التمييز على أساس جندري: “فلاش باك”… لأصعب مرحلة في تاريخ المثليين المغاربة! 2 - Marayana - مرايانا
×
×

التمييز على أساس جندري: “فلاش باك”… لأصعب مرحلة في تاريخ المثليين المغاربة! 2\2

تحدّثنا في الجزء الأول (الذي تجدون رابطه في الأسفل) عن واقع المثليّة والعبور الجنسيين بالمغرب، والإكراهات التي تواجها هذه الشريحة على ضوء تمييز فظيع أساسه الجنس والجندر، وقدمنا شهادات لمثليين وعابرين جنسيا، فضلا عن ثنائيي التوجه الجنسي.
في هذا الجزء الثاني، نقدم خلاصات تقرير منظمة نسويات عن “وضعية مجتمع الميم/عين+ (LGBTQ+) في المغرب سنة 2020″، الذي عالج أصعب فترة مر بها المثليون المغاربة خلال الحجر الصحي.

المثلية: حجر صحي بطعم التشهير!

يعود التقرير إلى البداية، حين أعلن المغرب العثور على أول إصابة بفيروس كورونا في 2 مارس 2020. في منتصف شهر مارس تقريبا، ومع انتشار فيروس كوفيد 19، نفذ المغرب العديد من السياسات والقيود للحد من انتشار الفيروس.

في 20 مارس 2020، حين أصيب حوالي 63 مواطنا مغربيا بفيروس كوفيد 19، بادرت السلطات إلى تشديد القيود وإعلان حالة الطوارئ والحجر الصّحي الشّامل، باستثناء فرد من الأسرة يحصل على تصريح من السلطة.

لكن ما معنى أن تكون مثليًّا مغربيّا في زمن الحجر الصحي؟ 

معناه، ببساطة، أن التمييز مضاعف والإهانة ستكون أكثر قسوة، والأخطر… وجود وافد آخر: التشهير في الرّقمي وتفجر الكراهيّة الإلكترونية، في فترة استعمل فيها المغاربة الافتراضي بشكل مكثّف وغير مسبوق.

يقول التقرير مثلاً: لقد كان الأمر صعبا من الناحية المالية حيث فقد العديد من المغاربة المثليين وظائفهم خلال هذا الظرف، لينضاف ذلك إلى صعوبة العثور على عمل في الأوقات الطبيعية، نظرا لرهاب المثلية الموجود بالبلد، ونقص الحماية القانونية.

أجرت “منظمة نسويات” مقابلات مع العديد من المثليين المغاربة لمعرفة الأوضاع التي عاشوها، وأشار أحد الأفراد، في إحدى المقابلات، إلى أن أفراد مجتمع الميم /عين + المغربي، العاملات والعاملين في مجال الترفيه أو الجمال أو الجنس، قد تأثروا وتأثرن بشكل خاص بالحظر الذي فرضته الحكومة، حيث اضطرت أنشطتهم إلى التوقف التام.

جاء في التقرير أنّ آدم محمد، من “مجموعة أطياف للتعددية الجنسية والجندرية بالمغرب”، يشير أنّ “هذه الفترة كانت صعبة بشكل خاص على الصحة النفسية والبدنية للأفراد، الذين لم يجدوا بدا من العيش مع عائلاتهم/عائلاتهن في زمن الحجر الصحي؛ خاصة الذين لم يعبروا عن ميولاتهم بشكل علني، وأولئك الذين تم التشهير بهم ولم تتقبلهم أسرهم، لقد تعرضوا لعنف وتمييز وسوء معاملة”.

حملة التشهير كانت مستمرة خلال فترة الحجر الصحي، حيث قام العديد من الأشخاص بتحميل تطبيقات المواعدة الخاصة بالكوير (المثليين)، وذلك “من أجل التعرف على ميولات الآخرين، وفي معظم الأحيان، كان هؤلاء يقومون بنشر الصور الخاصة على مجموعات التواصل الاجتماعي (خاصة على فايسبوك)، دون موافقة أصحابها، وذلك بهدف التشهير”.

في نفس الوقت، “كانت الشرطة، بحسب المعنيين، تضطهد ضحايا حملة التشهير بدلاً من مساعدتهم. وعلاوة على ذلك، فإن السفر بين المدن كان محدودا جدا، مما أعاق قدرة “الكوير” على مغادرة البيئات السامّة التي علقوا بها. الحجر الصحي كان وقتا عصيبًا بشكل خاص على مجتمع المثليين في المغرب”.

ما قبل المأساة!

على نحو كرونولوجي، يجد تقرير “نسويات” أنّ كمّ العنف الذي وُجه للأقليات الجنسيّة، خلال جائحة كوفيد -19، يعود إلى لايف على إنستغرام، مؤرخ بـ13 أبريل 2020، قامت عبره صوفيا طالوني، وهي مغربية عابرة جندريًّا، وتعيشُ في تركيا، بدعوة “متابعيها” على الأنستغرام، الذين يزيد عددهم عن 627000، إلى تنزيل تطبيقات المواعدة والتعارف الخاصة بالمثليين، مثل Planet Romeo وHornet وGrindr والدولوج إليها عبر إنشاء ملفات تعريف مزيفة.

طلبت طالوني تنزيل هذه التطبيقات “لمشاهدة أشخاص حولكم، على بعد 100 متر أو 200 متر، أو حتى متر واحد، في غرفة المعيشة”. قبل أن تضيف: “إنها فرصتكم! (…) سوف تكتشفون المنكر”.

كما يضيف التقرير أنها “هاجمت منظمات الكوير والحماية من الإيدز المغربية، قائلة: “بالنسبة لي، يجب أن تكون المنظمة مسؤولة، منظمة تحد من انتشار المثلية الجنسية في المغرب، بدلا من المساهمة في انتشار الشذوذ”.

الخطير، وفق التقرير، أنه تم تداول دعوة طالوني على نطاق واسع، وبدأ العديد من المغاربة في إنشاء ملفات تعريف مزيفة على تطبيقات المواعدة، والتقطوا صوراً من ملفّات تعريف المثليين ونشروها على صفحات الفيسبوك. بهذه الطّريقة، تم الكشف عن العديد من المغاربة المثليين النشيطين في تلك التطبيقات، واكتشف الجيران والأصدقاء وأفراد الأسرة ميولاتهم الجنسية/هوياتهم الجندرية.

من بين الاستغاثات التي انتشرت في تلك الفترة، على الشبكات الاجتماعية، من طرف مراهقين من مجتمع الميم استهدفتهم الحملة الالكترونية، ما نقله المدون المغربي نور ليلى، في إحدى مقالاته: “طارده والده في الشارع وهو يعرضه للضرب”، “ترحّموا على ابن خالي الذي انتحر للتو”، “أصدقائي، طردني والداي قبل قليل بسبب مثليتي، هل بإمكان أحدكم مساعدتي مادياً حتى أعثر على سكن جديد؟”.

لكن، وفي أوج هذه الحملة التشهيرية، حاولت المنظمات المغربية الدّاعمة للمثليّة دعم ضحايا التشهير، وتم بذل جهود في التواصل مع شركة أنستغرام وفيسبوك/ الشركة الأم، لإنهاء هذه الحملة، كما تم التواصل مع Planet Romeo  وHornet وGrindr، لتعليق خاصيّة فتح حسابات جديدة بالمغرب. من ثمار هذه الجهود، المصحوبة بدعم المجتمع الدولي، تم إغلاق حساب صوفيا طالوني على إنستغرام، على الرغم من أنها استمرت في إنشاء حسابات جديدة.

أيضًا، استجابت بلانيت روميو لمطالب منظمات الميم/عين+، وعلّقت إنشاء حسابات جديدة في المغرب في محاولة لوقف انتشار حملة التشهير.

يعلّق التقرير بأنّ كثيرا من المثليين الضحايا، “تأثروا بشكل كبير بهاته الحملة، لاسيما أنها حدثت في ظل جائحة وأزمة صحيّة واقتصادية وحالة طوارئ. تعرض العديد من ضحايا هذه الحملة للابتزاز، الطرد من وظائفهم، التّهديد والطرد من منازلهم، وتوفي واحد على الأقل من الضحايا منتحراً”.

مقابلات… قاسية!

في مقابلة أجرتها نسويات مع أحد المثليين الضحايا، يقول فيها:

خلال الحجر الصحي، شاركت في دردشة مباشرة على انستغرام حيث عبرت عن ميولي إلى حدّ ما. تم تسجيل المقتطفات ومشاركتها على عدة صفحات على فايسبوك في مسقط رأسي، بالإضافة إلى تعليقات بغيضة وتهديدات بالقتل. لقد قمت بإرسال رسائل إلى الصّفحات أطلب منهم إزالتها، وقام معظمهم بذلك، لكن أحد المشرفين رفض إزالة الفيديو قائلاً إنني أستحقّ أن يشهر بي بسبب مثليتي الجنسية. لذلك، ذهبت إلى قسم الشّرطة لتقديم شكاية”.

يضيف المتحدث: “رفض ضابط الشرطة مساعدتي، لأنه حسب قوله، لديه أشياء أكثر أهمية ليقوم بها، وأن قضيتي لم تكن جديرة بالاهتمام. كان يسخر مني ويلعنني، وأخبرني أنه كان سيحرقني لو كنت ابنه. عندما أخبرته أنه يحق لي الإبلاغ عن التشهير والتهديد بالقتل، بموجب القانون، وأنه من حقي المدني، شرع في تقديم بلاغ ضدي بتهمة “إهانة موظف”. تم احتجازي وإخضاعي للمراقبة بدون الحقّ في إجراء مكالمة هاتفية أو الحصول على ممثل قانوني أو دفع الكفالة.

… تم تجاهل حالتي الصحية، وحرمت من الأدوية التي أتناولها لأبقى على قيد الحياة. مرضت بشدة واضطروا لنقلي إلى المستشفى. لم يتم الاتصال بأمي حتى انقضى وقت التجول المسموح به، مما يعني أنها لا تستطيع فعل أي شيء لمساعدتي حتى صباح اليوم التالي. تم تعيين الكفالة الخاصة بي بمبلغ باهظ قدره 15000 درهم”.

يشير التقرير إلى أنه، في 6 أكتوبر 2020، أدانت المحكمة الابتدائية بسيدي قاسم هذا الشاب بتهمة “إهانة موظف عمومي” وجنحة “خرق حالة الطّوارئ الصحية”، وحكم عليه بالسجن أربعة أشهر مع وقف التنفيذ، وغرامة 1000 درهم.

تظهر قضية هذا الشاب، كيف أن بعض رجال الشرطة هم مصدر للمزيد من العنف والتمييز ضد مجتمعات الميم/ عين+ في المغرب.

كما أجرت منظمة “نسويات” مقابلة مع شابة مغربية استهدفت من قِبل حملة التشهير وعانت من عنف عاطفي ونفسي من عائلتها ومجتمعها نتيجةً لذلك.

كما جاء في تقرير المنظّمة، فالشاهدة صرّحت بما يلي: “كنتُ ضحية حملة التشهير حيث تم تداول صورتي وميولي الجنسي ومعلوماتي الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي. شاهد الجميع في الحي الذي أسكن فيه المنشورات، وتوصّل بها أخي. اضطررت إلى مغادرة منزلي لأنني كنت خائفة من رد فعل عائلتي. أمضيت ليلتين نائمة بجوار حارس سيارة أو حارس الأمن في الشارع. بغض النظر عن مدى صعوبة الأمر، تلقيت قدرا هائلاً من الدعم من مجتمع الميم عين+ والنشطاء المثليين الذين قدموا لي مسكنا ودعما عاطفيّا”.

تردف المتحدثة ضمن شهادتها لنسويات: أخيراً تواصلت مع شخص مقرب من أخي تمكن من إقناعه بأن المنشورات التّشهيرية كاذبة، وأخبره أن أشخاصا في نفس الموقف قد انتحروا خلال الأيام القليلة الماضية، وبعد ذلك اتصل بي للعودة إلى المنزل. كنت أشعر بعدم الأمان طوال الوقت.

تظهر حالة هذه الشابة، وفق منظمة نسويات، “كيف تفاقم العنف في الفضاء الرقمي خلال فترة کوفید -19، والعنف المنزلي بسبب حالة الطوارئ والحجر الصحي. كما يوضح كيف كان الدعم من النشطاء ومجتمع الميم /عين+ حاسما بشكل خاص خلال هذه الفترة”.

في النهاية، يبدو على نحو واضح أن مجتمع المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهويّة الجنسيّة وحاملي صفات الجنسين، يعانون من تمييز تساهم فيه الدولة والقانون والمجتمع والأسرة.

كما يتضح أنّ “مجتمع الميم”، يعيش في حالة خوف مطلق… إلى غاية أن يسقط الفصل 489 من القانون الجنائي المغربي، ويتم تغييره بقوانين للحماية.

متى يمكن أن يحدث ذلك؟

ربما… قريبا جدا.

لقراءة الجزء الأول: المثليون والعابرون الجنسيون بالمغرب… بين المنع القانوني والاضطهاد المجتمعي 1\2

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *