لِماذا لا تُجسَّد شخصية الرسول محمد في السينما العربية؟ - Marayana - مرايانا
×
×

لِماذا لا تُجسَّد شخصية الرسول محمد في السينما العربية؟

أول هذه الحكاية يعود بنا إلى عام 1926… حين قررت شركة سينما ألمانية تصوير شريط سينمائي يحمل اسم “محمد رسول الله”، وقيل “محمد صلى الله عليه وسلم”. بتوجيه من مؤسس تركيا الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك، ساهمت الحكومة التركية ماليا في إنتاجه، كما كلفت لجنة من كبار علماء اسطنبول بقراءة السيناريو للتصريح بتصويره.

من دأب على مشاهدة الأفلام الدينية العربية حين تقدم قصة بداية الإسلام، سيلاحظ أن المَشاهد التي يفترض أن يظهر فيها “الرسول محمد”، لا يظهر فيها، أو في أفضل الأحوال يظهر فيها على هيأة نور.

فهل كان للسينما وجود في عهده، فأقر تحريما يخص ظهوره فيها، ثم حمل الرواة هذا التحريم إلينا؟ أم أنه تنبأ باختراع فن ما اسمه السينما مستقبلا، فاستبقه بتحريم تجسيد شخصيته فيها؟

من المؤكد أن شيئا من هذا لم يكن! فالرسول كما هو معروف، لا يحرم إنما ينقل ما ورد إليه وحيا إلى الناس من التحريم وحسب، فمن خول لنفسه تحريم ظهور الرسول في السينما العربية إذن؟ وما كانت حكاية ذلك؟

أول هذه الحكاية يعود بنا إلى عام 1926… حين قررت شركة سينما ألمانية تصوير شريط سينمائي يحمل اسم “محمد رسول الله”، وقيل “محمد صلى الله عليه وسلم”. بتوجيه من مؤسس تركيا الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك، ساهمت الحكومة التركية ماليا في إنتاجه، كما كلفت لجنة من كبار علماء اسطنبول بقراءة السيناريو للتصريح بتصويره.

كان السيناريو ينص على ظهور “الرسول محمد” في مشاهد خُطّط تصويرها في الصحراء السعودية. لكن، من سيؤدي دوره؟

منذ هذه اللحظة، تأسس شبه إجماع في العالم العربي الإسلامي بأنه يحرم تجسيد شخصية الرسول محمد في السينما. موقف تأكد وأخذ صبغة القداسة مرة ثانية، عام 1971، مع شريط “الرسالة” لمخرجه مصطفى العقاد.

أعلنت الشركة حينها عن إجراء مباراة عالمية ستضم ممثلين كبار، لتختار واحدا منهم للدور. لكن المباراة ألغيت، إذ استقر في الأخير رأي مخرج الشريط، التركي وداد عرفي، على الممثل المصري، يوسف وهبي، الذي كان يعرف بـ”عميد المسرح العربي”، لتشخيص دور الرسول.

وما كان ليوسف وهبي سوى أن يفرح بهذا “التشريف”، فقابله بالموافقة، أو كما قال لاحقا: “إنني إن كنت رضيت أن ألعب هذا الدور، فليس إلا لرفعة شأن النبي محمد وتصويره أمام العالم الغربي بشكله اللائق به وبحقيقته النبيلة”.

اقرأ أيضا: “عمر”.. الأضخم في الدراما العربية والأكثر تعرضا للانتقاد

إلى هنا، كل شيء على ما يرام…

يوسف وهبي
يوسف وهبي

إلى أن نشرت صحيفة “الأهرام” المصرية خبرا عن هذا الشريط، وما يعتزم يوسف وهبي فعله. الصحيفة لم تقف عند هذا الحد، بل أعلنت رفضها لهذا العمل وطالبت علماء الدين في مصر بالبث في هذه القضية حتى تتصدى للغط الذي يمكن أن يحدثه.

ما أن ذاع الخبر في مصر وانتشر فيها، حتى ثارت ثائرة الإسلامويين وفتحت أبواب جهنم في وجه يوسف وهبي: “كيف له أن يجسد شخصية الرسول؟ وما مؤهلاته لفعل ذلك؟”.

بعد أيام، كان شيخ الأزهر، مصطفى عبد الرازق، قد خرج بفتوى نشرت في الصحف المصرية آنذاك مفادها أن “الدين يحرم تحريما باتا تصوير الرسل والأنبياء والصحابة”.

اقرأ أيضا: حسين الوادعي يكتب: الأزهري الشجاع … والثلاثية العلمانية

قيل أيضا إن الأزهر قد راسل ملك مصر فؤاد الأول بتحذير شديد اللهجة، يطلب منه أن يجتث فكرة تمثيل يوسف وهبي في الشريط. ثم تمادى في ذلك إلى مطالبة الملك بسحب الجنسية منه واعتباره مرتدا يجوز قتله.

نقل القصر الملكي تحذير الأزهر حرفيا ليوسف وهبي، فوجد الأخير نفسه أمام نارين، الإصرار على تمثيل الشريط ومن ثم الزج بنفسه في “الجحيم” الذي تعده له بلاده، أو الرفض ومن ثم يخيب أمله في تمثيل “شخصية” قال إنه حلم طويلا بتشخيصها.

لم يكن لوهبي سوى أن يخرج بأقل الخسائر فاختار الرفض؛ ثم راسل “الأهرام” بمقال يعلن فيه ذلك قائلا: “ليعلم إخواني المصريين أن شعاري ديني قبل كل شيء، وبناء على قرار أصحاب الفضيلة العلماء واحتراما لرأيهم السديد، أعلن أنني عدلت عن تمثيل الدور وسأخطر الشركة بعزمي هذا”.

منذ هذه اللحظة، تأسس شبه إجماع في العالم العربي الإسلامي بأنه يحرم تجسيد شخصية الرسول محمد في السينما. موقف تأكد وأخذ صبغة القداسة مرة ثانية، عام 1971، مع شريط “الرسالة” لمخرجه مصطفى العقاد.

اقرأ أيضا: فتاوى عجيبة: حينما يتوهج ذكاء بعض “علماء الدين”، هذه هي النتيجة! 2/1

منذ تلك اللحظة وإلى يومنا هذا، لا زالت المنطقة العربية الإسلامية تتأرجح بين قائل بالرفض وآخرون بجواز تجسيد شخصية الرسول في أشرطة السينما. على أن الغلبة في الأخير،-والكل يعرف ذلك-، ما تزال للرأي الأول، طالما أننا لم نر بعد “الرسول” في أي شريط سينمائي.

أيا كانت حجج هذا الطرف أو ذاك، رفضا أو جوازا، يبدو أن الإسلامويين قد توغلوا حتى فصلوا للسينما هي أيضا عباءة لا يظهر منها في الشاشة إلا ما يرونه “الأصوب”، رغم أن المنطق يقول: إن الآخر قد يكون على صواب أيضا!

هكذا إذن بدأت الفكرة تركية، وتركيا يومها كانت علمانية تؤمن بالحريات ولا خط أحمر لها سوى الانتصار لقيم الاختلاف والحرية … وشتان بين تركيا تلك الأيام، وتركيا أيامنا هذه التي تتجه حثيثا إلى الأسلمة التامة بفعل قيادتها. شتان بينهما، حتى لكأن مجرد التفكير فيما فكر فيه أتاتورك، اليوم، قد يعد جريمة.

تلك الفكرة حفلت بها يومها جرأة مصرية، تجسدت في قامة فنية اسمها يوسف وهبي، آمنت بأن ما من خطوط حمراء في الفن؛ لكنها تكسرت على أعتاب الأزهر، وعلى مناخ عام متصلب لفهم واحد للإسلام.

اقرأ أيضا: منع الكتب: سلاح الاستبداد في محاربة التحرر

ثم حتى حين جاء مخرج إيراني في السنوات الأخيرة وصور شريطا سينمائيا عن الرسول، يظهر فيه ولأول مرة، خرج مرة أخرى “الوصي على الدين الإسلامي”، جامعة الأزهر، بتصريح يقول فيه: “نطالب إيران بمنع نشر الفيلم لئلا تنخرط صورة النبي المزيفة في وعي المسلمين”.

أيا كانت حجج هذا الطرف أو ذاك، رفضا أو جوازا، يبدو أن الإسلامويين قد توغلوا حتى فصلوا للسينما هي أيضا عباءة لا يظهر منها في الشاشة إلا ما يرونه “الأصوب”، رغم أن المنطق يقول: إن الآخر قد يكون على صواب أيضا!

فهل سيظهر “الرسول” يوما ما في السينما العربية؟

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *