من كندا، نبيل جميل سليمان يكتب: في الغربة: احتدام الخلاف والعنف الأسري والطلاق
أضحت الخلافات الزوجية والعنف الأسري وحالات الانفصال والطلاق اليوم واقعاً مؤلماً في داخل الوطن وخارجه، وبلغت أرقاماً عالية تجاوزت الثلاثين في المائة في المجتمعات العربية المتواجدة في بلاد الانتشار. هذه …
أضحت الخلافات الزوجية والعنف الأسري وحالات الانفصال والطلاق اليوم واقعاً مؤلماً في داخل الوطن وخارجه، وبلغت أرقاماً عالية تجاوزت الثلاثين في المائة في المجتمعات العربية المتواجدة في بلاد الانتشار.
هذه النسبة مقلقة وتشير إلى تفكك أسري يذهب ضحيته الأطفال أولاً وأخيراً، بعد أن إزدادت في الآونة الأخيرة هجرة ملايين من العراقيين والسوريين وغيرهم، وإن تعددت أسباب اغترابهم.
كما أن الغربة تفرض حقيقتها عليهم وتنسحب على حياتهم واستقرارهم، وتحدث فجوة كبيرة بين ما عاشوه في بلادهم وبين واقعهم الحالي.
هذه الهوّة بين الحياتين، وتغيير البيئة وضمور العلاقات والألفة الأجتماعية، ورجحان التعامل المادي على المشاعر، فضلاً عن متغيرات أخرى في غاية الأهمية تتعلق بالمرأة؛ خاصة مساندة القوانين لها ووجود منظمات تعنى بشؤون المرأة، وخروجها للعمل وإستقلالها الاقتصادي؛ إضافة إلى ما تلعبه المدارس من دور بارز في كشف العديد من مظاهر العنف الأسري؛ وسهولة تحقيق الرغبات ومغريات الحياة الكثيرة… كل هذا وغيره أدى إلى تراكم العديد من أشكال سوء التفاهم بين الزوجين في العديد من الحالات.
تتصاعد وتيرة المشاكل لتصل إلى طريق مسدود يؤججها الواقع المعيشي المتواضع وحالة العوز الدائم في العديد من الحالات.
اقرأ أيضا: فاروق سلوم من السويد يكتب: أوهام الهجرة والاندماج. بداوة عربية في أرض المهجر
في بلدان الهجرة، تتمتع النساء الشرقيات المهاجرات بدعم قانوني مهم لهن ولحقوقهن. هذا الأمر يدفع اللواتي يعانين الظلم أو الاستبداد، إلى الخروج من لباس الخوف وطلب الإنفصال أو الطلاق.
بعض حالات الطلاق تكون كردّة فعل على تراكمات سابقة، أو صرخة في وجه تقاليد بالية كبّلت المرأة في المجتمع الشرقي عموماً، أو هي محاولة للتخلص من عنف وسيطرة الرجل، واللتين عانت منهما في مجتمعها الرافض لحرية المرأة. كما أن هناك حالات قد ينتج فيها الطلاق بسبب مزاج الزوجين وأنانية وتعند أحدهما…
المعاملة الصامتة – أو القطيعة – هي أقسى أنواع الحالات التي تمر على الزوجين
إلا أن المرأة في الوطن لا تجرؤ على القيام بمثل هذه الخطوات التي تؤثر على حياتها كاملة، لأنها قد تُحرم من أولادها، وتصبح عالة على أسرتها التي ربما لا تتمكن من حمل أعبائها. بالإضافة إلى تأثير السمعة، حيث إن لقب “مطلقة” يعتبر صفة معيبة! كل هذا يدلُّ على أن الطلاق، في الغالب، لا يكون وليد اللحظة، بل هو نتاج تراكمات الماضي لعدم التوافق والتفاهم كنتاج لزواج تقليدي أو لسوء الأختيار. لذا، تسعى المرأة لنيل حريتها، لما تحمله من عبء زواج ليست راضية عنه، بعدما تهيأت الظروف المساعدة للانفصال، خاصة أنها، في الغرب، لا تخسر حضانة أبنائها بسبب الطلاق.
اقرأ أيضا: من فرنسا، مريم أبوري تكتب: ولادة مهجرية. عن سوريا والهجرة والمخاض والألم
تقول الدراسات “بأن الخلافات بين الأزواج مفيدة للصحة، والنقاش والجدال وحتى الشجار”.. هذا يعني أن العلاقة بين الزوجين مازالت حيّة، ومازالت هناك رغبة في التعايش والاستمرار.
الذين يبدون أنهم أكثر الناس نجاحاً في الزواج هم أولئك الذين تعاملوا مع مشكلاتهم سوياً وتخطوها
الشجار رغم بشاعته، يمكنه أن يحل المشاكل وينظف الأجواء العائلية، إذ فيه متنفس للتوتر والضغوطات.
لكن، عندما يتحول الشجار إلى خصام وتسود “لغة الصمت” بين الزوجين وتطول مدتها، ينتقل الحال من الغضب إلى الحزن ثم يتطور ليكشف كل من الزوجين عن مساوئ الآخر؛ فتتولد مشاعر سلبية بعيدة عن أصل المشكلة، وتتسع الفجوة بينهما، ويتحول الغضب إلى حقد، وينتهي بقطيعة تسد الأبواب.
المعاملة الصامتة – أو القطيعة – هي أقسى أنواع الحالات التي تمر على الزوجين، فالشخص الذي يمتنع عن الكلام يكون غاضباً ومتكبراً، أما الشخص الذي يتلقى المعاملة الصامتة فهو “معاقب” من الطرف الأول، مما يشعره بالإحباط والذل.
وأخيراً، لا ننسى بأن الخلافات الزوجية هي “ملح الحياة”. عالم النفس السويسري بول تورنيير يعتبر أن “لدى كل زوجين مشكلات، وهذا شيء حسن، فالذين يبدون أنهم أكثر الناس نجاحاً في الزواج هم أولئك الذين تعاملوا مع مشكلاتهم سوياً وتخطوها”. لذلك، فقد بات من البديهي معالجة الخلافات الناشئة في الأسرة بشيء من الوعي والعقلانية والهدوء والإنصات إلى الآخر، وهذا ما يعرف بـ “التوافق مع الأزمة”؛ لأن العلاقة الزوجية الناجحة هي عندما يتجاوز الزوجان الألم باعتذار، بابتسامة، بلمسة حانية، بباقة ورد، بضمة قلب وقبلة في الجبين…