أرض الكيف: صور من بلاد المجهول والخوف … الصورة الأولى: عشبة عالمية واقتصاد متباين 1/3
في هذا الملف، مرايانا تقتحم مناطق زراعة الكيف وتقدم بعضا من الصور المخفية للمنطقة
يوم الخميس 25 فبراير 2021، وضع وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت على جدول المجلس الحكومي، مشروع القانون رقم 13-21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، ليعيد نقاش تقنين القنب الهندي إلى الواجهة، بعد ركود دام سنوات.
يظل من الصعب تقدير المساحات المزروعة وإنتاجياتها، إذ لا تخضع الدول لمعايير علمية، ويسجل التذبذب في تصريحاتها وأرقامها، كما أن عددا كبيرا منها لا يقدم إحصاءاته بشكل دوري، وهو ما يجعل من الصعب رصد الاتجاه العام لإنتاج واستهلاك القنب الهندي ومشتقاته.
كان نقاش التقنين قد أصبح، منذ سنوات، أمرا مألوفا كلما اقتربت الاستحقاقات الانتخابية، لدرجة جعلت البعض يصفه بالفرجة الانتخابية، خاصة أن هذا النقاش تزعمه حزبا الاستقلال والأصالة والمعاصرة. سبق لكليهما أن وضعا مقترحات للتقنين، لكنها لم تتجاوز عتبة مجلس النواب، ليقبر النقاش بمجرد نهاية الاستحقاقات الانتخابية.
على عكس المرات السابقة، لم يقدم مشروع قانون التقنين هذه المرة من طرف الأحزاب السياسية، بل من طرف وزارة الداخلية، برمزياتها داخل النسق السياسي المغربي؛ وهو ما اعتبر مؤشرا عند البعض على تحول نوعي في تعاطي الدولة مع الملف، وسحب البساط من تحت أقدام الأحزاب.
تقديم الدولة لمشروع التقنين يأتي في سياق دولي يتميز بتغير المقاربة الدولية للقنب الهندي أو الكيف، ففي 3 دجنبر 2020 قامت لجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة، بالتصويت على إزالة عقار القنب المستخدم لأغراض طبية من قائمة العقاقير الأكثر خطورة في العالم؛ فيما ارتفعت أصوات عديدة تنادي بتغيير مقاربات الدول مع القنب الهندي، وتوجهت عدد من دول العالم نحو تقنين الاستعمالات “غير الطبية” للقنب، خاصة في كندا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول.
في هذا الملف، تفتح مرايانا ملف القنب الهندي في المغرب، وتلقي الضوء على ما يرتبط به من تعقيدات تاريخية واقتصادية وسياسية، وتقدم صورة عن المنطقة التي لازال جزء منها مجهولا.
القنب… أكثر المخدرات تعاطيا
يعتبر القنب على المستوى العالمي أكثر المواد المخدّرة تعاطیًا، إذ قدر عدد متعاطيه سنة 2018 بنحو 192 ملیونًا، أي ما يناهز 3.9 في المائة من سكان العالم الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة. تتباين النسبة بين الدول والمناطق، إذ بحسب بعض الأرقام غير الرسمية في المغرب، تصل نسبة الإدمان عليه إلى 3.93 من مجموع السكان، بينما سجلت أعلى نسبة في الأوروجواي حيث تصل إلى 8.9 في المائة. في الولايات المتحدة الأمريكية، وصلت النسبة إلى 4.7 في المائة من السكان، وفي بوليفيا إلى 2 في المائة، وما بين 6 إلى 7 بالمائة من السكان في أوروبا الغربية والوسطى.
عشبة عالمية… والمغرب في الصدارة
على عكس ما قد يبدو، فإن إنتاج القنب الهندي أو الكيف ليس حصرا على المغرب أو بضع دول، بل الواقع أنه يوجد في معظم دول العالم. بحسب آخر تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فقد “أبلغت 151 دولة عن زراعة نبات القنّب بها خلال الفترة من 2010 إلى 2018، وهذه الدول تضم 96 في المائة من سكان العالم”. تنتشر هذه الزراعة بشكل أساسي في الدول التالية: “المغرب، المكسیك، الولایات المتحدة، كندا، الباراغواي، البرازیل، جامایكا، نیجیریا، السودان، إيران، السنغال، ھولندا، إیطالیا، الاتحاد الروسي، أوكرانیا، أفغانستان، باكستان، لبنان، الھند، إندونیسیا، الفلبین، أسترالیا”.
برغم كل ما تدره على المغرب من عائدات، وصلت بحسب التقرير الأمريكي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في مارس 2017 إلى 23 مليار دولار (أي ما قدرته ب 23% من الناتج الداخلي الخام للمغرب)، يبلغ مجموع ما تستفيده هذه المناطق، أقل من ملياري درهم فقط (حوالي 250 مليون دولار).
يظل من الصعب تقدير المساحات المزروعة وإنتاجياتها، إذ لا تخضع الدول لمعايير علمية، ويسجل التذبذب في تصريحاتها وأرقامها، كما أن عددا كبيرا منها لا يقدم إحصاءاته بشكل دوري، وهو ما يجعل من الصعب رصد الاتجاه العام لإنتاج واستهلاك القنب الهندي ومشتقاته.
على العموم، يظل المغرب في صدارة الدول المنتجة والمصدرة للقنب، إذ بلغت، سنة 2018، مساحة الأراضي المزروعة بالقنب 47500 ھكتار، أنتجت 23699 طن من عشبة الكيف، نتج عنها 423.58 طن من الراتنج (مستخلصات عشبة الكيف ومن بينها الحشيش)، مع الإشارة إلى أن الناتج –حسب الأرقام الرسمية- عرف انخفاضا مقارنة مع سنتي 2016 و 2017، إذ سجل في الأولى 713 طنا، بينما ارتفع في الثانية إلى 714.06 طنا.
يشير التقرير السنوي لمكتب الأمم المتحدة، المعني بالمخدرات والجريمة، إلى أن المغرب يعد أيضا أول مصدر لراتنج القنب الهندي، إذ ورد ذكره بنسبة تصل إلى 20%، كالدولة المصدرة الرئیسیة في جمیع الحالات المضبوطة لراتنج القنب عبر العالم (سجل التقرير 1.4 مليون عملیة ضبط مرتبطة بالقنّب خلال سنة 2018).
يضيف ذات التقرير أن راتنج القنب المرزوع في المغرب يخصص إضافة إلى الاستهلاك المحلي، للتصدير نحو أسواق شمال إفریقیا وغرب ووسط إفریقیا، وشرق أوروبا وجنوب شرق أوروبا.
مناطق الكيف… أرض الغنى/الفقر
تقود دراسة مناطق الكيف، من الناحية الاقتصادية، إلى الوقوف على المفارقات التي تطبع هذا المجال، حيث تعرف مناطق زراعة الكيف تباينا كبيرا فيما بينها، إلا أنها تشترك في ضعف البنيات التحتية.
برغم كل ما تدره على المغرب من عائدات، وصلت بحسب التقرير الأمريكي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في مارس 2017 إلى 23 مليار دولار (أي ما قدرته ب 23% من الناتج الداخلي الخام للمغرب)، يبلغ مجموع ما تستفيده هذه المناطق، أقل من ملياري درهم فقط (حوالي 250 مليون دولار).
حسب تقرير لمكتب محاربة المخدرات والجريمة سنة 2003، فإن نسبة استفادة الفلاحين من مداخيل الكيف لا تتجاوز 1%، وقدرت آنذاك مداخيل الفلاحين بـ20900 درهم سنويا للأسرة التي يبلغ متوسط أفرادها في هذه المناطق سبعة أفراد.
بسبب مجمل التراكمات التاريخية والاجتماعية التي عرفتها مناطق زراعة الكيف، فقد أصبح الفلاحون مفتقدون لتقنيات الفلاحة، سواء منها التقليدية أو العصرية، ما جعلهم يعتمدون بشكل شبه كامل على اليد العاملة القادمة من مناطق أخرى، إذ تشغل المنطقة أكثر من مليون عامل سنويا، بأجر بلغ في المتوسط 80درهم/لليوم، وقد يصل إلى 160درهم/لليوم، دون المأكل والمبيت.
تكشف هذه الأرقام عن حجم المفارقة التي تعرفها هذه المناطق، وإن كانت، كما استقيناه من مصادر محلية أخرى، تظل غير دقيقة بسبب اختلاف بنيات المنطقة وطبيعة سكانها، وخضوعها لمؤثرات أخرى، تحكمها طبيعة البذور المستعملة، ومساحة الملكيات، وموقعها، والري، والمناخ وعوامل أخرى. هذا الأمر يجعل المناطق المعنية تشهد تفاوتات كبيرة جدا، خاصة في ظل تنوع حقول الكيف واختلافها، إذ يمكن أن تجد ملكيات كبيرة وأخرى صغيرة، رغم أنها تقدر في المتوسط بحوالي 1,6 هكتار للأسرة منها 1.3 هكتار بورية و 0,3 هكتار مسقية تستفيد منها حوالي المليون نسمة، إلا أنها تتباين بحسب المناطق.
تميزت المناطق التاريخية لزراعة الكيف، المتمركزة في مناطق الريف الأوسط (كتامة، بني سداث، بني خالد) بوعورة تضاريسها وغزارة الأمطار فيها مع عدم انتظامها، وبتربة فقيرة، وحساسية إزاء التعرية، إضافة إلى ملكياتها الفلاحية الصغيرة والمجزأة وتضاريسها الصعبة ومناخها البارد. إلا أن المناطق التي امتدت لها الزراعة منذ أواسط السبعينيات، على النقيض من ذلك، تتميز بمساحات منبسطة، وبملكيات كبيرة، أو متوسطة، ما يسهل عليها اعتماد المعدات الحديثة في الزراعة، خاصة مع توفر فرشة مائية مهمة، لا تتوفر في المناطق التاريخية.
كل ذلك أدى إلى وجود تباين حقيقي في الاستفادة الاقتصادية من الكيف، بين المناطق التاريخية والمناطق الحديثة، فإذا كانت هذه الأخيرة تعرف أنشطة اقتصادية وفلاحية موازية، بحيث تغدو زراعة الكيف موردا إضافيا، فإن المناطق التاريخية عرفت أزمة حقيقية، كون الكيف هو الزراعة المعاشية والنشاط الاقتصادي الوحيد بالمنطقة، والذي تراجعت مداخيله بسبب منافسة المناطق الحديثة، والتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها المنطقة.
بسبب مجمل التراكمات التاريخية والاجتماعية التي عرفتها مناطق زراعة الكيف، فقد أصبح الفلاحون مفتقدون لتقنيات الفلاحة، سواء منها التقليدية أو العصرية، ما جعلهم يعتمدون بشكل شبه كامل على اليد العاملة القادمة من مناطق أخرى، إذ تشغل المنطقة أكثر من مليون عامل سنويا، بأجر بلغ في المتوسط 80درهم/لليوم، وقد يصل إلى 160درهم/لليوم، دون المأكل والمبيت.
قد تبدو هذه الصورة مخالفة للتمثل السائد حول المنطقة، لكن…
في الجزء الثاني من هذا الملف نقدم صورة أخرى من صور المنطقة.
اقرأ أيضا
الجزء الثاني: أرض الكيف: صور من بلاد المجهول والخوف… الصورة الثانية: مقاومة مطموسة ومجال لإبراز الهيمنة 2\3
الجزء الثالث: أرض الكيف: صور من بلاد المجهول والخوف… الصورة الثالثة: أرض الخوف 3\3
الكيف والدين: الإخوة الأعداء : 1\2 النبتة المقدسة
الكيف بين اليهودية، المسيحية والإسلام: علاقة الكيف بتدين المغاربة 2\2