منطق كورونا يقوض منطق الانتقال الديمقراطي!!! - Marayana - مرايانا
×
×

منطق كورونا يقوض منطق الانتقال الديمقراطي!!!

  “لا تبقَ في بيتك، انزل إلى الشارع”، قبل عشر سنوات كان هذا هو الشعار الذي جعل الناس تحتج على حكومات بلادها. مشهد بدأ من تونس ومصر وسوريا وليبيا والبحرين …

 

“لا تبقَ في بيتك، انزل إلى الشارع”، قبل عشر سنوات كان هذا هو الشعار الذي جعل الناس تحتج على حكومات بلادها. مشهد بدأ من تونس ومصر وسوريا وليبيا والبحرين واليمن والمغرب، وبلغ مداه فينزويلا وفرنسا، قبل أن يعود إلى الجزائر ولبنان. طيلة تلك السنوات، بات معظم المهتمين والمتابعين مقتنعين أننا نعيش عصر الانتقال الديمقراطي بامتياز، حيث سطوة أصوات الناس تصدر في الشوارع حاملة آمالهم وطموحاتهم، وحيث التواصل الاجتماعي ومنصاته مفتوحة أمام كل الشعارات ذات الصلة.

اليوم، وبعد حوالي خمسة أشهر من بداية السنة الجديدة، بات الشعار الساري الغالب هو “ابق في بيتك”، فأي تجمع بشري ولو كان احتجاجا على الحكومة، قد يكون ثمنه جلب الموت الزؤام إلى طيف واسع من الناس، لأن فيروس كورونا المستجد من شانه أن يؤدي إلى وأد وإبادة الآلاف من المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة.

واقع تفاقم مع إصرار الإسبان على سبيل المثال على الانصياع لمنطق الديمقراطية بدل منطق التزام البيت الذي بات يفرضه كورونا، حيث النزول إلى مظاهرة نسائية جعل ضحايا الفيروس يزدادون بشكل لافت ومخيف.

إن منطق تخويف الناس من النزول إلى الشوارع والتكاثف في الساحات، كان شيئا مستهجنا إلى الأمس القريب، حينما تلجأ إليه الحكومات في أي بلد يشهد احتجاجات من أجل الديمقراطية. اليوم، بات الناس هم أنفسهم يستعملون وسائل التواصل الاجتماعي لكي يحرضوا على التزام البيوت، بل إن المفارقة أن الكثيرين يطالبون الحكومات اليوم بأن تلجأ سريعا إلى مصادرة حق التجول، والإعلان السريع عن حالة الطوارئ وحضر التجوال!. إنه الخوف على الحياة والحرص على البقاء، أمام مرض مصر على أن “البقاء أمامه لن يكن إلا للأقوى والأصلح”.

لا تقف مفارقة تقويض الكورونا لمنطق الانتقال الديمقراطي وهواجس الحرية عند هذا الحد، ففي الصين على سبيل المثال لم يكن البلد لينجو لولا خبرة “الاستبداد” التي لطالما استهجنها الفكر السياسي الغربي الحديث والمعاصر. بدأت أصوات تتعالى هنا وهناك منادية بأن الانضباط السكاني في الصين ما كان ليسمح بالحجر الصحي على ستين مليون إنسان في مدينة ووهان لوحدها، لولا هذا “الاستبداد” الذي أصبح أمام منطق كورونا “حميدا”.

في الصين ثمة استثمار لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات على نحو غير مسبوق في بلاد في الأرض، فالحكومة الصينية تعرف أدق التفاصيل عن مواطنيها، عبر ملايين الكاميرات المركونة في كل شوارع مدنها وقراها، وهي البلاد التي تكاد حكومتها تتحول إلى ما يشبهه البعض بـ”آلهة رقمية”، فهي تعرف كل شيء عن مواطنيها، معلوماتهم الشخصية وتفاصيل تركاتهم وبياناتهم القضائية والمالية، وحتى مشاعرهم وانفعالاتهم، كل شيء مخزن في البيانات الرقيمة، ويمكن استعماله في أي وقت، وبسبب هذا العامل تمكنت الحكومة الصينية من الوقوف في وجه واحد من أفتك أمراض العصر.

 

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *