العنف القائم على النوع الاجتماعي في القطاع السينمائي: أرقام صادمة في ظل خواء تشريعي
سلطت دراسة أجرتها “جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان” الضوء على العنف القائم على النوع الاجتماعي في قطاع السينما المغربية، خاصة العنف الموجه ضد المرأة بمختلف أشكاله.
عُنف مُمارس وجد في هذا القطاع بيئة خصبة للظهور والانتشار، من خلال علاقات التراتبية والتسلط الذكوري الممارس داخل هذا القطاع، ناهيك عن غياب إصلاحات قانونية من أجل وضع قواعد مهنية من أجل مكافحة كافة أشكال التمييز والعنف القائم على النوع.
%80 من العاملات في القطاع السينمائي المغربي، المشاركات في الدراسة التي سنفصل فيها لاحقا، أكدن تعرضهن شخصيا، أو أنهن كنَّ شاهدات على حالة على الأقل من العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال حياتهم المهنية.
هذا واحد من الأرقام الصادمة التي نطالعها في دراسة استطلاعية أنجزتها “جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان”، عن مهنيات في قطاع السينما بالمغرب.
نظريا، المغرب اتخذ مجموعة من الخطوات والإجراءات القانونية والاجتماعية من أجل الحد من ظاهرة العنف القائم على النوع الاجتماعي.
خطوات برزت بشكل أساسي من خلال الاستراتيجية الوطنية لمحاربة العنف ضد النساء 2020-2030، التي أطلقتها وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، من أجل مواكبة الإصلاحات القانونية المنجزة لحماية النساء، وتفعيل مختلف الالتزامات الوطنية والدولية المترتبة عنها.
خطوات تجلت، كذلك، من خلال القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، إذ يعد، حسب البعض، ثورة في الترسانة القانونية المغربية، باعتباره إطارا قانونيا خاصا بمحاربة كافة أشكال العنف ضد المرأة.
لكن، ومع ذلك، لا يزال العنف قائما ومستمرا، حتى في قطاعات قد لا نتوقعه فيها، كالقطاع السينمائي والفني والتلفزيوني.
دراسة استطلاعية أنجزتها “جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان”، كشفت أن العنف ضد المرأة يشكل جزءا من الحياة اليومية للمهنيات في قطاع السينما بالمغرب.
الرقم الذي قدمته الدراسة مُرعب، بل ويدق ناقوس الخطر.
80% من المشاركات في هذه الدراسة، كما قلنا سالفا، أكدن تعرضهن، أو أنهن كن شاهدات على حالة على الأقل من العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال حياتهم المهنية.
في أشكال العنف الممارس
الدراسة التي أنجزت بدعم من الاتحاد الأوروبي كشفت، كذلك، انتشارا واسعا للعنف القائم على النوع الاجتماعي في قطاع السينما، والذي يأخذ أشكالا متعددة منها النفسي، والاقتصادي، والجنسي.
حسب نفس الدراسة، تبين من خلال تحليل نتائج المقابلات أنه تمت الإشارة إلى العنف النفسي 10 مرات باعتباره الشكل الرئيسي للعنف السائد في قطاع السينما، يليه العنف الاقتصادي ثم الجنسي، كما أنه لم تتم الإشارة إلى العنف الجسدي كشكل رئيسي للعنف.
أشارت معظم المشاركات إلى تعرضهن لهذا النوع من العنف الذي يتجلى في الإهانات، وتقليل قيمة العمل، وخلق أجواء من التوتر، والذي غالباً ما يُمارس من قبل رؤساء العمل أو الزملاء، مع ما يخلفه ذلك من آثار جانبية على الضحايا.
يتخذ العنف الاقتصادي، وفق الدراسة، ممارسات يمارسها الرؤساء التراتبيون الذين لا يتحلون بالشفافية أثناء تحديد المهام، ويقترحون عقودا تخدم مصالهم بشكل أساسي.
بالنسبة للعنف الجنسي، فإنه يعد الأكثر إيلاما وتعقيدا، والممثلات الشابات هن الأكثر عرضة له. يتجسد هذا العنف في التلميحات الجنسية والابتزاز، أو الملامسات غير المرغوب فيها. وأرجعت الدراسة انخفاض التصريحات بهذا النوع من العنف إلى الخوف من وصمة العار وكذلك الخوف من ردود الأفعال.
مجال يسطو عليه الرجل؟
الدراسة كشفت، أيضا، أن العنف ضد النساء المهنيات في قطاع السينما ليس بالظاهرة الجديدة، على اعتبار أن عالم السينما فضاء جماعي ومختلط تحكمه التراتبية، ويؤطرة بشكل خاص الرجال.
الدراسة قدمت بعض الأرقام في هذا الصدد، معتمدة على دراسة أخرى أعدتها “الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب”، تحت عنوان “زوم حول حضور المرأة والرجل في القطاع السينمائي بالمغرب”.
بالنسبة لمهن الإنتاج، فإن نسبة النساء في هذا المجال لا تتعدى 20%، أما في ما يخص المهن التقنية (التقاط الصور، تسجيل الصوت، الإضاءة، تشغيل الآلات، المؤثرات الخاصة…)، فلا يتجاوز حضور المرأة فيه 3.6%.
المهن التي يشكل فيها حضور النساء نسبة أكبر قليلا، تتعلق بالتصور التقليدي القائم على تقسيم العمل حسب النوع، على غرار تصفيف الشعر الذي تشكل فيه النساء 65%، أو الملابس بنسبة 47%.
حسب هذه الأرقام، فإن بيئة العمل في المجال السينمائي، تعززها العلاقات الاجتماعية المبنية على النوع، علاقات تأخذ شكلها من خلال القواعد والقيم الاجتماعية التقليدية والسائدة.
بيئة مواتية لممارسة العنف
اعتبرت دراسة “جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان”، أن العنف القائم على النوع الاجتماعي يقع في غالب الأحيان نتيجة ضعف الإطار المهني الذي يخلق بيئة مواتية لوقوع كافة أشكال العنف ضد المرأة، ومن بينها ضعف مستوى تسيير ديناميات الفريق، في ظل وجود فرق غير متجانسة في أغلب الأحيان، وخاصة خلال التصوير حيث ترتبط كل المهن ببعضها البعض أو عدم التقدير المضبوط للموارد اللازمة للإنتاج الذي يؤثر بشكل مباشر على التزامات الإنتاج تجاه الفرق وخاصة النساء.
كما أن غياب مدونة سلوك تبسط القيم والمبادئ الأساسية للعمل داخل الهياكل المرتبطة بقطاع السينما، تجعل آلية الانتصاف الداخلي تواجه عدة عقبات، تتمثل في عدم تعامل رؤساء الشعب بجدية مع شكاوى الضحايا، ووجود ثقافة تتسامح وتستخف بجميع أشكال العنف، خاصة تلك التي تقوم على العنف القائم على النوع بحجج يختلقها مرتبكو العنف.
الوثيقة لفتت إلى وجود عقبات أخرى ترتبط بضعف تحسيس مهنيات قطاع السينما بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، إلى جانب عدم الوعي بحقوقهن وإجراءات الانتصاف الداخلية والخارجية، فضلاً عن ضعف التضامن بين زملاء العمل، إلى جانب التخوف من انتقام مرتكبي العنف، الذي تعززه حقيقة سيطرة الرجال على القطاع الذين إما يشتركون في الممارسات نفسها أو يعبرون عن اللامبالاة تجاهها.
من جانب آخر، كشف الناقد السينمائي، مصطفى العلواني، في تصريح لمرايانا، إلى أن السينما في المغرب، ما زالت مرفقا هشا يفتقر لقوانين مهيلكة، بل إن القانون المؤطر الذي يجري تنزيله تم تهييئه بطريقة فوقية وبعد تشاوري وتشاركي صوري.
مصطفى العلواني أضاف: “نسبة كبيرة جدا من الفتيات والنساء اللائي يقبلن على هذا المجال يعانين هن الأخريات من هشاشة أوضاعهن، ويكون التحاقهن بالميدان يشبه نوعا من “الحريك”، ناهيك عن ضعف حضور تقاليد تحمي أخلاقيات المهنة”.
ما الحل؟
حسب الناقد السينمائي مصطفى العلواني، فالحالات التي أثيرت وخرجت للعلن قليلة، لكن سرعان ما تم الالتفات إليها. لهذا، فالتحرك على هذا المستوى، مهما كان متواضعا، من شأنه استنهاض الهمم وتوفير نوع من التضامن لمواجهة هذا الوضع المستفحل.
الدراسة أوصت من جانبها باتخاذ إصلاحات قانونية من أجل وضع قواعد مهنية لمكافحة كافة أشكال التمييز والعنف القائم على النوع، وكذلك لضمان احترام ظروف عمل المهنيات في قطاع السينما وفقاً لقانون الشغل ودفاتر التحملات المبرمة مع الجهات الوصية، إضافة إلى إدراج وحدات التكوين المتعلقة بحقوق المرأة بشكل منهجي، خاصة ما يتعلق بالوقاية والحماية من جميع أشكال العنف القائم على النوع على مستوى المدارس ومؤسسات تكوين مهنيات ومهنيي القطاع السينمائي.
إضافة إلى تنظيم حملات تحسيسية لفائدة النساء المهنيات في قطاع السينما، مشددة في هذا الإطار على أهمية انخراط المؤسسات الوطنية والمجتمع المدني في هذا المستوى، علاوة على فتح نقاش عمومي حول مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي في القطاع السينمائي على هامش انعقاد المهرجانات الوطنية والدولية.