محمد أنور السادات: استخدام الإسلام السياسي لتحجيم اليسار …. أخطاء “الرئيس المؤمن!” 5/3 - Marayana - مرايانا
×
×

محمد أنور السادات: استخدام الإسلام السياسي لتحجيم اليسار …. أخطاء “الرئيس المؤمن!” 5/3

كانت ردّة فعل محمد أنور السادات عنيفة للغاية…
في 3 سبتمبر 1981 بدأ بشنّ حملة اعتقالات واسعة شمِلت كلّ التيارات المتواجدة في السّاحة السياسية بُغية قمع السّياسيين المعارضين لاتفاقية “كامب ديفيد”، وتمّ اعتقال ما يزيد عن 1536 من رموز المعارضة السّياسية في مصر إلى جانب عدد من الكتاب والصحفيين ورجال الدين، وإلغاء إصدار الصحف المعارضة.

“تأتي المشكلة من تراكم الهفوات”

كلمات الرئيس البريطاني الأسبق ونستون تشرشل أصدقُ توصيفٍ لفترة رئاسة محمد أنور السادات لمصر؛ إذ لم يكن مشهد الاغتيال في منصّة العرض العسكري المُقام يوم 6 أكتوبر 1981 سوى تتويجا لسلسة من الهفوات التي تخلّلت العهد الساداتي، وطبعت سياسة “المستبد المستنير” كما عند جمال الدّين الأفغاني، والتي تبنّاها السادات أيام حكمه.

بدأت بوادر الأزمة، التي أدت في نهاية المطاف إلى اغتيال السادات، عند اعتقاده أنّ بإمكانه اللّعب بورقة الدّين لصالحه، على النّحو والشّكل الذي يريد، لأجل التّخلص من التيارات الناصرية-القومية، وتضييق الخناق على الحركات ذات التوجهات اليسارية آنذاك. في سنة 1974، بدأ الجهاز الأمني المصري بانتهاج سياسة تدعيم التيار الديني، وتوفير هامش من الحرية غير المعهودة لأنصار الإسلام السّياسي.

اعتبرت الجماعات الإسلامية أن السادات خان المشروع الإسلامي الذي يحملونه، ظنًّا منهم أنّهم شركاؤه في الحكم أو التصور على الأقل؛ خاصة بعدما ظهر منه من مغازلةٍ ودغدغة لعواطف التيار الإسلامي السّياسية والدّينية.

ولأن السادات أراد ركوب موجة “التديّن الشعبي”، فقد أطلق على نفسه في لحظة بحثٍ عن “الزّعامة السياسية” وتأييد الغالبية المسلمة له لقب “الرّئيس المؤمن”، بُغية إصباغ صفة ولي الأمر على نفسه، في محاولةٍ منه لضمان تحالف القوى الإسلامية مع نظامه النّاشئ على فكرة دولة “العلم والإيمان”.

إرادة السادات في القضاء على رجال عبد الناصر، والبدء بتقويض الحقبة الناصرية وإنشاء العهد الساداتي على أنقاضِها، جعله يخطُب ودّ قوى الإسلام السياسي محاولا إطلاق يد التّيار الديني في الساحة السياسية. الأخير أراد بدوره، في إطار المصلحة المتبادلة، تثبيت جذوره في التربة المجتمعية لمصر، والاستفادة من هامش الحرية الممنوح من لدن السلطات، على قدر المُستطاع، مقابل تدعيم شرعية الرئيس أنور السادات داخل الأوساط المجتمعية عبر الإستناد على النصوص الشرعية القاضية بطاعة ولاة الأمور.

اقرأ أيضا: حسين الوادعي يكتب: كيف تنتصر للإرهاب باحترافية وبدون معلم. فيلم “اغتيال فرج فوده” نموذجا!

لكن… ما كلّ ما يشتهيه المرء يدركه؛ فقد نسي السادات لوهلةٍ، أو تناسى، أن الأيديولوجيات المتواجدة على السّاحة ما تنفكّ تحارب لحسابها الخاص، وسرعان ما تخرج عن الطّوع وتتمرّد كما سبق وفعلت غير ما مرّة.

لعبة التّوازنات السياسية التي تتكئ السلطة عليها بين الفينة والأخرى قد تعطي ثمارها تارة، وتبوء بالفشل أخرى. وهذا ما حدث فعلا، فسُرعان ما انقلب التيار الديني على السادات، وأمسى أكبر مهدّد لأركان حكمه التي سعى بكلّ ما أوتي من ذكاءٍ ودهاءٍ وحنكةٍ وقسوةٍ حتّى، لأجل تثبيتها، وتمكن في لحظةٍ ما من أنْ يسوغ لنفسه كلّ الأدوات العاديّة والدنيئة لتعزيز حكمه وسلطانه.

ولأن المصائب لا تأتي فُرادى؛ فلم يبدأ السادات في التقاط أنفاسه حتّى فوجئ مع نهاية السبعينيات، وهو الحريص على الإلتحام بالجماهير، بتراجع رصيده الشعبي لدى أغلبية الشعب المصري بسبب سلسلةٍ من القرارات والإجراءات الانفرادية والفُجائية بمنأى عن مستشاريه؛ والتي ساهمت، بشكلٍ أو بآخر، في تردّي الأوضاع على كافة المستويات والأصعدة، ممّا ولّد سُخطا شعبيا عارما في صفوف الجماهير، وتعالت نبرة الغضب الشعبي في الشّارع.

لم تكد تتوقّف الأمور عند هذا الحد حتّى انفجرت مظاهرات عام 1977 أو ما يسمّى بـ “انتفاضة الخبز”، التي أطلق عليها حينئذ “ثورة الحراميه”؛ والتي جاءت رافضة لقرارات النّظام الساداتي القاضي برفع الدعم عن السلع الأساسية. وقد زاد الطّين بلّة تدهور الأوضاع المعيشية للطّبقات الهشة والمتدنّية من الشّعب جراء الإندفاع العشوائي نحو تطبيق ما عُرف بـ “سياسة الإنفتاح” الاقتصادي.

ولأنّه من “قلب الأزمة تولد الفرصة”، فقد شكّلت هذه الأزمات السابقة الذّكر إلى جانب زيارة السادات إلى تل أبيب، وتوقيع معاهدة السّلام “كامب ديفيد” سنة 1978؛ فرصة أمام الجماعات الإسلامية التي باحت بالغضب الدّاخلي من نظام السادات غير الملتزم بمبادئ “الشريعة الإسلامية”. اعتبرت تلك الجماعات أن السادات خان المشروع الإسلامي الذي يحملونه، ظنًّا منهم أنّهم شركاؤه في الحكم أو التصور على الأقل؛ خاصة بعدما ظهر منه من مغازلةٍ ودغدغة لعواطف التيار الإسلامي السّياسية والدّينية.

سُرعان ما انقلب التيار الديني على السادات، وأمسى أكبر مهدّد لأركان حكمه التي سعى بكلّ ما أوتي من ذكاءٍ ودهاءٍ وحنكةٍ وقسوةٍ حتّى، لأجل تثبيتها، وتمكن في لحظةٍ ما من أنْ يسوغ لنفسه كلّ الأدوات العاديّة والدنيئة لتعزيز حكمه وسلطانه.

وبما أنّ القاعدة تقتضي بأنّ لكلّ فعلٍ ردّة فعل؛ فقد كانت ردّة فعل السادات عنيفة للغاية. في 3 سبتمبر 1981 بدأ بشنّ حملة اعتقالات واسعة شمِلت كلّ التيارات المتواجدة في السّاحة السياسية بُغية قمع السّياسيين المعارضين لاتفاقية “كامب ديفيد”، وتمّ اعتقال ما يزيد عن 1536 من رموز المعارضة السّياسية في مصر إلى جانب عدد من الكتاب والصحفيين ورجال الدين، وإلغاء إصدار الصحف المعارضة.

اقرأ أيضا: النبوة والمسألة السياسية… حين وجد العرب في ادعاء النبوة سبيلا لسياسة الناس! 3/1

ولأن “العناد يورّث الكفر”، لا بالمعنى الحرفي-الإصطلاحي للكلمة وإنّما بمعنى اليأس وعدم الإكتراث أو الإعتراف بأي شيء نتيجة التّسلط والإستبداد بالرأي؛ فقد سنّ السادات قوانين سيئة السمعة عطّلت الحريات، وطبّق ممارسات ضد الديموقراطية. ورغم أن قاعدة السّياسة وفن التّعامل المرن بمقتضياتها لا تتطلب عنادا، ولا تعترف بالعناد لأنه من شيم الديكتاتورية؛ إلّا أنّ السادات نسي أو تناسى هذه القاعدة، ورأى في نفسه أنّه الملهم وأنه الأذكى والقائد مقطوع الوصف ومنقطع النظير؛ فقد أهدف صدره العاري لكلّ القوى السّياسية والوطنية والاجتماعية والدينية في مصر؛ والتي باتت في حالة خصومة معه؛ فقرر أن يضع على طريقته نهاية لتلك الحالة من التّمرد والعصيان التي باتت تحاصره من كل جانب؛ ممّا جعله يتخذ قرارا عنيفا ضد كلّ الخصوم دفعة واحدة دون تفكّرٍ وتدبّر في عواقب الأمر.

 

لقراءة الجزء الأول: محمد أنور السادات… “رجل الظل” الذي صار رئيسا

لقراءة الجزء الثاني: محمد أنور السادات… الخروج من منطقة الظل. تصفية تركة عبد الناصر

لقراءة الجزء الرابع: محمد أنور السادات… الخطاب الأخير. حين وقع “الرئيس المؤمن” قرار اغتياله! 4/5

لقراءة الجزء الخامس: محمد أنور السادات… في الطريق نحو منصة الاغتيال. حين ينقلب الوحش على مروضه. 5/5

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *