الويب المغربي… هل أصبح مستنقعا للمحتوى غير الهادف؟ - Marayana - مرايانا
×
×

الويب المغربي… هل أصبح مستنقعا للمحتوى غير الهادف؟متخصص: "ينبغي إحداث مركز وطني للتربية الإعلامية عن بعد يعلم الناس التعامل مع الويب برؤية نقدية"

لاختبار سؤال الرداءة، ليس علينا سوى زيارة صفحات الـ”Tendance”على شبكات التواصل الاجتماعي، لنتعرف على المحتوى الأكثر تصفحا في الويب المغربي… فهل أصبح الأخير مستنقعا للمحتوى غير الهادف؟ كيف يؤثر هذا المحتوى في المجتمع ويعيد تشكيل الواقع؟ ثم أين يكمن الحل قصد التدارك؟

يقدر عدد مستخدمي الأنترنت بالمغرب عام 2019[1]، بأزيد من 22 مليون ونصف، بعدما كان عدد مستخدميه بداية هذه الألفية، 100 ألف فقط!

هذا الصعود الصاروخي الذي يفوق 22 ألف بالمائة لاستخدام الأنترنت في المغرب على مستوى الكم، يطرح بالمقابل سؤالا عن الكيف في الاستخدام.

في المغرب اليوم 15 مليون مستخدم لمنصة الفيسبوك، منصة التواصل الاجتماعي الأكثر انتشارا في العالم… هذه المنصة تعد مرآة حقيقية لنوع المحتوى الذي يتناوله المغاربة. وهو ما يطرح أكثر من سؤال عن هذا المحتوى الذي يعتبره الكثيرون: “هزيلا، رديئا وغير هادف”.

“أكثر من 80 بالمائة من محتوى الأنترنت بصفة عامة، محتوى غير هادف، يميل إلى الفضائح والجرائم والجنس وكل ما يتعلق بأخبار الفنانين. في حين أن المحتوى المعرفي ذي الفائدة، ربما لا يتعدى في أفضل الحالات 10 بالمائة”.

لاختبار سؤال الرداءة، ليس علينا سوى زيارة صفحات الـ”Tendance” (الصفحات التي تحقق أكبر نسب الزيارات والمشاهدات) على شبكات التواصل الاجتماعي، لنتعرف على المحتوى الأكثر تصفحا في الويب المغربي… محتوى جعل العديد ينشر ذات يوم وسم/هاشتاك “لا تجعلوا من الحمقى مشاهير”.

اقرأ أيضا: استخدام المغاربة للشبكات الاجتماعية… حينما يصبح الافتراضي واقعا!

هؤلاء المشاهير، بالأمس كانوا أشخاصا عاديين ثم تحولوا، بين عشية وضحاها، إلى نجوم يحملون صفات ألصقت بهم بالصدفة: فنان(ة)، مغني(ة)، يوتوبر، مناضل(ة)، صحفي(ة)، مؤثر(ة)، مخترع(ة) وعالم(ة)… بيد أن أغلبهم يتوارون عن الأنظار بمجرد الاستهلاك الآني!

الأمية الإلكترونية من بين الأسباب والانتشار الواسع لا يعني القبول بهذا المحتوى

في حديثه إلى “مرايانا”، يرى مهدي عامري، الأستاذ الباحث بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، أن لب مشكل انتشار المحتوى غير الهادف بالويب المغربي يتعلق بالأمية الإلكترونية: “متصفح الأنترنت أصابه نوع من الكسل الفكري. أصبح بنقرات سريعة يود أن يصل إلى المعلومة بسرعة أكبر. بل إنه في ظاهرة متفشية، أصبح عوض قراءة المحتويات كاملة، يكتفي بقراءة العناوين”.

وفق عامري، فإن هناك إحصائيات تشير إلى أن “أكثر من 80 بالمائة من محتوى الأنترنت بصفة عامة، محتوى غير هادف، يميل إلى الفضائح والجرائم والجنس وكل ما يتعلق بأخبار الفنانين. في حين أن المحتوى المعرفي ذي الفائدة، ربما لا يتعدى في أفضل الحالات 10 بالمائة”.

انتشار ظواهر مثل “إكشوان إكنوان”، هو في النهاية “ليس إقرارا وقبولا بهذا الخطاب”، إنما “اندهاش ورفض وفضول لدى المتلقي المغربي، الذي تفاجأ بظاهرة صنعتها مقاولات إعلامية وساهمت فيها شخصيات عمومية من باب الاستعراض في مجتمع تخترقه الفوضى الرقمية”.

من جهته، يرى ياسين بوشوار، الباحث في علم الاجتماع بالمعهد الجامعي للبحث العلمي، في حديث إلى “مرايانا” أن حضور الخطاب غير الهادف على الويب المغربي “ممارسة واضحة للعيان والأمر ليس بوليد الصدفة”.

هذا الحضور نتيجة طبيعية، وفق بوشوار، لسيرورة الانتقال الرقمي التي عرفها الفضاء العام: “هذا الانتقال حدث بشكل مفاجئ إذ انتشر الأنترنت، فأدى إلى إعادة إنتاج وموضعة الخطاب العمومي، الذي انتقل من مجال مغلق إلى مجال مفتوح”، موضحا أن هذا “الانتقال من وضعية التواصل إلى وضعية التفاعل، لا يفترض بالضرورة وجود خطاب عقلاني ذو هدف محدد”.

اقرأ أيضا: الشبكات الاجتماعية: فقاعة تشوه نظرتنا إلى العالم؟ 3/3

في هذا الصدد، يضيف الباحث ذاته عاملا آخر تسبب في هذا الحضور، وصفه بـ”الهدم الراديكالي لمفهوم البث العمومي، الذي كان محصورا في حدود القائمين بالاتصال، كالسياسيين والإعلاميين والمثقفين”.

لكن انتشار ظواهر مثل “إكشوان إكنوان”، هو في النهاية “ليس إقرارا وقبولا بهذا الخطاب”، يؤكد بوشوار، وإنما “اندهاش ورفض وفضول لدى المتلقي المغربي، الذي تفاجأ بظاهرة صنعتها مقاولات إعلامية وساهمت فيها شخصيات عمومية من باب الاستعراض في مجتمع تخترقه الفوضى الرقمية”.

الافتراضي يؤثر في المجتمع ويعيد تشكيل الواقع…

يرى محمد العلالي، أستاذ التعليم العالي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، في حديثه إلى “مرايانا” أنه لوسائل التواصل الاجتماعي “تأثير قوي في الأفراد والمجتمعات، إذ تعرض منتجات وخطابات وردود أفعال وتفاعلات في غاية التنوع”.

فبالقدر الذي تعكس فيه هذه الوسائل مظاهر الرداءة والضحالة، يضيف العلالي، بقدر ما هي “مجال للتعبير الحر والتعامل مع قضايا جدية في غاية الأهمية. مثال السودان أقوى دليل راهن على ذلك، حيث قامت السلطة القائمة بحجب الإنترنت عن المجتمع المنتفض”.

اقرأ أيضا: الشبكات الاجتماعية… فضاءات حرة لسلطة مضادة عمادها المواطنون! 1\3

بيد أنه يجب التمييز، يؤكد المتحدث ذاته، بين الفوضى التي تحدثنا عنها أعلاه، وبين الممارسات الإعلامية وفئة النشطاء إلكترونيا، وإن كانت الأخيرة تقوم بـ”ممارسات شبه صحفية تسهم على نحو فعال فيما يعرف بالمجال العام”.

الحل يكمن في “الحاجة إلى سن برنامج تأهيل تقني، قانوني، أخلاقي، وإعلامي، عبر آلية مؤسساتية رسمية، يمكن أن تأخذ صيغة “المركز الوطني للتربية الإعلامية عن بعد” كهيئة لإنتاج مضامين التربية الإعلامية والرقمية (الميديا ليترسي)”.

هذه الفئة، يوضح العلالي، “لم تتلق تكوينا في مجال الكتابة الصحفية ولا قوانين الإعلام وتشريعاته ولا أخلاقياته، ولا كيفية التعامل مع الأخبار الكاذبة والحق في الصورة، وهو ما ينعكس على جزء كبير من محتوى الويب كتعبير عن نبض المجتمع بشكل ما من الأشكال”.

هذا المحتوى، يقول ياسين بوشوار لـ”مرايانا”، “يتحول تدريجيا إلى ظاهرة اجتماعية مشتركة تفرض نفسها (نيبا نموذجا). على الرغم من انتشارها على أساس جزئي، فإن تأثيرها على العامة يحضر بقوة: إنهم يشكلون العقليات وأشكال السلوك، وتصرفات الفئات الاجتماعية ويعيدون تشكيل اللغة”.

من جهته، يرى مهدي عامري أن للمواطن نصيبا أيضا في هذه المشكلة، ويتساءل هنا فيما يتعلق بوعيه: “هل يمتلك ثقافة نقدية معرفية لوسائل التواصل؟ هل يمتلك تربية إعلامية تسمح له بانتقاء المعلومات؟ ولماذا يشارك في الثرثرة حول أخبار لا قيمة لها؟”.

أين يكمن الحل؟

لتدارك هذه الوضعية، يدعو مهدي عامري إلى تنزيل وتقرير مواد ودورات تكوينية في التربية الإعلامية الرقمية التي بـ”فضلها سيصبح لدينا مواطن واع بأبجديات وأخلاق، ليس فقط في النشر، ولكن أيضا في التصفح والقراءة على وسائل التواصل الاجتماعي”.

ولما لا، وفق المتحدث ذاته، “إحداث خلايا ومراصد وطنية للتفكير في كل ما له صلة بالتربية الإعلامية والرقمية، بهدف الرقي بالمضامين المنتشرة على هذه الوسائل”.

اقرأ أيضا: زمن الأنترنت… هل يعيش الإنسان خريف خصوصيته؟

من جهته، يرى العلالي في ختام حديثه إلى “مرايانا” أن الحل يكمن في “الحاجة إلى سن برنامج تأهيل تقني، قانوني، أخلاقي، وإعلامي، عبر آلية مؤسساتية رسمية، يمكن أن تأخذ صيغة “المركز الوطني للتربية الإعلامية عن بعد” كهيئة لإنتاج مضامين التربية الإعلامية والرقمية (الميديا ليترسي)”.

هذه الهيئة وفق المتحدث ذاته، سـ”تمكن شرائح واسعة من الناس، متعلمة وغير متعلمة، من الإلمام بكيفيات استخدام الميديا الجديدة بأبعادها المختلفة، للتعامل مع الويب وفق رؤية نقدية”.


[1]  عن موقع الإحصائيات: www.internetworldstats.com
تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *