ارتبط العنف بتاريخها… هكذا أشعلت كرة القدم حروبا مدمرة 2/2
بالرغم من ماضيها العنيف، تتخفف كرة القدم من أثقال الماضي مع مرور الوقت؛ وبالرغم من أنه، وقبل سنوات، نشبت ملاسنات حادة في الإعلام بين شعوب من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بسبب مباريات في كرة القدم. لكن، يبدو أن كارثة حرب هندوراس والسلفادور لا يمكن أن تتكرر.
بالمقابل، فإن شغب الجمهور بدوره لم يعمر طويلا، وبدا أكثر ميلا نحو استعمال مدرجات الملاعب لإيصال رسائل بمضامين اجتماعية، وباستعمال عناوين ثقافية.
تابعنا في الجزء الأول من هذا الملف، كيف ارتبط ماضي كرة القدم بالعنف، وكيف مارسها “الرعاع” والمجرمون، لدرجة أن سارع العديد من ملوك وقادة كنائس أوربا العصر الوسيط إلى منعها وتجريم ممارستها… قبل أن تتتحول خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى لعبة منظمة محكومة بقوانين واضحة.
في هذا الجزء الثاني والأخير، نتابع حكاية العنف في علاقته بكرة القدم، من خلال عنوان الحرب… حين ترتبط بالرياضة الأكثر شعبية في العالم.
من كان يصدق أن كرة القدم ستؤجج حربا من أشرس حروب القرن العشرين؟
بسبب مباراة في كرة القدم، نشبت حرب ضروس بين هندوراس والسلفادور حينما كان فريقا البلدين الجارين، المحكومين حينئذ من طرف دكتاتوريتين عسكريتين يتأهبان عام 1969 للتأهل إلى كأس العالم للعام 1970.
اقرأ أيضا: أغاني الألتراس… تسييس الملاعب أم فضاءات جديدة للفعل الاحتجاجي؟ (فيديو) 2/2
“كرة القدم هي صورة مجازية للحرب، وأحيانا يمكن أن تتحول إلى حرب حقيقية”، بهذه الكلمات وصف إدوارد غاليانو حرب السلفادور وهندوراس، فالبلدان الفقيران كانت حكومتهما وإعلامهما يراكمان الحقد على مدى قرون، هي الزمن الذي تكدس خلاله الآلاف من السلفادوريين القادمين من بلد ضئيل المساحة كثيف السكان في هندوراس، البلد الجار الشاسع الأطراف وذي التعداد السكاني الضئيل. معادلة جعلت المهاجرين السلفادوريين يشكلون خمس سكان هندوراس.
بلغ الحقد مداه مع قرار حكومة هندوراس في بداية الستينيات، مصادرة الملكيات الزراعية من أيدي المهاجرين السلفادوريين، ومنحها للمواطنين الهندوراس. انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بسبب ذلك…
لدى فوز منتخب هندوراس على منتخب السلفادور، في أول مباراة أقيمت على أرض هندوراس، تسبب الأمر في موجة شغب واعتداءات على المهاجرين السلفادوريين، ليتلو ذلك شغب مثيل ضد الهندوراس ولاعبيها خلال مباراة كرة القدم التي فاز فيها السلفادوريون على أرضهم.
بعد فترة قصيرة، نشبت حرب مدمرة بين جيشي البلدين، استعملت فيها الطائرات والدبابات، وقصفت خلالها هندوراس حقول النفط في السلفادور. ما تزال الحرب تسمى إلى اليوم بـ”حرب كرة القدم”، وما يزال الجدل دائرا حول السبب، هل يكمن في الدوافع الاقتصادية والديمغرافية، أم أن ثمة جينات عنيفة مدمرة تسكن هذه اللعبة التي تشغل معظم سكان العالم، ولا يكاد الناس في أيامنا يتصورون العالم من دونها؟
الجمهور لن يكون مشاغبا في المستقبل
بالرغم من ماضيها العنيف، تتخفف كرة القدم من أثقال الماضي مع مرور الوقت؛ وبالرغم من أنه، وقبل سنوات، نشبت ملاسنات حادة في الإعلام بين شعوب من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بسبب مباريات في كرة القدم. لكن، يبدو أن كارثة حرب هندوراس والسلفادور لا يمكن أن تتكرر. بالمقابل، فإن شغب الجمهور بدوره لم يعمر طويلا، وبدا أكثر ميلا نحو استعمال مدرجات الملاعب لإيصال رسائل بمضامين اجتماعية، وباستعمال عناوين ثقافية.
اقرأ ايضا: أغاني الألتراس..آخر الملتحقين بنادي الأغنية الاحتجاجية 2/2
لقد أصبحت كرة القدم، في عصر التواصل الاجتماعي وعصر الانتقال الديمقراطي، رهينة هيمنة المسألة الاجتماعية على اهتمامات الشباب ونزعاتهم. لم يعد لكرة القدم قدرتها التي جلبتها معها من الماضي، والتي كانت تذكي من خلالها نزعات الانتماءات المحلية.
إن الأمر يتحول إلى تنافس أشبه بلعبة كرة القدم في حديقة المنزل، حيث هناك فقط، كانت في الماضي، تكمن “الروح الرياضية” على حد تعبير جورج أورويل في مقاله الشهير.
ما تزال كرة القدم ساحة للتداول المالي، ومادة خصبة للاستهلاك الإعلامي وصناعة الإشهار، ومَعْبراً رئيسيا لصناعة الترفيه وامتصاص ضغوط العصر من صدر الإنسان في أيامنا هذه. يبدو أنها ستحافظ في المستقبل على هذه النزعة، ولن يبادل الجمهور حينئذ قذفات اللاعبين سوى ببضع تصفيقات هادئة وحبات فُشار…
لقراؤة الجزء الأول: حين كان ماكيافيلي لاعبا ودافنشي مشجعا! كرة القدم… لعبة الرعاع والمجرمين! 1/2