الاقتباس في إنشاء الأحكام الفقهية و”الحدود الشرعية”: كيف تأثر الإسلام بالأعراف العربية وكتب اليهود 1/2
لم يكن النظام الفقهي الإسلامي بدعا من النظم القانونية، فقد تأثر بالأعراف والتقاليد العربية، والحضارات المجاورة لشبه الجزيرة العربية، ونظام العقوبات في الكتب المقدسة السابقة التي جاورها الاسلام بـ”يثرب”، معقل قبائل بني النظير وقينقاع وبني قُريضة اليهودية.
لأجل ذلك، جاءت الأحكام الفقهية الإسلامية خليطا متنوعا من كل تلك الروافد الثقافية التي ساهمت في خلق ما يسمى بالفقه الإسلامي، وكل من حاول ويحاول البحث عن إعجاز وإبهار علمي في هذه التشريعات، أو تمجيدها وتعظيم شأنها، فإنه يمجد ويعظم، بطريقة غير مباشرة، المصادر التي أُخذت منها، سواء كانت وثنية، أو أحكاما في الكتب المقدسة السابقة.
في غمرة النقاشات المحتدمة على وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها البديل الذي يوفر مساحة لا بأس بها من الحرية للحوار والنبش في الطابوهات ومساءلة المقدسات، تطفو على السطح الكثير من الأسئلة ممن قعدت بهم طرق الحجاج، وصدمهم ما حواه التراث الديني من مصائب، نُزِع عنها الستار الذي لطالما نشره شيوخ الكهنوت لستر عورات تاريخٍ مليء بالمغالطات والتناقضات والكذب والتزوير…
أسئلةٌ من قبيل:
– لِم هذه الهجمة الشرسة على الإسلام وحده دون غيره من بقية الأديان؟؟
– الاسلام غير مُحَكَّمٍ اليوم في كل الدول التي تعتبره الدين الرسمي للدولة، فلم تُتعِبون أنفسكم بالتحامل على دين نبذه أولياء الأمور؟
والجواب أن… الإسلام، وإن كان مقصيا من مدِّ عباءة أحكامه على كل شؤون المجتمعات المسلمة، لكنه حاضر في وجدان الشعوب، كدين مظلوم من أهله ومن “الحكومات الصليبية” التي لا تريد له العودة ليسوس الناس بعدله ورحمته. معظم استطلاعات الرأي، سواء التي أجريت ببلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أو على الجالية المسلمة بدول المهجر، تؤكد أن الغالبية العظمى من المسلمين تَحِنُّ لزمن الخلافة الراشدة وعودة الاسلام حاكما على الدين والدنيا.
هذه العقيدة الراسخة تجاه الاسلام وأحكامه، هي التي خلقت أجيالا من المسلمين منعزلة عن الواقع، تعيش بأجسادها في القرن الواحد والعشرين، بينما تفكيرها ومستقبلها، مرهون عند حقبة زمنية انقضت منذ أربعة عشر قرنا. كلما سنحت الفرصة لإظهار مكنون العقائد، لا تتوانى طوائف المسلمين في دعم التيارات الإسلامية في الاستحقاقات الانتخابية، أو الهجرة للجهاد بالنفس والمال مع الفصائل الجهادية كأسمى تعبير عن الولاء المطلق للدين الموعود بالنصر والتمكين.
تتوالى السنين والاخفاقات، تتقدم أممٌ وتُبنى حضارات، ولازالت نفس العقيدة تكبح ملكات المسلم ليعيش عصره بكل مستجداته، ويندمج في صبيب الحضارة المتدفق؛ فلا يُستغرب بعد كل هذا أن نجد بعض المفكرين، ممن تمكنوا من تشخيص الداء تشخيصا دقيقا، قد نذروا أنفسهم لتعرية ما يراه المسلم شيئا مقدسا لا ينبغي استكناهه، والنبش في تفاصيل حضارة بنيت على الغزو والسبي، واستجلاء التناقضات الصارخة في فكر جامد إقصائي مبني على قواعد متينة من الكراهية والعداء.
محاولات حثيثة لإرجاع العقل الاسلامي الى سكة الإنسانية، مبدعا ومساهما في بناء وخلق النماذج الحضارية، بعيدا عن موروث فقهي وفكري، كان صالحا في فترة زمنية معينة، متوافقا مع شروط عصره الاجتماعية وأنساقه الفكرية، متفاعلا مع بيئته الحضارية مقتبسا ومؤثرا.
ما كان من تشريعات تبدو، في وقتها، غاية في العدل والرحمة، كالأحكام المتعلقة بالاسترقاق وأحكام أهل الذمة… أصبحت اليوم شيئا متجاوزا ومدعاة للحرج والتضايق. من يدري، فربما بعد قرن أو قرون من الزمن، سيصبح نظام الإجارة المعمول به اليوم في مدونات الشغل شيئا مقززا عفا عنه الزمن، وتجاوزته التشريعات، أو نظام التمثيل الانتخابي لاختيار الحكومات ونواب الشعوب، هو قمة الاستبداد، بعد الظهور المحتمل، مستقبلا، لطرق مبتكرة أكثر ديمقراطية للحكم والحوكمة، فعجلة التطور العملاقة ستدوس في طريقها كل نقائص البشر التكنلوجية والفكرية.
سنحاول في هذ المقال، إذن، تسليط الضوء على بعض التشريعات التي كانت بنات بيئتها ونتاج محيطها الثقافي والاجتماعي، متعايشة غير مستنكَرة من وعي الشعوب التي أنتجتها وفق شروط عصرها ودرجة تحضرها. لكن، لا يمكن بحال من الأحوال، تأبيدها لسياسة حياة الناس في كل الأزمنة والأمكنة.
بعد انتقال الدعوة الاسلامية من فترة الاستضعاف والقهر بمكة، الى فترة القوة والتمكين بالمدينة، كان لابد من تشريعات مدنية لتنظيم المجتمع الوليد. تشريعاتٌ تهم ضبط حياة الناس في شتى مناحي الحياة وترتيب عقوبات زجرية لمعاقبة الجناة المنتهكين لخصوصية المجتمع الاسلامي.
وبما أن التشريع، لا بد له من مصادر يستقي منها أحكامه وقواعده القانونية، فلم يكن النظام الفقهي الإسلامي بدعا من النظم القانونية، فقد تأثر بالأعراف والتقاليد العربية، والحضارات المجاورة لشبه الجزيرة العربية، ونظام العقوبات في الكتب المقدسة السابقة التي جاورها الاسلام بـ”يثرب”، معقل قبائل بني النظير وقينقاع وبني قُريضة اليهودية.
لأجل ذلك، جاءت أحكامه خليطا متنوعا من كل تلك الروافد الثقافية التي ساهمت في خلق ما يسمى بالفقه الإسلامي، وكل من حاول ويحاول البحث عن إعجاز وإبهار علمي في هذه التشريعات، أو تمجيدها وتعظيم شأنها، فإنه يمجد ويعظم، بطريقة غير مباشرة، المصادر التي أُخذت منها، سواء كانت وثنية، أو أحكاما في الكتب المقدسة السابقة، وسيكون كمن يعمد لقوله تعالى في سورة الطور: “والبحر المسجور” ليستخرج إعجازا علميا عن تحركات الصفائح القارية والبراكين في قاع المحيطات، ولا يعلم المسكين أن نفس العبارة ذكرها الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى في شعره:
“لقد عرفت ربيعة في جذام *** وكعب خالها وابنا ضرارِ
لقد نازعتم حسبا قديما *** وقد سَجرَت بحارهم بحاري”
…أو من يتعسف على قوله تعالى: “والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب”، ليستخرج بعض صفات النجوم النيوترونية، وقد غاب عن ذهنه أن النجم الطارق، ذكرته “زبراء” كاهنة بني رئام قبل البعثة بسنوات في قولها: “واللوح الخافق والليل الغاسق والصباح الشارق والنجم الطارق والمزن الوادق، إن شجر الوادي ليأدو خَتْلًا، ويحرق أنيابًا عصلًا، وإن صخر الطود لينذر ثكلًا، لا تجدون عنه مَعْلًا”.
وسنضرب بعض النماذج لبعض التشريعات الجنائية، أو ما يعرف اصطلاحا بالحدود الإسلامية، التي سَنَّها الإسلام كعقوبات جنائية، محاولين تبيين استمداداتها، والمصادر التي أُخذت منها، ليس تنقيصا من قيمتها، ولكن لبيان أن الأحكام الإسلامية في جملتها، كباقي الأحكام والقوانين في كل زمان ومكان، تتأثر بمحيطها وتتفاعل مع ثقافة المجتمع الذي صِيغت فيه.
– حد السرقة: حد السرقة في الإسلام هو قطع اليد اليمنى من الرسغ، عقوبة على مسروق مُقوَّم في ربع دينار فصاعدا. هذه العقوبة كان معمولا بها في المجتمعات “الجاهلية”، الى أن جاء الإسلام فأقرها وعمل بها. قال الشنقيطي في أضواء البيان: وَقَطْعُ السَّارِقِ كَانَ مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَقَرَّهُ الْإِسْلَامُ. وَعَقَدَ ابْنُ الْكَلْبِي بَابًا لِمَنْ قُطِعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِسَبَبِ السَّرِقَةِ، فَذَكَرَ قِصَّةَ الَّذِينَ سَرَقُوا غَزَالَ الْكَعْبَةِ، فَقُطِعُوا فِي عَهْدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَذَكَرَ مِمَّنْ قُطِعَ فِي السَّرِقَةِ: عَوْفَ بْنَ عَبْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ، وَمَقِيسَ بْنَ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَهْمٍ، وَغَيْرِهِمَا، وَأَنَّ عَوْفًا السَّابِقَ لِذَلِكَ… وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَقَدْ قُطِعَ السَّارِقُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَوَّلُ مَنْ حَكَمَ بِقَطْعِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ… فَكَانَ أَوَّلُ سَارِقٍ قَطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الرِّجَالِ: الْخِيَارَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مُنَافٍ.
– حد الزنا: الزنا هو علاقة جنسية رضائية خارج إطار الزواج كما هو متعارف عليه في الشرائع الدينية، حرمها الإسلام وعاقب عليها بالجلد للعزاب، والرجم حتى الموت للمتزوجين، وهي عقوبات لم تكن معروفة عند المجتمع العربي، الذي كان متساهلا مع أنواع “الزنا” الشائعة في شبه الجزيرة العربية. لكن، عند انتقال الرسول إلى المدينة ومخالطته لليهود، اقتبس من شرائعهم التوراتية حد الزنا. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من طريق مالك بن أنس عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟»، فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إنَّ فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم؛ فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، قال عبد الله: فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة”. والحديث يدل دلالة واضحة أن الرسول حكم بالرجم، الذي نصت عليه التوراة في هذه الواقعة، ثم جاءت بعد ذلك آيات سورة النور لتشريع حد الجلد في حق العزاب، وكلا الحُكمين بنص الحديث، وردا من طريق اليهود، وقد نصت التوراة على عقوبة الرجم في سفر التثنية 22 – 21: “يُخْرِجُونَ الْفَتَاةَ إِلَى بَابِ بَيْتِ أَبِيهَا، وَيَرْجُمُهَا رِجَالُ مَدِينَتِهَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى تَمُوتَ، لأَنَّهَا عَمِلَتْ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ بِزِنَاهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ….”، وهذا التشدد في عقوبة الزناة، استقاه اليهود أنفسهم، من قوانين “حمورابي” أثناء تواجدهم في بلاد الرافدين إبان السبي البابلي. جاء في المادة 129 من شريعة حمورابي التي خصصنا لها ملفا كاملا على مرايانا، تجدون على هذا الرابط الجزء الأول منه: “إذا قبض على امرأة مضطجعة مع سيد، فيجب عليهم أن يوثقوهما ويلقوهما في الماء. ويمكن لزوج المرأة أن يُبقي زوجته على قيد الحياة إذا رغب، كما يمكن للملك أن يخلّي حياة أمَته”.
لقراءة الجزء الثاني: الاقتباس في إنشاء الأحكام والحدود الشرعية: تشريعات أخذها الإسلام عن اليهودية… وأخذها اليهود عن حضارات سابقة 2/2
مواضيع قد تهمك:
- مسَّ يقينيات وقطعيات من الدين: التأويل الاضطراري!
- محمد عبد الوهاب رفيقي: كيف نصنع هويتنا… غير القاتلة؟
- Marayana TV: حسين الوادعي: هل القرآن كلام الله وهل أحكامه خالدة وهل تم جمع القرآن كاملا؟
- من اليمن، حسين الوادعي يكتب: هل يمكن أن تكون الأحاديث مصدر تشريع؟
- المقدسون الثلاثة: الخبز، الثور، الحوت. حين تصير الأرض يوم القيامة خبزة 1/2
- المقدسون الثلاثة: الخبز، الثور، الحوت. حين يقف الثور فوق الحوت… ويحملان الأرض 2/2
وما الغرابة ان استنبطت الشريعة الاسلامية احكاما من التوراة او الانجيل اليسا كتابين سماويان رغم ما طالهما من التحريف؟؟؟تجتهدون لايجاد عورات للاسلام بينما نسيتم عوراتكم!!!
يقول تعالى:”و أنزلنا إليك الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب و مهيمنا عليه” و هذا أكبر دليل على أن التشريعات الإسلامية أكدت ما كان موافقا لأحكامها من أحكام التشريعات و الأقوام السالفة كما أن من بين مصادر التشريع الإسلامي مصدر “شرع من قبلنا” إذا كان موافقا لما جاءت به الشريعة الإسلامية كما أن الإسلام هو دين جميع الرسل و الكتب السماوية السابقة و إن لم يذكر بالإسم فإن تعاليمه واضحة و جلية فهو ملة أبينا إبراهيم عليه السلام فلا غرابة أصلا في هذا الجانب إلا أن البعض يحب أن يصطاد في الماء العكر و ينسى أن العلمانية ليست بدين حتى تنفعه أو تنفع أمثاله فالإسلام هو دين العالم رغم أنفه