فصل المقال في ما بين المثلية الجنسية وقوم لوط من انفصال
الفرق بين المثلية وعمل قوم لوط، أن الأولى رضائية، والثانية غير رضائية، وأن الأولى راشدة والثانية تكريس للبيدوفيليا، الأولى سبقت عصر لوط، بل يمكن القول إن المثلية قديمة قدم التاريخ الانساني فوق البسيطة، والثانية محدودة في الزمان والمكان، مقصورة على منطقة سدوم، وفي الحقبة التي عاش فيها النبي لوط. الأولى لا يشملها العقاب الدنيوي، وإلا لكان عقاب الله ضد المثليين في العالم أقوى وأسرع في عصر العولمة والحريات وما نراه في الغرب وعند العرب من صور المثلية وغير المثلية
أقر من هذا المنبر، أن مقالي هذا ليس سوى رأي متواضع، يروم وضع علامات استفهام على مسلمات ذكورية مقتبسة من قصة مبثوثة في القرآن الكريم، ولا شيء يدل على أن ما ترمي إليه الآيات التي تتناول الموضوع، هو نفسه ما دأب على نشره على نطاق واسع الخطاب الديني الذكوري المكرور منذ مئات السنين.
قصة لوط، كما باقي القصص القرآني، هي تاريخ مؤسطر، أي أنها حكايات تقوم على نواة الواقع، لتسبح بالعلامات الدالة على أكثر من وجه في التفسير، في بحر لجي من المحرمات التي يتم بواسطتها تدمير نمط مرفوض بتدنيس وقائعيته، وتقديس ما يعاكسه، ويعتبر من طرف جمهور المؤمنين هو القاعدة المقدسة التي تروم الحفاظ على النوع البشري من الانقراض.
قصة لوط تعتمد شخوصا معينة، فيهم الطرف المقدس (الملكان، النبي لوط صاحب الدعوة إلى الصلاح، بنات لوط، النبي إبراهيم عم النبي لوط) والطرف المدنس (قوم لوط، زوجة لوط). هؤلاء هم شخوص الحكاية.
مكان القصة: قرية سدوم الواقعة في وقتنا الحالي بالضفة الغربية.
الزمان: ما بين 1861 ق.م و1686 ق.م
موضوع قصة لوط هو الدعوة إلى الصلاح، وفق السائد المتفسخ المكروه والمرفوض من طرف الله والنبي لوط.
الفعل المدنس، هو إتيان الذكور بالغصب والإكراه، وهذا ما دلت عليه الآية التي تقول (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين..) الأعراف الآية 80.
لا تهمنا الحيثيات التي تتغنى بغضب الله، والمآل الذي خلص إليه قوم لوط بعد خروج هذا الأخير وبناته من القرية ليلا، كما لا تستفزنا الروايات المبثوثة في القرآن، أو تلك التي سبقتها في نسخ التوراة أو التناخ، ما يهمنا هنا، هو التمييز بين عمل قوم لوط، المتسم بالقبح لكونه تعدى حدود المعقول، والدليل أن دعوة لوط كانت من أجل الإصلاح، مثله مثل أي نبي يحمل رسالة نبيلة، فهو دعاهم إلى التوحيد وعدم الشرك به، ثم استنكر عليهم أن يأتوا الذكور بالغصب. ودليل الغصب أنهم لما علموا بقدوم الملكين إلى بيت لوط، قصدوا بيته يطلبون منه تسليمهم الضيفين ليفعلوا بهم ما يشاؤون. وهذا بحد ذاته فعل مشين لأنه يعني نية الجماعة في اغتصاب الملكين.
النهاية كانت مأساوية، لأن ما حل بالقرية، نجهل سببه إلى اليوم، وقيل حسب الرواية القرآنية، وقبلها الرواية اليهودية، أن ما حل بالقرية كان عقابا إلهيا؟!
قصة لوط، كغيرها من القصص، تحكي وقائع بأسلوب لا تاريخي، فهي تروم بث الموعظة باتخاذ العبرة من أحداث الماضي كما تمت بلورتها بأسلوب الرواية الأدبية لا الرواية التاريخية.
نأتي الآن إلى المثلية الجنسية، لنطرح السؤال التاريخي التالي: ألم تكن المثلية سابقة عن فترة ظهور واقعة لوط وقومه؟ ألم تكن المثلية الجنسية موجودة من قبل؟ ولماذا لم ينه عنها أنبياء سبقوا النبي لوط؟ ولماذا لم يحل عقاب الله على بلاد الرافدين وبلاد الاغريق وبلاد أخرى عاش فيها أقوام، والأكيد أن المثلية كانت فيها؟
ثم ما الحد الفاصل بين المثلية وعمل قوم لوط؟
المثلية، وحتى لا نمارس الإسقاط، هي ميول عاطفي وجنسي بين شخصين من نفس الجنس، برضاهما، وبكامل الأهلية التي يتمتع بها ذوو الميولات الجنسية المثلية، أي اشتراط الرضى والرشد في العلاقة، وإلا دخلنا في البيدوفيليا، وهي نوع من المثلية التي تفتقد إلى ذينك الركنين السابقين، الرضائية والأهلية القانونية.
الفرق بين المثلية وعمل قوم لوط، أن الأولى رضائية، والثانية غير رضائية، وأن الأولى راشدة والثانية تكريس للبيدوفيليا، الأولى سبقت عصر لوط، بل يمكن القول إن المثلية قديمة قدم التاريخ الانساني فوق البسيطة، والثانية محدودة في الزمان والمكان، مقصورة على منطقة سدوم، وفي الحقبة التي عاش فيها النبي لوط. الأولى لا يشملها العقاب الدنيوي، وإلا لكان عقاب الله ضد المثليين في العالم أقوى وأسرع في عصر العولمة والحريات وما نراه في الغرب وعند العرب من صور المثلية وغير المثلية، والثانية (أي عمل قوم لوط) شملها العقاب، إذا ثبت علميا وتاريخيا أن قرية لوط تعرضت بالفعل إلى عقاب، أم كان ذلك مجرد تدخل غضب الطبيعة في المكان عينه.
ثم إن المسكوت عنه في الحكاية كلها، وما تجره وراءها من إسقاطات لا تاريخية منذ بناء الحكاية عند اليهود في توراتهم، مرورا بالسردية القرآنية، وصولا إلى التأويل الذكوري للحكاية، أن عمل قوم لوط، وما تحكيه الكتب التأسيسية في كل الأديان التوحيدية الثلاث حولها، يذكر الفعل الذي وقع بين الذكور بصرف النظر عن مشروعيته أم لا، ويسكت عن المثلية النسائية (السحاقية)، هذا إذا ما سلمنا على مضض بأن المثلية بنوعيها تحاكي أو تماثل عمل قوم لوط؟
فلماذا سكت الخطاب الديني عن المثلية بين النساء؟ لماذا يتم استقباح الفعل المثلي بين الذكور؟ ويتم السكوت عن مثيله الذي يقع بين الإناث؟ هل القضية متعلقة بفكر ذكوري يروم قطع الطريق عن كل إمكانية لانتشار المثلية مخافة أن تصبح قاعدة؟ ثم ما الذي يجعل التشبه بالذكور من طرف بعض النساء (ظاهرة النساء المسترجلات) يمر مرور الكرام، ودون وصم ذكوري قامع، بينما يتم استهجان كل تشبه بالإناث من طرف بعض الذكور؟ لماذا يتم التسامح مع الرجل الفاعل في العملية بينما يتم استنكار الرجل المفعول به في العلاقة الجنسية المثلية؟
هذه مجرد أسئلة مفتوحة للتفكير فيها وحولها.
مقالات قد تهمك:
- مرايانا تناقش المثلية الجنسية كموضوع للتفكير: مرض أو جريمة؟! (الجزء الأول)
- المثليون والعابرون الجنسيون بالمغرب… بين المنع القانوني والاضطهاد المجتمعي 1\2
- التمييز على أساس جندري: “فلاش باك”… لأصعب مرحلة في تاريخ المثليين المغاربة! 2\2
- من الولايات المتحدة الأمريكية، نادر تادرس يكتب: شعارات السيناتور كريج… حكاية لا علاقة لنا بها!
- شعر أبو نواس وقضايا الدفاع عن الحريات الفردية 2/2