محمد أنور السادات… في الطريق نحو منصة الاغتيال. حين ينقلب الوحش على مروضه 5/5
على الرغم من كون خطة اغتيال محمد أنور السادات في حد ذاتها تدل على أنّها صممت بطريقة ساذجة، مصحوبة بدرجة عالية من المصادفة، إلا أن المجموعة التي نفذت العملية استفادت من الهفوات الأمنية بالغة الخطورة التي صاحبت العرض العسكري منذ بدايته؛ مما أفضى إلى اختراق كل العوائق الأمنية، والتمكن في نهاية المطاف من تنفيذ “عملية ظافر” على مرأى ومسمع من العالم كله، فكان أول اغتيالٍ لحاكم مصري على يد أفراد شعبه…
ليبقى السؤال: من قتل السادات ؟!
اشتغل السادات دائما على تيمة الأبوّة ولعب دور “كبير العائلة”، حيث كان يخاطب شعبه بقوله “يا ولاد”… لكن ذلك لم يغن عن اغتياله في شيء.
صورته كـ”فلاح ديموقراطي”[1] يرتدي الجلباب البلدي للفلاح المصري في قرية ميت أبو الكوم مسقط رأسه، لم تحل دون تحوله إلى “البؤرة التي يرتكز عليها الغضب الشعبي العام”[2]. بل لم تشكّل محاولاته بين الفينة والأخرى للالتحام بالجماهير بشتى الصور فارقا بعد اغتياله حتّى؛ فقد قوبِل خبر “حادثة المنصة” برد فعلٍ شعبي ضعيف؛ على عكس ما ناله سلفه عبد الناصر من جنازة جماهيرية إبان وفاته في 30 سبتمبر 1970؛ حيث “أصابت المصريين هيستيريا جماعية وخرجت الملايين إلى الشوارع”[3]…
اغتيال السادات في المقابل، لم يلق جنازة شعبية كتلك. بل “أصاب الشعب المصري الهدوء والوجوم عند علمه باغتيال السادات”[4]؛ الذي حرص على مُفارقة عبد الناصر، وتسويق عهده بشكل مغاير عن قائده الراحل الذي ربما ساوره فيه، على عكس ما تم تسويقه إعلامياً، بعض (الكره) أو جلّه.
محمود جامع، أحد أصدقائه المقربين، يؤكد الأمر بقوله: “السادات كان يكره ناصر لأنه اعتاد تهميشه، ولم يعطه حقّه في تولي المناصب القيادية؛ حيث لم يدخله في التشكيلات الوزارية المتعاقبة، واكتفى بتعيينه في مناصب ثانوية… وقد قبل السادات على مضض وهادن عبد الناصر رافضا الإصطدام به، وبخبث شديد منح عبد الناصر توكيلا شفهيا بالتصويت نيابة عنه حسب رؤيته وقراره قائلا: صوتي دايما في جيبك يا ريس وأنا موافق بلا قيد ولا شرط”[5].
سألت مجموعة خالد الإسلامبولي طه السماوي “عن رأي الدين في قتل السادات”. لكن، ولأنه كان ذكيا إلى حد بعيد، فقد تحدث معهم حديثا عاما لم يذكر فيه اسم السادات. لكنه وصل بهم إلى وجوب قتل الحاكم الظالم. ولما كان السادات بالنسبة لهم حاكما ظالما، فقد قتلوه بمباركة فتوى السماوي “غير المباشرة”
شكَّلت سلسلة الإعتقالات التي شنّ السادات في أواخر عهده ضد كل الخصوم دفعة واحدة ردة فعلٍ عنيفة على حالة التمرد والعصيان التي باتت تحاصره؛ والتي تم على خلفيتها اعتقال محمد شوقي الإسلامبولي بسبب اتصاله بالجماعات الدينية في أسيوط. لم يكن أمر اعتقاله ليروق أخاه الأصغر خالد شوقي الإسلامبولي الذي اتخذ قراره، كما تابعنا ذلك في الجزء الرابع، بـ “إعدام الفرعون” على حد تعبيره؛ خاصة بعد خطاب السادات الأخير في 25 سبتمبر 1981 الذي كان النقطة التي أفاضت الكأس بالنسبة لعدد من مكونات تيار الإسلام السياسي.
لمعت فكرة اغتيال السادات في ذهن خالد الإسلامبولي مع تصميمه على تنفيذها بنفسه، وزاد يقينه على الأغلب لما “ألقت المقادير أمامه بكل شيء: القرار، والفرصة، والجو العام الملائم من وجهة نظره”[6].
اقرأ لنفس الكاتب: عصام العريان: هل قتله الليبراليون مرتين؟
لم يكن من يومٍ أنسب من يوم 6 أكتوبر لأجل تنفيذ عملية الاغتيال أثناء العرض العسكري الذي يضم الرئيس وقيادات حكمه وأركان نظامه.
أرجأ الإسلامبولي أسباب اغتياله للسادات إلى ثلاث مسبِّبات بالأساس تلخّصت في:
– قوانين البلاد غير الإسلامية.
– رفض سياسة الصلح مع اليهود.
– اعتقال واضطهاد علماء المسلمين.
وإذا ما “ترجمت هذه الأسباب من لغة الرمز الدينية إلى لغة حياة كل يوم: فإن السبب الأول يصبح هو تردي الأحوال الإقتصادية والإجتماعية في البلاد. والسبب الثاني يصبح اتفاقيات كامب ديفيد. والسبب الثالث يصبح حملة الإعتقالات الواسعة التي قام بها النظام في ذلك الوقت. قد يكون هناك سبب رابع يتصل مباشرة بالسبب الثالث، وهو أن محمد، الشقيق الأكبر لخالد، كان أحد الذين قبض عليهم ضمن حملة الإعتقالات الكبيرة يوم 3 سبتمبر، وكانت الشبهة فيه قائمة على أساس أنه من المتدينين المتطرفين[7].
“إن الحاكم قد طغى وتجبر ولا خلاص للأمة إلا بقتله. إننا عقدنا العزم على قتل فرعون مصر لعل الله ينقذها من الضياع في مصادقة الصهاينة وفساد الروح وخراب الذمم التي أرساها السادات”.
… كانت هذه الكلمات آخر ما كتبه خالد الإسلامبولي في ورقةً دوّن عليها وصيته في مساء الأحد 4 أكتوبر 1981 قبل مغادرته لمنزل شقيقته للمرة الأخيرة. يبدو من تلك الكلمات أنّه قد عقد العزم على تنفيذ عملية الاغتيال الشهيرة التي أودت بحياة الرئيس محمد أنور السادات.
لم يكن خالد الإسلامبولي منظما في تنظيمٍ ما، لكنّه تأثر بأفكار “طه السماوي”[8]. الأخير اعتبر أستاذا له، و”سببا في انتمائه لتنظيم الجهاد، ومن تم اغتياله للسادات”[9]. أضف إلى ذلك صلته الوثيقة بمحمد عبد السلام فرج، أمير جماعة الجهاد، صاحب كتاب “الفريضة الغائبة”، والذي عُرف عنه دعوته للجهاد. ما إن تم عرض فكرة اغتيال السادات عليه من طرف خالد، حتى قابل الفكرة بترحيب شديد، ووعد بأن يمدها بالرجال وبالذخيرة اللّازمين لتنفيذ العملية.
قبل تنفيذ عملية الإغتيال، سألت مجموعة خالد الإسلامبولي طه السماوي “عن رأي الدين في قتل السادات”. لكن، ولأنه كان ذكيا إلى حد بعيد، فقد تحدث معهم حديثا عاما لم يذكر فيه اسم السادات. لكنه وصل بهم إلى وجوب قتل الحاكم الظالم. ولما كان السادات بالنسبة لهم حاكما ظالما، فقد قتلوه بمباركة فتوى السماوي “غير المباشرة”[10].
“إن الحاكم قد طغى وتجبر ولا خلاص للأمة إلا بقتله. إننا عقدنا العزم على قتل فرعون مصر لعل الله ينقذها من الضياع في مصادقة الصهاينة وفساد الروح وخراب الذمم التي أرساها السادات”… كانت هذه الكلمات آخر ما كتبه خالد الإسلامبولي في ورقةً دوّن عليها وصيته في مساء الأحد 4 أكتوبر 1981
توضّح ذلك من خلال رسالة خالد الإسلامبولي لوالدته، والتي عُثر عليها في شقته من طرف أجهزة الأمن؛ وفي نصِّها: “إنّ هناك نهاية لكل ظالم، وإن الغنيمة الكبرى لأي مؤمن وخلاصه هي أن يقتل أو يُقتل في سبيل الله”[11].
مجموعة خالد الإسلامبولي (وتتكون من خالد الإسلامبولي، ضابط في الجيش المصري؛ عطا طايل حميدة، ملازم أول مهندس احتياط الجيش؛ حسين عباس محمد، رقيب متطوع بالدفاع الشعبي وعبد الحميد عبد السلام، عسكري)، وبعد استكمال كل الأسباب، استفادت بشكلٍ أو بآخر من حالة السخط العام على رئيس الدولة. حالة سخط عام كانت توفر ليس فقط مناخاً راضياً على الاغتيال لكن أيضاً مناخا متغاضياً عما قد يراه من تفاصيل تسعى في اتجاه الاغتيال. بذلك، تمكنت المجموعة من القيام بعملية اغتيال السادات بطلقاتٍ صوِّبت على عنقه وصدره أردته قتيلا مضرجا في دمائه في 6 أكتوبر 1981 في منصة استاد القاهرة أثناء العرض العسكري السنوي المقام على شرف “حرب أكتوبر”.
اقرأ أيضا: النظام الخاص الإخوانيّ من التكوين إلى التنفيذ (1)
على الرغم من كون خطة الاغتيال في حد ذاتها تدل على أنّها صممت بطريقة ساذجة، مصحوبة بدرجة عالية من المصادفة، إلا أن المجموعة المذكورة سلفا استفادت من الهفوات الأمنية بالغة الخطورة التي صاحبت العرض العسكري منذ بدايته؛ مما أفضى إلى اختراق كل العوائق الأمنية، والتمكن في نهاية المطاف من تنفيذ “عملية ظافر” على مرأى ومسمع من العالم كله، فكان أول اغتيالٍ لحاكم مصري على يد أفراد شعبه…
لكن القدر الهائل واللامنطقي من المصادفات والثغرات التي تهيّأت لحادثة اختراق المنصة، والسهولة غير المتوقعة في تنفيذ عملية الاغتيال أمورٌ لاشك تدعو للشك والارتياب.
في ظل فشل الحماية الأمنية فشلا ذريعا في اتخاذ التدابير الأمنية اللّازمة، تبقى الأبواب مشرّعةً أمام احتمالاتٍ شتى؛ كتبنّي نظريات التآمر الخارجي أو التفكير في تواطؤ الجيش مع إمكانية إيعاز الأمر إلى كونه كان مجرّد قصورٍ أمني… ليبقى السؤال:
من قتل السادات ؟!
لقراءة الجزء الأول: محمد أنور السادات… “رجل الظل” الذي صار رئيسا
لقراءة الجزء الثاني: محمد أنور السادات… الخروج من منطقة الظل. تصفية تركة عبد الناصر
لقراءة الجزء الثالث: محمد أنور السادات. استخدام الإسلام السياسي لتحجيم اليسار …. أخطاء “الرئيس المؤمن!”. 5/3
لقراءة الجزء الرابع: محمد أنور السادات… الخطاب الأخير. حين وقع “الرئيس المؤمن” قرار اغتياله! 4/5
[1] ياسر ثابت، صناعة الطاغية: سقوط النخب وبذور الإستبداد، دار الكتب للنشر والتوزيع، ص: 53.
[2] محمد حسنين هيكل، خريف الغضب، سلسلة جدران المعرفة 2006، ص: 386.
[3] محمد أبو الغار، على هامش الرحلة، دار الشروق، طبعة 2011.
[4] المصدر نفسه
[5] أمير سالم، الدكتور محمود جامع يفتح خزانة أسراره: عبد الناصر لم يحترم السادات، والسادات كان يكره عبد الناصر، جريدة الوفد، القاهرة 10 أغسطس 2006.
[6] محمد حسنين هيكل، خريف الغضب، سلسلة جدران المعرفة 2006، ص: 415
[7] المصدر نفسه، ص: 416
[8] طه السماوي (1946-2009) قيادي إسلامي مصري، يعد من الرعيل الأول المؤسس للتيار الجهادي الحديث في مصر.
[9] ماهر فرغلي، أمراء الدم، شركة الدلتا اليوم للصحافة والنشر والتوزيع والدعاية، الطبعة الأولى 2016، ص: 27.
[10] محمد الباز، الإسلامجي: أسرار دولة الشيوخ الخاصة، كنوز للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2015، ص: 241
[11] ماهر فرغلي، أمراء الدم، شركة الدلتا اليوم للصحافة والنشر والتوزيع والدعاية، الطبعة الأولى 2016، ص: 25.