محمد علي لعموري يكتب: الإنجاب عند المغاربة بين المقدس ومنطق القبيلة - Marayana - مرايانا
×
×

محمد علي لعموري يكتب: الإنجاب عند المغاربة بين المقدس ومنطق القبيلة

حين ظهر العازل الطبي في أوربا من أجل تنظيم الأسرة وتحديد النسل، كان الوعي هناك متقدما وكان العلم والاختراع يصب في مصلحة الرفاه للمجتمع الغربي، وأصبح التكفل بالطفل يدخل ضمن الإستراتيجيات الوطنية الكبرى التي تعنى بالصحة الجسدية والنفسية للطفل حتى لا تتحمل الدولة فيما بعد مسؤولية أخطاء الأبوين في التربية وفي الرعاية…
في حين… كل شيء عندنا متروك للصدفة والعشوائية والنزعة الغيبية التي يُلقَى عليها عبء ما يرتكبه الأزواج من حماقات.

عندما يدرس الأنتروبولوجيون ثقافات الشعوب ويخصونها بالعناية في بعض الموضوعات المتعلقة بالمعتقد والتمثل والتخييل، فإنهم يحاولون الغوص في محركات ثقافة ما عبر سبر غور ميكانيزمات اشتغالها وتفاعل الفرد والجماعة مع ما تمليه تلك الثقافة من قيود وما تفتحه من استيهامات وتمثلات وما تفرضه من كوابح… الخ.

والثقافة الذكورية في المجتمع المغربي جزء من مكونات الهوية، وهي الأساس الذي يبني لحمة العلاقات بين الأفراد ويلثم طبيعة التعاملات والسلوكات بين النخبة والقاعدة، الحاكم والمحكومين، العلماء والدهماء، الرجل والمرأة… الخ.

في دائرة الزواج، نمت قاعدة “لا معنى للزواج بدون إنجاب أولاد وبنات”، يملؤون على الزوج والزوجة دنياهم بصراخ الطفولة وفعل الاهتمام بفلذة الأكباد والانشغال في الحياة بالتربية والرعاية وتتبع مسار نمو الطفل…

حسب المعتقد السائد، فإن الأطفال عيال الله، وأنهم ما جاؤوا لهذه الحياة إلا ومكفول لهم رزقهم في السماء، وما إلى ذلك من المعتقدات التي ترفع مسؤولية الأزواج إلى عنان السماء لتصبح قضاء له ما يبرره ميتافيزيقيا.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا ينجب الأزواج الأطفال؟ ولماذا لا يكتفون بطفل واحد على سبيل الحاجة والاكتفاء؟ وبماذا نفسر ظاهرة التوالد المتناسلة بين العائلات؟ وكيف ينظر الرجل والمرأة لهذا الوضع الذي يقال عنه، إنه سنة الحياة تزكيها الأديان وتدعو إليها منذ قديم الزمان؟

لماذا حين تفكر في الإنجاب تستحضر قدرة الله اللامتناهية ولا تستحضر عجز الدولة عن سد العجز والخصاص الذي أنت مدرك له؟ ولماذا حين تنجب أطفالا وتعجز عن التكفل بهم تترك الله جانبا وتصب جام غضبك على الدولة؟ ألأنك لا تجرؤ على الله وتجرؤ على الدولة؟

إن التوالد أو الإنجاب، هو ثمرة تزاوج بين ذكر وأنثى، في لحظة التقاء جنسي سبب حالة من التقاء حيوان منوي نشيط للذكر ببويضة خصبة لأنثى. طبعا تعمدنا استعمال كلمتي ذكر وأنثى لأن عملية التوالد تحدث بين جميع الكائنات الحية بما فيها الحيوانات…

وهي عملية تحدث علميا عندما تتوفر الشروط التي تحققها، وتكون غير واعية، وبدون ضوابط، وتعتمد على الصدفة والتلقائية عند صنف الحيوانات، لكنها تكتسي طابعا ثقافيا وأخلاقيا ودينيا وقانونيا وعرفيا بين البشر، لهذا… حين ظهر التنظيم والاجتماع والدولة ومؤسساتها، تم تأسيس التوالد على الزواج وتم اعتبار الزواج مؤسسة لها كيان ومعنى وميثاق وعقد تترتب عليه تبعات قانونية…

إقرأ أيضا: اختطاف الأطفال والرضع… ظاهرة تولد أم مجرد حالات معزولة لا تدعو للقلق؟

ولكن… رغم كل ما تم التوافق عليه لتنظيم الحياة الجنسية والحياة الإنجابية في إطار رفعت طقوسه إلى مرتبة القداسة بعد انسلاخ الجنس كجزء من الطبيعة عن مسلكياته الحيوانية الصرفة وانتقاله إلى عقد الرغبة والوفاق والسعي لتأسيس كيان أسرة ستكون حاضنة لما سيترتب على هذا التأسيس من أبناء لهم حقوق وعليهم واجبات داخل البيت تحت حضن الأمومة والأبوة على السواء…

رغم كل ذلك… الذي حدث، أن الزواج في حد ذاته بات مشرعا على قلق وجودي وإشكالات بالجملة، جراء استمرار نفس المنطق المتقادم حول تمثلات الأزواج للزواج وللإنجاب، بناء على عقيدة ميتافيزيفية ثابتة ومنطق ماضوي يحصر مسألة الإنجاب في الضرورة الحياتية لترك الخلف، والإتيان بالأبناء ليكونوا عونا وسندا للآباء عند الكبر… وأنهم يأتون إلى هذه الدنيا برزقهم المضمون لهم في علم الغيب… الخ.

أنانية تحقيق الرغبة الجنسية من جهة، وأنانية الحاجة لأبناء يحققون للزوجين السعادة داخل البيت، والاطمئنان إلى الضمان الغيبي أو التكفل الميتافيزيقي لرزق الأطفال، كلها ميكانيزمات اشتغال ذهنية، وقناعات البشر في مجتمعات تشكو من نقص الوعي بالمسؤولية عند الإتيان بطفل أو طفلة إلى هذه الحياة دون القدرة على ضمان العيش الكريم والهانئ والسعيد له أو لها.

ما تشكو منه مجتمعات عربية وإسلامية من تخلف في الإدراك العلمي لأمور الحياة والزواج والإنجاب وتربية الأبناء وضمان حياة أفضل لهم طيلة مسار طفولتهم حتى يصلوا إلى بر الأمان ويصبحوا قادرين على العناية بأنفسهم بعيدا عن الآباء، ومن قاعدة عريضة للفقر تمس جيوب الناس ومدركاتهم وقدرتهم على العيش في وضع مريح يكفل لهم القدرة على أنجاب أبناء في ظروف مواتية وسليمة تضمن لهم العيش الكريم والحضن الدافئ والشروط الأساسية للتعلم والأكل المتوازن والنوم الكافي والوئام والتفاهم الزوجي… الخ، كل تلك المشاكل التي تتخبط فيها مثل هذه المجتمعات تمنع قيام شرط الإنجاب في أحسن الظروف وأسلمها، فلماذا يصر الزوجان على الإنجاب رغم إدراكهم عدم القدرة على تنشئة طفل واحد وإعداده ليكون عنصرا صالحا لمجتمعه ولنفسه فبالأحرى الإتيان بأطفال مثنى وثلاث ورباع؟

أداء الضرائب للدولة ومسؤولية الدولة تجاه مواطنيها لا يحجب عن المواطنين مسؤوليتهم عما يتخذونه من قرارات بناء على رغبات غير محسوبة العواقب وغير مدروسة بدقة قبل الإقبال عليها.

دوما نعود لاستحضار الجهل المقدس… الذي يغذي تمثلات الناس ومخيالهم الجمعي بالعديد من المعتقدات الخاطئة التي ترجع قراراتهم المتهورة إلى المشيئة الإلهية، وترمي بالكرة في ملعب الغيب، وتستقوي عن جهل بالميتافيزيقا، لتبرير كل أخطاء الزواج والطلاق والإنجاب والفشل في التربية… الخ

ولهذا تبقى نسبة الطلاق المرتفعة نتيجة عدم التخطيط للزواج أولا وللإنجاب ثانيا، ما ينتج عنه تفسخ الأسرة وضياع الأبناء وجنوحهم المبكر، وتمردهم على الإطار الداخلي للأسرة، ومعانقة البديل حتى لو كان ألعن من الوضع المتروك، والإلقاء باللائمة على الأبوين من طرف الأبناء بكون مجيئهم في الزمان والمكان والتوقيت والبيئة غير المناسبة… كان جناية يتحمل مسؤوليتها الأبوان أولا والظروف المحيطة التي فرضت عليهم ذلك ثانيا.

إقرأ أيضا: من مصر، سارة أحمد فؤاد تكتب عن هاجر الريسوني: عزيزتي هاجر، فلتسقط إرادتك!

ولهذا حين ظهر العازل الطبي في أوربا من أجل تنظيم الأسرة وتحديد النسل، كان الوعي هناك متقدما وكان العلم والاختراع يصب في مصلحة الرفاه للمجتمع الغربي، وأصبح التكفل بالطفل يدخل ضمن الإستراتيجيات الوطنية الكبرى التي تعنى بالصحة الجسدية والنفسية للطفل حتى لا تتحمل الدولة فيما بعد مسؤولية أخطاء الأبوين في التربية وفي الرعاية…

في حين… كل شيء عندنا متروك للصدفة والعشوائية والنزعة الغيبية التي يُلقَى عليها عبء ما يرتكبه الأزواج من حماقات.

اليوم نجد، مع انتشار فلسفة كونية حقوق الطفل والشباب، والحق في التشغيل وفي العمل وفي الصحة، أن الجميع يتهم الدولة ولا أحد يتهم نفسه عن أخطائه. فمن قال لك تزوج وأنت لست على قدر المسؤولية؟ ولماذا جئت بأطفال أنت لست قادرا على ضمان العيش الكريم لهم؟ هل الدولة مسؤولة عن قراراتك؟ لماذا حين تفكر في الإنجاب تستحضر قدرة الله اللامتناهية ولا تستحضر عجز الدولة عن سد العجز والخصاص الذي أنت مدرك له؟ ولماذا حين تنجب أطفالا وتعجز عن التكفل بهم تترك الله جانبا وتصب جام غضبك على الدولة؟ ألأنك لا تجرؤ على الله وتجرؤ على الدولة؟

إن أداء الضرائب للدولة ومسؤولية الدولة تجاه مواطنيها لا يحجب عن المواطنين مسؤوليتهم عما يتخذونه من قرارات بناء على رغبات غير محسوبة العواقب وغير مدروسة بدقة قبل الإقبال عليها.

أم أنه إذا … عمي البصر؟!

تعليقات

  1. طاهر

    في المدينة المغربية ورغم تخلف قاطنيها فإن ضغوطات الحياة جعلت الفرد يتراجع عن تسيبه في الإنجاب رغم أنه لم يتجاوز الجانب الميتافيزيقي اما في البادية المغربية فلازال الأمر مفتوحا بنسبة كبيرة لأسباب دينية رغم ان النص الاساسي لايامر بالانجاب ولان الحياة لازالت لم تقهر الفرد في البادية او بالأحرى يتنصل من ضغوطاتها بكم حاجة قضيناها بتركها.اما الدولة فيبقى حضورها هنا وهناك ففي فلندا حينما تلد المرأة تتحرك الوزارة كلها لدعم الأسرة اما في ألمانيا تطلب الدولة الإنجاب من الناس فلا يستجيبون. والانسان في حياته مفارقات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *