أغاني الألتراس..آخر الملتحقين بنادي الأغنية الاحتجاجية 2/2 - Marayana - مرايانا
×
×

أغاني الألتراس..آخر الملتحقين بنادي الأغنية الاحتجاجية 2/2

تكمن فرادة أغاني الألتراس مقارنة مع باقي الأغاني الاحتجاجية المغربية في تحفظ عناصرها الدائم على كشف مؤلفها وملحنها، إيمانا منهم بمبدأ نكران الذات. مما يجعل هذه الأغاني بمثابة التراث الشعبي الذي يصبح ملكا للجميع … دون ملكية فكرية.

أحمد مستاد

تابعنا في الجزء الأول من هذا الملف، كيف ارتبطت الأغنية الاحتجاجية بفترات وسياقات زمنية وسياسية وثقافية خاصة بكل نمط.

في هذا الجزء الثاني والأخير، نقتفي أثر تطور الأغنية الاحتجاجية بالمغرب، من خلال أهازيج الألتراس.

ليس عبثا أن نقر أن أغاني الالتراس امتداد لتاريخ الأغنية الاحتجاجية في المغرب.

لم يجسر المغاربة أبدا على التجمع بالآلاف وترديد أغاني احتجاجية بشكل أسبوعي ودوري. من هنا تتأتى فرادة أغاني الألتراس.

السؤال الذي يفرض نفسه هو: ما الذي يميز أغاني الألتراس عن العيطة والظاهرة الغيوانية وموسيقى الراب؟

هي ترانيم الغضب التي صاح بها الجمهور في لحظة انتشاء، فإذا بها تذرع وسائل الإعلام العربية والعالمية.

مع نضج الحركية (الحركية الشبابية للألتراس) في المغرب، أضحى كل فصيل يمتلك عددا هائلا من الأغاني من إنتاجه، تلتزم بمعايير تقنية محترمة وتُنتج ذاتيا.

حمولة الأغاني تزاوج بين التغني بأمجاد ومسار النادي والفصيل المشجع من جهة، ومن جهة أخرى، تحمل العديد من الرسائل ذات البعد الاجتماعي والسياسي. من التيمات المتواترة في هذه الأغاني هو تقويض دور رجال الأمن والشكوى من انتشار البطالة والفقر ومناشدة الهجرة إلى أوربا.

اقرأ أيضا: ملاعب كرة القدم… الملاذ الجديد للاحتجاج السياسي والاجتماعي في المغرب.(1/2)

ما يغيب عن ذهن الكثيرين، هو أن هذه الأغاني وحمولتها السياسية والاجتماعية، لازمت الألتراس منذ ظهورها. النموذجين هما أغنية ”دمنا عربي” لألتراس إيغلز (الفصيل المساند للرجاء الرياضي) الذي أعرب عن أهمية العلاقة التاريخية بين المغاربة والجزائريين. بالإضافة إلى أغنية ”حرية” للوينرز (الفصيل المساند للوداد الرياضي) التي يشكو فيها مناصرو الوداد من قمع حرية عضو الألتراس ومن معاملة عناصر الأمن لهم.

المعطى الثاني الذي يتم تغافله أثناء الحديث عن أغاني الألتراس هو السياق. المغرب على امتداد الثلاث سنوات الأخيرة، عاش على وقع الاحتجاجات. تجسدت هذه الأخيرة في الحراك في كل من زاكورة والريف وجرادة، بالإضافة إلى حملة المقاطعة، التي اعتبرت شكلا احتجاجيا لم يسبق له مثيل في المغرب. هذه الظرفية غدّت إمكانية انتشار هذه الأغاني، حيث وصل صداها للحراك الجزائري وصدحت في احتجاجات طلبة الطب في المغرب.

تكمن فرادة أغاني الألتراس مقارنة مع باقي الأغاني الاحتجاجية المغربية في تحفظ عناصرها الدائم على كشف مؤلفها وملحنها، إيمانا منهم بمبدأ نكران الذات. مما يجعل هذه الأغاني بمثابة التراث الشعبي الذي يصبح ملكا للجميع … دون ملكية فكرية.

الأغنية الإحتجاجية في المغرب.. شمعة التغيير أم صرخة دون جدوى

”نحن أشهر من المسيح الآن”، من منا ينسى هذا التصريح لجون لينون، عضو فرقة البيتلز الشهيرة؟ لقد كانت الفرقة رفقة بعض المغنين مثل بوب ديلان وغيره رمزا للثقافة المضادة في المجتمع الاستهلاكية بعيد الحرب العالمية الثانية.

