هشام روزاق يكتب: نصف الكأس الفارغ… نصف الكأس غير المملوء!
… قبل أيام قليلة مضت، استفاق المغرب على وقع صفعة، يبدو أنها لم تصب الكثيرين، وجهها لنا “المعهد المغربي لتحليل السياسات”. صفعة… لم يكن لها أي أثر على عشاق حكايات …
… قبل أيام قليلة مضت، استفاق المغرب على وقع صفعة، يبدو أنها لم تصب الكثيرين، وجهها لنا “المعهد المغربي لتحليل السياسات”.
صفعة… لم يكن لها أي أثر على عشاق حكايات “حمزة بيبيهم” ودنياهم باطمة، كما لم تخلف أي أثر يذكر على وجه مشهد سياسي مغربي يبدو أن… “وجهو صحيح”.
استطلاع رأي، يقول بكامل الفضيحة، إن:
68.7 بالمائة من المغاربة، لا ثقة لهم في حكومتهم، و57.5 بالمائة، لا يثقون بشيء اسمه البرلمان، و49.3 لا يثقون في القضاء…
لكن، في المقابل، نفس الاستطلاع أخبرنا أن 83.9 بالمائة، لديهم ثقة كبيرة جدا في أن … الفساد ينتشر بقوة في البلاد.
والأهم، يخبرنا ذات الاستطلاع أن 31.8 بالمائة من المغاربة… غير فخورين بمغربيتهم.
… أرقام أخرى قاسية وفاضحة يحملها ذات الاستطلاع. لكن… قد يكون من الأفضل اليوم، أن نتوقف فقط، عند دلالات هذه الأرقام، التي يمكن أن نترجمها إلى لغة أكثر بساطة، لنقول إن:
أكثر من نصف المغاربة، لا يثقون في السلطة التنفيذية لبلدهم.
الأرقام التي يصفعنا بها الاستطلاع المذكور أعلاه هي، في النهاية، نتيجة لسنوات طويلة من المضاربة بآمال وأحلام المغاربة، في بورصة الفشل. هي نتيجة، لصفقات كثيرة عُقدت بين الريع والسياسة… هي نتيجة، لمسار طويل من أنصاف الحلول التي أريد لها أن تكون عنوان بلد يريد، على الدوام، السير في الطريق السيار… راجلا.
… هي نتيجة، لعمليات جراحية كثيرة، كان يُفترض فيها استئصال أمراض خبيثة، لكن الطبيب فيها، اختار “البنج” علاجا.
… وما يقارب نصف المغاربة، لا يثقون في السلطة التشريعية.
وما يقارب جل المغاربة (83.9 بالمائة)، يعتبرون أنهم يعيشون في بلد يسوده الفساد.
وما يفوق ثلث المغاربة، لا يشعرون بفخر الانتماء للبلد الذي يحملون جنسيته وأوراقه الثبوتية.
… أمام كل هذه الأرقام، لازلت تجد بعض أشباه الساسة في هذه البلاد، يتحدثون عن “خطاب التيئيس” و”التيار العدمي”.
لازلت تجد كائنات خرافية، قادرة على القول إن ما تقترفه في حق هذه البلاد، يسمى سياسة.
بقراءة جد متسامحة مع هكذا أرقام، يمكننا القول بغير كثير عناء، إن الكارثة التي يحملها استطلاع الرأي الذي أنجزه “المعهد المغربي لتحليل السياسات”، اسمها بكامل البساطة، بلد يشهر إفلاسه.
بلد… دفع “المقيمين به” إلى اعتباره فاسدا، وإلى عدم الثقة بمؤسساته، بسلطاته التنفيذية والتشريعية، بقضائه… وبانتمائهم له.
الأرقام التي يصفعنا بها الاستطلاع المذكور أعلاه، هي في النهاية، ليست مؤشرا ولا ناقوس خطر كما قد يقرؤها البعض، هي بكل برودة… نتيجة.
نتيجة، لسنوات طويلة من المضاربة بآمال وأحلام المغاربة في بورصة الفشل. هي نتيجة، لصفقات كثيرة عُقدت بين الريع والسياسة…
هي نتيجة، لمسار طويل من أنصاف الحلول التي أريد لها أن تكون عنوان بلد، يريد على الدوام، السير في الطريق السيار… راجلا.
… هي نتيجة، لعمليات جراحية كثيرة، كان يُفترض فيها استئصال أمراض خبيثة، لكن الطبيب فيها، اختار “البنج” علاجا.
طبعا، هناك الكثيرون اليوم ممن يستسهلون قراءة هكذا أرقام، بالحديث عن العدمية والتيئيس وما تبقى من الجمل المعلبة. لكن الكثيرين، أيضا، لا يستطيعون اليوم أن يُداروا حالة الإفلاس العام الذي وصلنا إليه، والذي جعل كثيرا من المغاربة، لا يشعرون بأي انتماء لبلدهم.
… خلال هذه الأيام، نشرت المندوبية السامية للتخطيط مذكرة حول المستوى المعيشي ومعدل البطالة خلال الفصل الرابع من سنة 2019. مذكرة قد تبدو بسيطة للكثيرين، لكنها تصرخ في وجهنا بكل بساطة لتقول إن:
43 في المائة من الأسر المغربية تؤكد تدهور مستواها المعيشي خلال الـ 12 شهرا المنصرم.
الأرقام التي تحدثنا عن بعضها أعلاه، تقول لنا ببساطة إن حكاية نصف الكأس المملوء ونصفه الفارغ، لم تعد صالحة لنا…
تقول لنا فقط إننا صرنا أمام…نصف الكأس الفارغ…
ونصف الكأس… غير المملوء.
وإن 34 بالمائة، أكدت أن مستواها المعيشي، ظل مستقرا… لم يتحسن.
وإن… 30.4 بالمائة من الأسر المغربية، تعتمد على الاقتراض والسلف، كي تؤمن حاجياتها كل شهر.
وقبل ذلك، كانت المندوبية السامية للتخطيط قد نشرت النتائج الأولية لبحث وطني حول الهجرة، أكدت فيه أن ما يقارب ربع المغاربة، يريدون الهجرة من المغرب.
… ولكي يكون للأرقام مزيد من معنى، قررت منظمة “أوكسفام” البريطانية ــ أثناء كتابة هذه الأسطر ــ أن تمنحنا تقريرا، يشرح بكامل الدقة معنى النظر إلى… نصف الكأس المملوء في المغرب.
“أوكسفام”، في تقريرها حول “اللامساواة في العالم”، لم تكتف برصد ترسخ الفقر في المغرب واتساع دائرة المتمين له، بل أخبرتنا أساسا… أن المغرب، يحتل المرتبة الأولى في منطقة شمال إفريقيا، بالنسبة لاتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء.
اقرأ لنفس الكاتب: شكيب بنموسى؟ درس قديم في فبركة السراب
أوكسفام، قالت إن المغربي الذي يتقاضى الحد الأدنى للأجور، يلزمه 154 سنة، كي يتقاضى ما يحصل عليه ملياردير مغربي في 12 شهرا.
… هي في النهاية، مجموعة أرقام، تصرخ في وجه بلد بأكمله، أن حالة الإفلاس قد عمت، وأن أنصاف الحلول لم تعد ممكنة، وأن “البنج” لم يعد له أي تأثير على الناس.
لكن…
هل تعرفون البديل الذي ينتظرنا، كي نخرج من هكذا عدم؟
البديل، رئيس حكومة لازال يدهشه أن… “المغربي تا يورك على الساروت تا يشعل الضو، وتا يحل الروبيني، تا ينزل الما”
البديل… هو أخنوش اللي باغي يعاود لينا التربية، وإدريس لشكر اللي تا يحلم بالتصويت الإجباري…
البديل، هو ببساطة، نفس مسببات الإفلاس. وكأننا أمام شركة اختار مسيروها حملها نحو الإفلاس، كي يقوموا بشرائها من جديد في مناقصة علنية.
الأرقام التي تحدثنا عن بعضها أعلاه تقول لنا ببساطة، إن حكاية نصف الكأس المملوء ونصفه الفارغ، لم تعد صالحة لنا…
تقول لنا فقط إننا صرنا أمام…
نصف الكأس الفارغ
ونصف الكأس… غير المملوء.
وهذا… بعض من كلام.