تندر، هامبل والبقية: الحب والجنس… في العالم الرقمي
ربّما، في عالم يسير نحو رقمنة كلّ شيء، وجد الباحثون عن شريك أو شريكة فرصة في تطبيقات المواعدة، علّ ذلك يجلبُ رفقة استعصت في الواقع. تطبيق تندر Tinder يعدّ الأكثر شعبية في المغرب في صفوف “العزّاب”، رغم أنّ ضيوف التطبيق منهم متزوّجون بهوّيات مخفية.
هذا التطبيق، كغيره من تطبيقات المواعدة، يمتاز بكونه يخوّل لمستخدميه العثور على بروفايلات أو فرص مواعدة قريبة منهم جغرافيا، من خلال تقنية “الجي بي إس”. لكن، ماذا عن تفاصيل الخروج بتلك العلاقة الثنائيّة بين الشّاب والفتاة من الفضاء الافتراضي إلى العالم الواقعي؟
تطبيقات مغلّفة بالكذب؟
في دردشة مع مرايانا، قال حكيم (26 سنة)، من مراكش إنّ كلّ علاقاته التي تمّت عبر تطبيق تندر أو هامبل كلّلت بالفشل، لأنه “كان هناك تزييف كبير يحدث من طرف الفتاة حين التواصل على التطبيق. لكن، في الواقع، تصطدم بشيء آخر؛ خصوصا العقليات والجرأة. هذه تتبدل بين الواقع والفضاء الرقمي”.
أحيانا، يضيف حكيم، “تصادف فتاة تستخدم صور فتاة أخرى، هذه نقطة مشتركة بينهم وبين الشباب أيضا. بمعنى أنه، وأنت تلج هذه التطبيقات، عليك أن تتسلح بمناعة قوية حتى لا تنطلي عليك الخدع المتداولة. هذه التطبيقات ليس فيها مجال للسذاجة، لأن الولوج إليها لا يتم دائما بنوايا حسنة، بل في الغالب بتصورات جنسية خالصة”.
حكيم يذكر أن وجوده بتلك التطبيقات انتهى بحكم العمل. لذلك، لم تعد تلك الرغبة قوية كما في السابق، حين كان بدون عمل ويسعى إلى تزجية الوقت في الهاتف. “الفتيات حين التقيتهم كنت أحسني في فيلم غريب، كنت أشعر أنني أتعرض لعملية نصب عاطفي كبيرة، وأنا أيضا كنت أمارس النّصب حينها”، يقول موضحا.
“معظمنا يبحث عن علاقة عابرة، لكني كنت أكره تلك الطهرانية التي يتم الدفع بها في البداية”، هكذا يعلق حكيم مسترسلاً: أحب الوضوح كثيراً. كنت أعرف عاملة جنس تستعمل التطبيق وتخفي مهنتها. كانت تلك التطبيقات مجرد فضول. لذلك لم يثرني ذلك العالم، وبمجرد وجود مبرر موضوعي غادرته دون رجعة”.
هبة الله (20 سنة) لا تنفي الكذب الذي يطبع تطبيقات التعارف والمواعدة إجمالاً، لكنها تعتبر، في تصريحها لمرايانا، أن ولوجها إلى تندر لا يعدو أن يكون سعيا لتعميق صداقاتها والبحث عن أخرى جديدة. الكذب موجود بالفعل، وأصادفه أيضا. هناك من يلتقط صورة بسيارة معينة ويضعها في البروفيل ليثير الاهتمام بما يملك. لكن كلّ من يتحدّث إليّ أسطّر له بأدبٍ سبب نزولي بهذا التطبيق أو ذاك: الصداقة.
لا شيء آخر يمكن توقّعه بالنسبة لهبة الله، فهي تعتبر “الاستعمال المكثّف لهذه التطبيقات بغاية الحصول على شريك جنسي بسرعة ليس دائما هو المحرك المفصلي لاستخدام التطبيق. الكذب هو الذي أفسد طرافة التطبيق، والبحث عن الجنس، حصراً، حطّم قيمة التطبيق في الأساس”.
أما إكرام (24 سنة)، فتحكي، بدورها، مشاهدا من قصص يصعب تصديقها، “فالحديث عن المال والماديات عند بعض من واعدتهم يجعلك تحسّ وكأنك تواعد “بيل غيتس” أو “إيلون ماسك”. هناك من يقيس وجوده بالمال ويظنّ أنّ ازدراء النّقود والحديث عنها كأنّها شيء بلا أيّة قيمة، هو السبيل الوحيد لكي يبهرك. في الواقع، أنا أعدّ ذلك تسويقا لنقص فظيع ولأمراض نفسيّة عميقة. هو جنون عظمة تسبّب فيه المال حيث يشعر صاحبه أنه بوسعه أن يشتري أي شيء.
“حتى أحلام النساء، يعتقد أنه باستطاعته تحقيقها بمجرد المرور على سريره”، تقول إكرام قبل أن تردف: أحيانا، يشعرك استعمال هذه التطبيقات أنها أصبحت ملاذا للمرضى النفسانيين لأن الوضع يتجاوز المواعدة، ليبلغ أشياء أكثر خطورة. الصورة التي ترسم لك في الافتراضي مناقضة تماما للواقع الموضوعي”.
المخاطر الممكنة؟
في جواب على سؤال مرايانا بخصوص هل سبق وتعرضت للتحرش أو محاولة اعتداء جنسي في لقاء مباشر مع شخص تعرّفت عليه على هذه التطبيقات، تقول سماح (29 سنة)، إنّ ذلك قد صار شيئا روتينيا بسبب الفهم الذي ساد عند العديد من المستخدمين الشباب، والذين أصبحوا مقتنعين بأنّ كل من تلج تندر هي مهنية جنس.
مرّة، خرجت سماح مع شخص تعرفت عليه على هذا التطبيق. لكن كيف كانت التجربة؟ تقول إنه “كان شخصا أنيقا في فكره، أو ربما يدعي ذلك ويظهر خلاف ما يُبطن. لكن، حين التقينا، بدأ يتحدث عن الجنس والممارسة: هل تعرفين القيام بهذه أو هل سبق وجرّبت هذه! لم أصدر ردّة فعل بما أنّني داخل سيارته، إلاّ أن حديثه كان واضحا أننا سنمارس الجنس، لا أعرف من أين حصل على موافقتي!”.
تصف سماح الموقف بالمقرف، وتذهب بعيدا إلى القول بأنه “في لحظة أمسك يدي، وبدأ يتحدث عن نفسه، طلبت منه أن نخرج خارج السيارة، فتقدم لتقبيلي. لم أعرف ما الذي حدث أحسست وكأنني أحلم، لم يكن شيء من ذلك مبرمجا في ذهني. كنت أعتقده لقاء تعارف قد نذهب به بعيدا، لكنه أفصح منذ البداية عن رغبته المكبوتة.
تختم سماح قائلة: “طلبت منه أن نعود إلى مقهى داخل المدينة، ونفّذ لأنه لم يرغب في إرغامي على شيء واحترم رغبتي. كان تحرشا فعلاً، غير أنه لم يتمادَ في صنيعه. توقف وأعادني حيث التقينا. حظرته مباشرة رغم اعتذاراته المتكررة”.
من جهة أخرى، تعود الذاكرة بإلهام إلى سنة 2019، حين تعرّفت على رجل خمسيني يستعمل التطبيق، يقطن بحيّ السويسي بالرباط. إلهام التي كانت طالبة صحافة بالسنة الأولى حينها، تقول إنه “بدا رجلا متعقلا ويتحدث الفرنسية بطلاقة مبهرة. ظننت أنه فقط شاب بهوية مزيفة. لكن، حين مررنا إلى الواتساب، تأكدتُ أنّه حسابه الحقيقيّ.
التقت إلهام الرجل الخمسينيّ مراراً، غير أنها تؤكد أنه “لم يصدر منه أي سلوك طيلة لقاءاتنا، ذهبنا إلى بيته بالسويسي، وكان سعيدا جدا بزياراتي، ولم يجعلني أشعر يوما أنه يرغب في شيء يخفيه. كنا نتعشى معا في بيته وكان حريصا جدا على تفاصيلي ودراستي، كان يشعرني كأنه أبي وأنا أعجبني ذلك الوضع كثيرا. كان هو أيضا يحتاج فقط فتاة في ريعان الشباب لتشعره أنه لازال فتيّا. وجودها فحسب بجانبه يشعره بذلك”.