استطاع الفن في أصقاع مختلفة من العالم، على غرار المغرب، تعبئة الناس وراء قيم  منشودة. الموسيقى موقف والتزام أيضا؛ فـ ”لطالما استخدم الشباب الموسيقى للاحتجاج، الإعلان عن هوية، بناء المجتمع ولتأويل العالم” 1.

الأغنية امتداد لذات الإنسان. لذلك فقد سخر المغربي الموسيقى للتعبير عن همومه ومعاناته. من هنا، سعينا إلى إيجاد خيط ناظم بين الأمثلة الأربعة للأغنية الاحتجاجية التي تطرقنا إليها في الجزء الأول من هذا المقال.

أولا، الفرق الأول يتجلى في تباين الظرفية السياسية والتاريخية، فالعيطة تزامنت مع الظاهرة القايدية ونفوذها خصوصا في مغرب فترة الحماية.  فيما تزامن بزوغ الظاهرة الغيوانية مع سنوات الرصاص.

اقرأ أيضا: أغاني الألتراس… تسييس الملاعب أم فضاءات جديدة للفعل الاحتجاجي؟ (فيديو) 2/2

عن أوجه الاختلاف بين فن العيطة وناس الغيوان في علاقتهما مع السلطة، يرى ادريس تازارني، الباحث في الظاهرة الغيوانية، إن ”أغاني ناس الغيوان ذات حمولة وإيحاءات سياسية واضحة ومجموعة من الأغاني تؤكد ذلك ويمكن أن نقول إن صراعها عمودي مع سلطة البلاد، في حين العيطة هو صراع مع قائد القبيلة أو الجماعة وهو ما اعتبره صراعا أفقيا إذا ما قارناه بناس الغيوان”.

ثانيا، الأنماط الموسيقية الاحتجاجية الجديدة تمتح من ثقافات كونية، مما جعلها بعيدة عن وجدان الكثير المغاربة وشاذة عن موروثهم الثقافي. فإلى زمن قريب، ارتبطت أغاني الراب بلغة ”شارعية” ولازمها العديد من الكلشيهات بالرغم من استئثارها باهتمام شريحة واسعة من الشباب.

الأمر أيضا ينطبق على أغاني الألتراس، فقبل شهرة ”فبلادي ظلموني” وما عقبها من تناسل لأغان بنفس الحمولة السياسية والاجتماعية، كان من النادر تداول هذه الأغاني بين عامة الناس. يرجع هذا بالأساس إلى أن أغلب كلماتها مرتبط بثقافة الالتراس وحيثياتها، فضلا عن الكثير من الألفاظ الشارعية والعنيفة (اتهام عناصر الفريق الخصم بالمثلية الجنسية مثلا).

تختلف الرؤى حول الدور الحقيقي للموسيقى؛ فمن جهة، يذهب الكثيرون إلى أن الموسيقى غاية في ذاتها، حيث يجب أن يقتصر دورها أساسا على تهذيب النفوس والرقي بها. في حين، يذهب البعض إلى أن الموسيقى لا يجب أن تقتلع نفسها من الجغرافية التي تصدح فيها. يجب أن تكون كلماتها مؤرخة للظرفية التاريخية والسياسية للبلد.

محمد الأشرقي، الباحث في الموسيقى المغربية والعربية، يرى أن دور الموسيقى المغربية يتجلى في ”وضع الأصبع على بعض الأعطاب وانتقاد الاختلالات ولفت الانتباه إليها وهذا هو دور الفنان. لكن، يبقى عملها في خانة تشخيص الوضع من منظور فني إبداعي لا غير”.

رغم المشاكل البنيوية والتاريخ المليء بالألآم لهذا الوطن، جُبل أبناءه على الإبداع والتجديد في الأنماط التعبيرية الاحتجاجية، معبرين بعفوية عن وطينتهم والتزامهم الأخلاقي نحو مستقبله ومصيره. فهل لنا أن نطمع في نمط جديد من الأغنية الاحتجاجية في السنوات القادمة؟…

لقراءة الجزء الأول: من العيطة إلى أغاني الألتراس.. حناجر غاضبة صنعت تاريخ الموسيقى الاحتجاجية في المغرب المعاصر (1/2)
مراجع

1– موسيقى التمرد،-هشام العايدي، ترجمة سماح جعفر

تعليقات

  1. الأيوبي

    أغاني الالتراس اقتصرت في مقالك على نموذجين فقط كأن الالتراس الآخرين لا وجود لهم. إقصاء الآخرين له ربح شخصي ما ولا موضوعية فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *