من فرنسا، مريم أبوري تكتب: ولادة مهجرية. عن سوريا والهجرة والمخاض والألم - Marayana - مرايانا
×
×

من فرنسا، مريم أبوري تكتب: ولادة مهجرية. عن سوريا والهجرة والمخاض والألم

تئن بصراخ مخنوق الصوت. تلتف النسوة حولها… كل واحدة تريد أن تقدم لها ما يخفف عنها آلام المخاض. تمشي بخطوات ثقيلة وبطيئة داخل الشقة الصغيرة والضيقة لصديقتها السودانية. تتكئ على …

تئن بصراخ مخنوق الصوت. تلتف النسوة حولها… كل واحدة تريد أن تقدم لها ما يخفف عنها آلام المخاض.

تمشي بخطوات ثقيلة وبطيئة داخل الشقة الصغيرة والضيقة لصديقتها السودانية. تتكئ على يدي الجارة الجزائرية التي تفسح لها الطريق برجليها؛ فأطفال هؤلاء النسوة بعثروا كل لعبهم على أرض الشقة.

تخطو كل خطوة بأنين وتطلب الله بلهجتها السورية الحلبية الجميلة، أن يلهمها الصبر والقوة، وأن يصل مولودها بصحة جيدة. تدعو وراءها كل النسوة بلهجاتهن المختلفة، الجزائرية والمغربية والسودانية والليبية.

أعدت لها شابة مغربية كوب قرفة كما كانت جدتها تعده لأمها وهي تنتظر لحظة الولادة. تشربه بصعوبة. يسود الشقة ضجيج كرنين النحل. صراخ وشجار الأطفال. جميع النسوة يتكلمن في نفس الوقت، فأبدع خليط اللهجات سمفونية غير مفهومة ولكن إيقاعها جميل.

اقرأ أيضا: سناء العاجي تكتب: أن تكوني أُمّا… أو أن لا تكوني!

زادت آلام المخاض. لم تعد تقوى على المشي. اتصلت صاحبة الشقة بسيارة الإسعاف، حيث فضلت النسوة أن يجتمعن كلهن عند جارتهن السودانية؛ لأن شقتها أكبر وأوسع مقارنة بمساحة شققهن.

تحاول كل واحدة من الجارات أن تخفي توترها لكي لا تزيد من خوف صديقتهن الحامل؛ فكلهن شابات عديمات التجربة. كلهن غريبات في بلد وصلن إليه مرغمات. فمن هاجرت للعيش مع زوجها؛ ومن هاجرت لتتابع دارستها فالتقت زوجها ببلاد الإفرنج فانقلبت كل مخططاتها، فلا رجوع للوطن؛ ومن رحلتها الحرب والبحث عن الأمن والأمان لها ولزوجها، كما هو حال السيدة الحامل التي فرت من جحيم سوريا بحثا عن لجوء اجتماعي بفرنسا في انتظار الالتحاق بألمانيا، حيث يعيش جل أفراد عائلتها الذين حالفهم الحظ وتمكنوا من الإنفلات من جحيم سوريا.

اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: برتقال درقاوة، بركة الدراويش وبركة جدي

ارتفع صوتها نحيبا… تبكي آلام المخاض بعيدا عن وطنها و عائلتها… بعيدا عن أمها التي لا تدري إن كانت على قيد الحياة أم أنها تحت أنقاض منزلهم الذي وصلها خبر سقوط صاروخ عليه. تبكي كل ما عاشته من ويلات لكي تصل إلى فرنسا منذ شهور، رفقة ابنتها وزوجها.

زاد نحيبها الذي أبكى باقي النسوة… يبكين حالها ويبكين غربتهن… وصلت سيارة الإسعاف… تداولت النسوة فيما بينهن، فقررن أن ترافقها صديقتهن الجزائرية أو المغربية، اللتان تتحدثان لغة موليير… بعد ساعات من الانتظار، جاء خبر الفرج: صديقتهن رزقت  بطفلة جميلة… طفلة سورية خرجت للحياة بعيدا عن أرض أجدادها… بعيدا عن الأعمام والأخوال والعمات والخالات. لكنها ستكون محاطة بخالات من أقطار عربية مختلفة، فرقت بلدانهن السياسة وجمعتهن الغربة وولادة طفلة سورية في مدينة فرنسية باردة، يدفئها اجتماعهن في شقة صغيرة وضيقة.

اقرأ أيضا: من فلسطين، عامر أبو شباب يكتب: المرأة الفلسطينية .. وجع مختلف ومعاناة متجددة

بعد أن اطمئن الجميع على الأم وعلى الطفلة، بدأت الاستعدادت لتهيئة طبق يعين الأم على استرجاع قوتها. بدأت المشاورات، إذ كل واحدة من الجارات تلح على أن طبق بلدها هو الأفيد لصحة الأم. كاد هذا الاختلاف أن يخلق أزمات دبلوماسية بينهن، فكل امرأة بطبق بلدها معجبة. تمكنّ من الوصول لحل وسط: كل يوم تعد واحدة منهن طبق بلدها لصديقتهن الأم السورية.

بهذا القرار الحكيم، أنقذن مفاوضات جامعتهن العربية في مطبخ شقة صديقتهن السودانية…. لم يتركن المجال لخلافاتهن كي تفسد عليهن فرحتهن بالمولودة الجديدة والتجمع حول صديقتهن ومساعدتها إلى أن تسترجع صحتها؛ فيخففن عليها بعض مرارة حزن البعد عن الوطن.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *