاجتماعي أكثر من أن يُحصى[3].
اقرأ أيضا: سناء العاجي تكتب: أن تكوني أُمّا… أو أن لا تكوني!
يورد الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة في تقرير أصدره عام 2020، أن محصلة سوء الصحة الجنسية والإنجابية، تشكل ثلث إجمالي عبء المرض العالمي للنساء والفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و45 سنة.
ممارسة الجنس غير المأمون، مثلا، يضيف الاتحاد، يُمثّل عامل خطر رئيسي في عوامل الوفاة والعجز بين النساء والفتيات في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
على هذه الدرجة من الأهمية؟
يقول الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة إن الفقر وعدم المساواة بين الجنسين قد يؤدي إلى تداعيات على الصحة الجنسية والإنجابية، وفي بعض الحالات، يمثل غيابها الفرق بين الحياة والموت.
الإشكالية في غياب مثل هذه الحقوق أنه يؤثر على جوانب أخرى من حياة النساء والفتيات؛ مثل القدرة على البقاء في المدرسة أو العيش بعيدا عن العنف.
يشدد الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة على أن المساواة لن تتحقق في ظل غياب الحقوق والصحة الجنسية والإنجابية.
الأعراف التي تحدد المنوط بكل نوع اجتماعي لا تحرم النساء والفتيات على نحو جائر من التمتع الكامل بهذه الحقوق فقط، يؤكد الاتحاد، بل إن عدم حصولهن عليها قد يفاقم عدم المساواة بين الجنسين.
هذه الأعراف، التي تُشجع الزواج المبكر والحمل المبكر بين الفتيات، مثلا، تتسبب في حرمان الفتاة من التعليم.
منظمة اليونيسف تُشير، في حديثها عن تزويج القاصرات، إلى أن 12 مليون فتاة في جميع أنحاء العالم يُزوّجن قبل عيد ميلادهن الثامن عشر كل عام.
اقرأ أيضا: التمييز بين الجنسين… فروق شاسعة يحاول القانون حظرها بينما يكرسها المجتمع! 2/1
الذي يعنيه ذلك، أن حياة الفتاة ليست وحدها التي تتأثر ها هنا، فاعتبار تعليم البنت أدنى قيمة من تعليم الولد، يجعل من عدم المساواة بين الجنسين نظاما قائما إلى الأبد.
مِن ثمّ، يشدد الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة على أن المساواة لن تتحقق في ظل غياب الحقوق والصحة الجنسية والإنجابية. فحصول الجميع على هذه الحقوق، يعود بمزايا إيجابية على الفتيات والنساء ويسمح لهن بحياة صحية وكريمة.