أرض الكيف: صور من بلاد المجهول والخوف… الصورة الثالثة: أرض الخوف 3 - Marayana - مرايانا
×
×

أرض الكيف: صور من بلاد المجهول والخوف… الصورة الثالثة: أرض الخوف 3\3

كيف تحولت بلاد الكيف إلى أرض صراع سياسي ثم أرض للخوف؟ وكيف هو الوضع الحقوقي في المنطقة؟ وما هو الوضع الحالي في بلاد الكيف؟
هذه أبرز النقاط التي يتناولها الجزء الثالث والأخير من ملف مرايانا حول بلاد الكيف

توقفنا في الجزء الأول من هذا الملف عند بعض المفارقات التي تطبع زراعة الكيف من الناحية الاقتصادية، وتوقفنا في الجزء الثاني عند بعض من أهم المحطات في تاريخ الكيف بالمغرب.

في هذا الجزء، الثالث والأخير، نتوقف عند التوظيف السياسي للكيف في مغرب ما بعد الاستقلال.

بعد الاستقلال، لم تكن مناطق زراعة الكيف بمنأى عن صراعات سنوات الرصاص، وسعي الدولة إلى الضبط السياسي للمنطقة.

الكيف تحييد سياسي لمناطق زراعة الكيف

مع أواخر الستينيات، ستعرف المنطقة تحولات اقتصادية مهمة، حيث بدأ المزارعون بتحويل الكيف إلى مخدر الحشيش بسبب الإقبال الأوروبي المتزايد على الكيف المغربي، مع تنامي موجة “الهيبي” التي شهدتها أوروبا، وانخفاض إنتاجية لبنان وأفغانستان وتركيا من مخدر الحشيش.

النتيجة اليوم… هي وجود أكثر من 54000 مبحوث عنه بتهمة زراعة القنب الهندي (حسب بعض الأرقام غير الرسمية)، إضافة إلى آلاف المساجين بنفس التهمة (قدرهم نور الدين مضيان رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب بحوالي 30 ألف سجين).

هذا الوضع الجديد، سيدفع السلطات المغربية إلى إصدار ظهير 1974، الذي جرم زراعة وإنتاج القنب الهندي. موازاة مع ذلك، تم التغاضي عن اتساع المساحات المزروعة، حيث اتسعت الرقعة الجغرافية لتشمل أقاليم جديدة، فيما يرى فيه البعض نوعا من التحييد السياسي لمنطقة كانت محتقنة.

استمرت المساحات المزروعة بالانتشار، إلى أن أصبحت تشمل مناطق عديدة: “تاونات، العرائش، الحسيمة، تطوان، شفشاون، وزان”. أصبح المغرب، بالتالي، المصدر الأول للحشيش، قبل أن تشرع الدولة، مع مطلع الألفية الجديدة، في محاولات للتقليص من المساحات المزروعة، بفعل الضغوط الخارجية، وذلك بعد أن تجاوزت المساحات المزروعة 134 ألف هكتار حسب الإحصائيات الرسمية.

أرض الخوف

يرى البعض أن ظهير 1974، وما تبعه من حملات مستمرة على المزارعين أو التجار، كان يدخل في إطار الضبط السياسي للمنطقة. لم تسهم هذه المحاولات في تحييد المنطقة سياسيا فقط، بل خلقت وضعا اجتماعيا محتقنا، إذ أصبح سكان مناطق زراعة الكيف في حالة سراح مؤقت، على اعتبار أن النشاط الممارس من قبل كل الفلاحين ممنوع بقوة القانون؛ وهذا ما فتح الباب للتعامل بانتقائية و”انتقامية” مع الفلاحين، وتوظيف هذا القانون في النزاعات التي تحدث داخل المنطقة، سواء بين الأفراد أو حتى الجماعات.

النتيجة اليوم… هي وجود أكثر من 54000 مبحوث عنه بتهمة زراعة القنب الهندي (حسب بعض الأرقام غير الرسمية)، إضافة إلى آلاف المساجين بنفس التهمة (قدرهم نور الدين مضيان رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب بحوالي 30 ألف سجين).

ارتفاع عدد المتابعين خلق مناخا من الخوف وغياب الاستقرار النفسي والاجتماعي، بحيث أن آلاف المواطنين أصبحوا محرومين من إنجاز وثائقهم الإدارية، إذ يخاف أغلبهم من الوصول إلى الإدارات العمومية، خوفا من أن يكون اسمهم ضمن قائمة المبحوث عنهم. هذا الأمر أدى إلى وجود مئات المواطنين خارج سجلات الحالة المدنية والبطاقة الوطنية، مما يعني حرمانهم من الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم.

حضور الكيف في برنامج “الوافد الجديد” مكنه من الهيمنة على أغلب الجماعات الترابية، حيث حصل على الأغلبية المطلقة في بعض الجماعات رغم حداثته، ما أعاد من جديد طرح العلاقة بين الكيف والسياسة، وإن على نحو محتشم قبل سنة 2013.

تأثيرات هذا الضغط على المستوى الاجتماعي لا تقل عن السياسي، إذ أصبح سكان مناطق زراعة الكيف يتعاملون مع المنطقة كـ”قدر” أو”وصم” اجتماعي وقانوني. كما أدى غياب أي منافذ أخرى إلى جنوح الكثيرين نحو الإجرام، في ظل واقع يشيع فقدان الأمل والتهديد والخوف من المتابعات، هذا عدا عن الإدمان على المخدرات الصلبة، وتنامي حالات الانتحار بسبب الاكتئاب.

الكيف… أرض صراع سياسي

كما أشرنا لذلك في الجزء الأول من هذا الملف، فقد ارتبطت مشاريع تقنين القنب الهندي، بدء من الألفية الجديدة، بحزبين أساسيين هما حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة؛ وقد عمد هذا الأخير إلى الرفع من وتيرة النقاش حول الكيف، واتخاذ خطوات غير مسبوقة مرتبطة بالموضوع، كان أبرزها اللقاء الذي عقدته القيادات الحزبية للبام حول الكيف بفندق إساكن (بجماعة إساكن إحدى الجماعات المكونة لدائرة كتامة) سنة 2009، والذي اعتبرت فيه الدفاع عن المزارعين من صميم برنامج الحزب الانتخابي.

حضور الكيف في برنامج “الوافد الجديد” مكنه من الهيمنة على أغلب الجماعات الترابية، حيث حصل على الأغلبية المطلقة في بعض الجماعات رغم حداثته، ما أعاد من جديد طرح العلاقة بين الكيف والسياسة، وإن على نحو محتشم قبل سنة 2013.

سنة 2013 ستعرف تحولا أساسيا في خطاب الحزبين، إذ بادر الأصالة والمعاصرة إلى عقد لقاء بالبرلمان أواخر ذات السنة حول الاستعمالات الطبية والصناعية للكيف، بحضور “خبراء دوليين”، تلاه تقديمه لمشروع تقنين الكيف.

يقود استقراء علاقة الكيف بالسياسة إلى القول إنه مجال لإبراز الهيمنة والوجود، بدء من محاولات الحسن الأول، وما تبعه من سعي السلطات الاستعمارية إلى توظيفه في علاقة بحركات المقاومة، ومن ثم الى تحييد المنطقة سياسيا، والصراعات الانتخابوية وصولا إلى مقترح وزارة الداخلية.

في نفس الوقت، بادر حزب الاستقلال إلى تنظيم لقاءات محلية، وتقديم مشروع للعفو العام عن المزارعين المتابعين بتهمة زراعة الكيف، ومشروع قانون لتقنين الكيف.

حزب العدالة والتنمية لم يبق صامتا بدوره، إذ اقتحم النقاش حول تقنين الكيف، وقد اتسم تعاطيه مع الملف بنوع من التناقض، فمن جهة، عمل على خلق ودعم أذرع جمعوية في المنطقة، تؤيد التقنين وتدافع عنه، خاصة بمناطق باب برد وشفشاون؛ ومن جهة أخرى، رفع شعار الرفض وطنيا.

دخول فعاليات مدنية وحقوقية على خط النقاش حول التقنين، خلط الأوراق أمام الحزبين المحتكرين للنقاش، إذ وبمجرد مرور الاستحقاقات الانتخابية لسنتي 2015 و2016، خبا النقاش من جديد، قبل أن يعود للواجهة من خلال مشروع وزارة الداخلية، والذي يرى فيه البعض استعادة للدولة لدورها في هذه المناطق، بعد أن تنازلت عنها للأحزاب في سياق عالمي أصبح فيه الكيف أحد أدوات الثروة.

يقود استقراء علاقة الكيف بالسياسة إلى القول إنه مجال لإبراز الهيمنة والوجود، بدء من محاولات الحسن الأول، وما تبعه من سعي السلطات الاستعمارية إلى توظيفه في علاقة بحركات المقاومة، ومن ثم الى تحييد المنطقة سياسيا، والصراعات الانتخابوية وصولا إلى مقترح وزارة الداخلية.

 

إقرأ أيضا:

الجزء الأول: أرض الكيف: صور من بلاد المجهول والخوف … الصورة الأولى: عشبة عالمية واقتصاد متباين

الجزء الثاني: أرض الكيف: صور من بلاد المجهول والخوف … الصورة الثانية: مقاومة مطموسة ومجال لإبراز الهيمنة

الكيف والدين: الإخوة الأعداء : 1\2 النبتة المقدسة

الكيف بين اليهودية، المسيحية والإسلام: علاقة الكيف بتدين المغاربة 2\2

 

 

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *