الكيف بين اليهودية، المسيحية والإسلام: علاقة الكيف بتدين المغاربة 2\2الكيف والدين: الإخوة الأعداء (الجزء الثاني والأخير)
رأينا في الجزء الأول من هذا الملف، كيف حضرت نبتة الكيف في عدد من الديانات القديمة، وكيف تعامل معها كل دين. في الجزء الثاني من هذا الملف، سنقتفي حكاية الكيف، …
رأينا في الجزء الأول من هذا الملف، كيف حضرت نبتة الكيف في عدد من الديانات القديمة، وكيف تعامل معها كل دين.
في الجزء الثاني من هذا الملف، سنقتفي حكاية الكيف، في الديانات التوحيدية التلاث، بالاعتماد دائما على مجموعة المصادر التي أوردناها في الجزء الأول.
خطأ في الترجمة يجهض الكيف حقه في اليهودية
ساد الاعتقاد إلى حدود القرن العشرين بغياب ذكر القنب الهندي في النصوص الدينية للعهد القديم، إلى حدود سنة 1936 عندما نشرت الباحثة البولندية سولا بينيت تفسيرا جديدا لبعض نصوص العهد القديم، منطلقة من فرضية وجود خطا في الترجمة العبرية لكلمة « kanesh bosm »، حيث ترجمت على أنها النبات العطري “قصب الذريرة”، في حين أنه مرادف للقنب الهندي.
المفارقة… أن المستفيد الأول من زراعة الكيف، هو وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إذ حسب ما سبق وأن صرح به نائب برلماني سنة 2012، فإن هذه الوزارة تقوم عن طريق السمسرة العمومية، بتأجير مئات الهكتارات لمزارعين يستغلونها في زراعة الكيف.
بهذا المعنى يصبح للكيف حضور بارز على مستوى النصوص الدينية والممارسات التعبدية، فعلى مستوى النصوص، يذكر الكيف كمكون ضمن الزيوت والبخور المقدسة في العهد القديم، حيث تمت الإشارة إليه في:
ــ سفر الخروج، الإصحاح 30 الآية 23.
ــ نشيد الانشاد، الإصحاح 4 الآية 14
ــ سفر إرميا، الإصحاح 6 الآية 20
ــ سفر حزقيال، الإصحاح 27، الآية 19
المسيح يعالج المرضى بزيت الكيف
نظرية سولا بينيث ستلقي بظلالها على الديانة المسيحية، باعتبار التلازم الموجود بين العهدين القديم والجديد، إذ ستنشر “Courrier International” مقالا قالت فيه إن السيد المسيح كان من عشاق القنب، وأنه أثنى على مزاياه العلاجية والطبية، مستندة في ذلك على مقال كتبه كريس بينيت سنة 2003 في “هاي تايمز”، عنونه بـ”هل كان المسيح مخدرا؟” والذي يناقش فيه الكاتب دور الكيف في الثقافة التوراتية، على أساس الأدلة الأثرية والنصية والدراسات الأنثربولوجية وغيرها.
إقرأ أيضا: الدعوة إلى الله… سوق رائج يصنع النجوم
حسب الفرضية التي طرحها بينيت وسار على دربها عدد من الباحثين، مستندين إلى عدد من الأدلة الأركيولوجية، فإن المسيح ورسله استخدموا القنب كدهن لشفاء الناس من الأمراض العقلية والجسدية. وقد ناقش الكاتب كريس بينيث أعمال كارل رووك، أستاذ الأساطير الكلاسيكية في جامعة بوسطن، والذي درس دور المؤثرات العقلية في الدين لنحو ثلاثة عقود بشراكة مع باحثين آخرين، ليتوصلوا إلى أن النصوص الغنوصية تتضمن معطيات وافرة حول استخدام القنب في الاحتفالات الشامانية، كما استخدمت من قبل السيد المسيح كدهون وزيوت لعلاج المرضى، وأنها كانت أحد الأركان في بناء “معجزته”.
الزوايا الدينية غير الرسمية، ستخصص موسما سنويا خاصا بالكيف عرف باسم “الولي الصالح سيدي محمد جمعون” بإقليم الشاون (شفشاون)، كانت تجتمع فيه القبائل التاريخية الممارسة لزراعة الكيف…
فرضيات أخرى ذهبت أبعد من هذا، باعتبارها أن “المسيح” ترجمة للكلمة العبرية “المسيا”، وهو لقب لا يمكن أن يناله الشخص إلا بعد أن يتم غطسه في الزيت المقدس، الذي كان يعده الكهنة والملوك العبرانيون، وقد تضمنت الوصفة القديمة لهذا الزيت المقدس كما هو موضح في سفر الخروج (30: 22-24) ، أكثر من 4 كيلوغرامات من راتنج القنّب الهندي، ممتزجا مع حوالي 6.5 ليتر من زيت الزيتون، فضلا عن مجموعة متنوعة من الأعشاب الأخرى، لكن الكيف يظل هو الأساس في تركيبته. بهذا، وحسب هذه الفرضية، فإن السيد المسيح حصل على لقبه انطلاقا من تعميده، عبر غطسه في زيت أعد من القنب الهندي.
يميز عدد من الباحثين بين مرحلتين في علاقة الكيف بالديانة المسيحية، مرحلة أولى كان تعاطيها مباحا للمسيحيين، خاصة أنها كانت متعددة الاستعمال، مما ساعد على انتشارها في جميع أنحاء أوروبا، حيث سمح الإمبراطور شارلمان بزراعة الكيف في مساحات واسعة، ليستفيد منه رجال الدين داخل الأديرة في استعماله للإضاءة والكتابة عليه. كما أن جوتنبرج مخترع آلة الطباعة، سيطبع سنة 1455 أول إنجيل بواسطة آلة طباعة على ورق القنب الهندي.
لكن هذا لم يمنع الكنيسة، في مرحلة ثانية، من محاربته وتحريمه، إذ تم حظره في إسبانيا في القرن الثاني عشر، وفرنسا في القرن الثالث عشر، خاصة بعدما شاع تناوله كمخدر أيضا، كما سيعلن البابا إنوسنت الثامن سنة 1484 أن الكيف نبات شيطاني، لتنطلق محاكم التفتيش في مطاردة من يتعاطونه معتبرينهم إخوة للشياطين.
الطائفة الهداوية كانت تبيح تناول الكيف أثناء حلقات الذكر، وتعتبره شرطا من شروط الترقي الصوفي، ما جعل علاقة الهداويين بالكيف مضرب الأمثال، ومن ذلك ما قيل في المرأة مثلا: “الرق والحلاوة بحال سبسي هداوة”.
لكن المفارقة التي يقف عليها المتتبع لتاريخ الكيف، هي أنه موازاة مع تحريمه، فقد أخذت المساحات المزروعة به تزداد، وشيئا فشيئا بدأ الحديث عن الكيف يتجاوز رقابة الكنيسة، إذ سيظهر في بعض الأعمال الأدبية، حيث تناوله رابليه سنة 1546 في روايته البانتاغريال مرددا على لسان بطل الرواية، إن الكيف يسمح للرجال “ليس فقط بالوصول الى ما وراء البحار، ولكن أيضا بمحاولة تسلق السماوات”، في إشارة منه للحبال التي تصنع من القنب ولخصائصه العقلية، كما أوصى رابليه الطبيب باستخدامه لمختلف الأمراض (الجروح والحروق والتشنجات والروماتيزم وكمهدئ لجميع أنواع الآلام). هذه التحولات أجبرت الكنيسة على أن تخفف من حربها ضد الكيف، وتدخل في نوع من التطبيع معه، مكتفية بالخطاب الوعظي والإرشادي فقط.
الإسلام والمغاربة: من الزوايا إلى الممول الرسمي لتدين المغاربة
يصعب الحديث عن الكيف في النصوص الدينية الإسلامية، لكن… وُجدت إشارات إليه في بعض كتب الطب تحت مسمى القنب. بيد أن الروايات تتضارب حول مكان قدومه، هل دخل عن طريق آسيا أم أوروبا، وإن كانت أغلب الفرضيات ترجح أنه قدم عن طريق آسيا، وأن المسلمين اكتشفوه أثناء دخولهم للمنطقة الآسيوية، بيد أن النصوص التاريخية، لا تسعفنا في الإجابة عن كيفية تعاطي المسلمين مع استعمال هذه النبتة في بعدها الديني. لكن الأكيد أن الطوائف الصوفية والباطنية والإسماعيلية ستعرف الكيف وستتعاطاه، حيث أصبح تناوله شائعا عند الطوائف الصوفية بالخصوص.
إقرأ أيضا: في يوم الغفران.. اليهود يتطهرون من خطاياهم بالدجاج!
سيرتبط الكيف في المغرب بالتدين، إذ ومع انتشار الزوايا في القرن السابع عشر الميلادي، ستصبح عملية زراعته تتم تحت وصايتها وبمباركتها، خاصة الطائفتين “العيساوية والهداوية”، بل إن هذه الأخيرة كانت تبيح تناول الكيف أثناء حلقات الذكر، وتعتبره شرطا من شروط الترقي الصوفي، ما جعل علاقة الهداويين بالكيف مضرب الأمثال، ومن ذلك ما قيل في المرأة مثلا “الرق والحلاوة بحال سبسي هداوة”.
سمح الإمبراطور شارلمان بزراعة الكيف في مساحات واسعة، ليستفيد منه رجال الدين داخل الأديرة في استعماله للإضاءة والكتابة عليه، كما أن جوتنبرج مخترع آلة الطباعة، سيطبع سنة 1455 أول إنجيل بواسطة آلة طباعة على ورق القنب الهندي.
في مقابل هذا، كان الفقهاء الرسميون يشنون حربهم على الكيف، ويشيطنونها، لتظل زراعته إلى حدود القرن التاسع عشر تحت مراقبة ومباركة الزوايا الدينية غير الرسمية، التي ستخصص موسما سنويا خاصا بالكيف عرف باسم “الولي الصالح سيدي محمد جمعون” بإقليم الشاون (شفشاون)، كانت تجتمع فيه القبائل التاريخية الممارسة لزراعة الكيف (كتامة، بني خالد، بني سداث)، محملة بهداياها وبقرابينها الممثلة في ثور وكميات من أجود أنواع الكيف المزروع في القبيلة، وتنحر كل قبيلة ثورها، على أن آخر ثور يموت يعتبر “كيف” قبيلته هو المقبول من طرف الولي، وهو الموسم الذي لازال إلى الآن.
وعلى غرار المسيحية، يطرح حضور الكيف في المغرب وارتباطه بالتدين مفارقات عدة، فبغض النظر عن طبيعة التدين السائد في المنطقة، وكونها كانت من أبرز المناطق التي حافظت على إسلام “مغربي”، فإن المفارقة التي تطرح نفسها اليوم، هي أن المستفيد الأول من زراعة الكيف، هو وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إذ حسب ما سبق وأن صرح به النائب البرلماني العربي المحرشي سنة 2012، فإن هذه الوزارة تقوم عن طريق السمسرة العمومية، بتأجير مئات الهكتارات (حددها العربي المحرشي في أكثر من ألف هكتار بإقليم وزان فقط، في حين تغيب أي احصائيات رسمية حول مساحتها الاجمالية) لمزارعين يستغلونها في زراعة الكيف.
إقرأ أيضا: إسرائيليات: هل المرأة ضلع أعوج وهل رأى الرسولُ اللهَ؟ 3\3
معنى هذا، أن الوزارة المسؤولة عن الشأن الديني، والمدبرة له، والساهرة على “صيانة الأمن الروحي للمملكة”، والتي تعد أغنى وزارة، هي أكبر مستفيد من تأجير الأراضي لزراعة الكيف، هكذا… وبينما يجرم القانون هذه الزراعة، ويحرمها بعض رجال الدين لدرجة وصفها بالنبتة الخبيثة من طرف بعضهم، نجدها من بين ممولي تدين المغاربة، وصيانة أمنهم الروحي.
كانت هذه إذن، بعض من صفحات التاريخ الديني للكيف. صفحات يطبعها التناقض والاختلاف، والمفارقات التي تبدو عصية على الفهم دون تحليل عميق متعدد المنهجيات والأبعاد، يكشف على البعد التاريخي والسوسيولوجي لسيرورة المقدس/المدنس، ما يقتضي تعاطيا آخر مع موضوع الكيف، لا ينبع من النزعات الأخلاقوية التحريمية بل من التحولات والسيرورات الاجتماعية.
ذريرة | قصب الذريرة
قصب الذريرة نبات عشبي من العائلة النجيلية، يعرف علميًا باسم “كلامس أروماتكس” (Calamus Aromaticus)، كما يسمى أيضًا “قصب الطيب” لطيب رائحته فهو أشبه بالزنجبيل رائحة وطعمًا.
وكان قصب الذريرة يدخل في تركيب “الدهن المقدس” الذي كان يستخدم في مسح خيمة الاجتماع وآنيتها ومسح الكهنة (خر 23:30)، وكان غالي الثمن: “قصب الذريرة… مع كل أنفس الأطياب” (نش 14:4)، كما نقرأ في نبوة إشعياء: “لم تشترِ لي بفضة قصبًا” (إش24:43)، فلم يكن من النباتات التي تنمو في فلسطين، بل كان يجلب من بلاد بعيدة: “لماذا يأتي لي اللبان من شبا، وقصب الذريرة من أرض بعيدة؟” (إرميا 20:6). ويقول حزقيال النبي في وصفه لعظمة صور واتساع تجارتها مع مختلف البلدان: “دان وياوان قدموا غزلًا في أسواقك. حديد مشغول وسليخة وقصب الذريرة كانت في سوقك” (حز 19:27). وقد ذكر بليني المؤرخ الروماني الذي عاش في القرن الأول الميلادي، أن قصب الذريرة كان ينمو في بعض نواحي بلاد العرب والهند.
St-Takla.org Divider فاصل – موقع الأنبا تكلاهيمانوت
قصب الذريرة نبات كالقش عقدي أبيض من داخل وياقوتي من خارج وضارب إلى الصفرة، وكلمة قصب تعنى غاب وكلمة ذريرة تعنى دواء عطري، أي أن قصب الذريرة يعنى الغاب العطري، طعمه قابض مع حراقة يسيره وفيه لزوجة إذا مُضغ، كما أن فيه رائحة عطرية، اسمه بالعبري (كنَّة): وهو :
1. نوع من العطريات ذي رائحة عطرة، ويسمى في علم النبات قصب الطيب أو عود الوج وهو يُشير إلى نبات. وقد كان نباتاً هاماً وكان سلعة رائجة في آسيا.
2. يُعتقد أنه هو (Acorus calamus L) المذكور في سفر الخروج (30: 23) ضمن الدهن المقدَّس الذي مُسح به الكهنة وأدوات خيمة الاجتماع وقد وُجِدَ هذا النوع في قبور بعض الفراعنة. وهو يُستخدم الآن في الطب وأدوات التجميل.
3. الاسم العلمي Acorus aromaticus-Calamus
4. الاسم الإنجليزي لهذا النبات واحد من ثلاثة: Myrtle sedge Sweet-flage, Sweet sedge ,
5. الاسم الفرنسي: Roseau odorant , Acore adorant , Calamus
6. هذا الطيب يدخل في تركيب الدهن المقدس لمسح خيمة الاجتماع وآنيتها والكهنة كما هو مدون في سفر الخروج :
7. “وأنت تأخذ لك أفخر الأطياب مراً خمسمائة شاقل، وقرفة عطرة نصف ذلك مائتين وخمسين، وقصب الذريرة مائتين وخمسين” (خر 30 : 23). كما ذكر هذا الطيب أيضاً في سفر النشيد “ناردين وكركم. قصب الذريرة وقرفة، مع كل عود اللبان مر وعود مع كل أنفس الأطياب” (نش 4 : 14، إش 43: 24، إر 6: 20).
8. كان القدماء يستخدمونه لعلاج مرض السعال المزمن وكمزيل لآلام الصدر والمعدة والكبد، والاستسقاء، والخفقان وضعف القلب كما كان يستخدم في أشياء أخرى كثيرة.
9. ينمو هذا النبات في بلاد الهند وبعض البلاد العربية ماعدا سوريا وفلسطين، حيث أن أرميا النبي يذكر في سفره أنه يأتي من أرض بعيدة عن بلاده (أر 6 : 20) ويذكر الكتاب المقدس أنه يأتي من دان وباوان (خر 27 : 19).
ومن الجدير بالذِّكر أن هذا النبات يُسْتَخْدَم في عمل زيت الميرون المقدس في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.