تشدد إلهام على نقطة أنّ “الذهاب مع غريب إلى بيته مسألة غاية في الخطورة قد تعرض الفتاة للاغتصاب أو أي خطر آخر، لكنني كنت ساذجة حينها ووثقت به. للأمانة، فهو لم يقم بأي سلوك سيء تجاهي، لذلك أعتبرني محظوظة لأنه لم يحدث شيء خطير، رغم أنه هناك احتمالات كبيرة لكي تحدث. خصوصا أن المنطقة التي يقطن بها في السويسي خالية”.
لاحظت محدثتنا وقتها أن الرجل “لم يذكر قطّ هل تزوج من قبل أو لا أو أين هي زوجته، إلخ. فجأة، قطع اتصاله بي. ربما تعرف على أخرى. كبار السن يصيبهم الملل سريعا. كان كتوما جدا، بالمقابل كان يعرف كل شيء عن حياتي. كان ناضجا جدا وكنت ساذجة جدا. لهذا، أعتبر الأمر ضربا من الحظّ أن كل المخاطر انتفت وقتها”.
انفلات… لكن بشروط!
هناك تفسيرات سوسيولوجية تقول بأنّ تطبيقات التعارف هذه، هي ترجمة لقيم شباب يغادر بصرامة مختلف أشكال الحياة التقليدية؛ خصوصا أنّ العديد من الزيجات تمّت بناء على تطبيقات المواعدة حين تلتقي الشروط الموضوعية مع الذاتية عند الشريكين. إنما، يبقى السؤال، هل الزواج لازال غاية لهذه التطبيقات كما يعتقد الكثيرون؟
يزكي هذا الطرح الأخصائي في علم النفس الاجتماعي محسن بنزاكور، معتبرا أنّ فرص الالتقاء في تنامي، حتى اندحر دور الخطّابات وأفل، على الأقل في المدن الكبرى. هذه التطبيقات جعلت فرص الالتقاء ممكنة وسهلة بالنظر إلى عنصر السرعة والفعالية. ظاهرة تطبيقات المواعدة هي استثمارية أكثر منها سوسيولوجية أو اجتماعية. لأن ثمّة مستثمرون قرروا خلق تطبيقات للتعارف، تخلق ربحا معينا.
كثير من الحالات التي ترد بنزاكور، ولها علاقة مباشرة بهذه التطبيقات، تكون فاشلة، لأنها تنبني في أحيان على الكم والتكرار الذي يفضي في النهاية إلى الضّجر. هناك من يكون له أثر عكسي ونتيجة مخيبة للأمال كالتعرض للتحرش ومحاولة الاغتصاب، ما أفقد هذه التطبيقات قيمتها في المغرب وأصبحت صورتها مزرية في أذهان الكثيرين.
بنزاكور يقول في حديثه لمرايانا إنّه، إذا ساد “سلوك استغلال التطبيق لأجل المتع الجنسية حصرا، فالإشكال ليس في التطبيق في حد ذاته، بل في التربية الجنسية المغيّبة وفي العلاقة مع الآخر وفي اعتبار الآخر وفي النظرة إلى الآخر، إلخ. لو كنا في المجتمع الواقعي أو كنّا في التّطبيقات، سنعكس مثل هذه المظاهر.
هذه التطبيقات هي نقل موضوعي لما يعتمل فينا شعوريًّا إلى الرقمية فقط ومحاولة إخراجه مجددا إلى الواقع. لكن، حينما نتحدث عن ربط العلاقة فالأمر لا يتعلق طبعا بالزواج فقط، بل أيضا بالنوايا التي تحكم هواجس الشخص الراغب في ربط تلك العلاقة. سوف نجد كل النوايا الممكنة طيبة وخبيثة”.
في النهاية، حين تسأل فتاة هل تستعمل تطبيق تندر فتحسّ بصدمة وكأنّ استعمال التطبيق خطيئة أخلاقية، فهذا يخبرنا بما بلغه الوضع من سلوك… وحين نصل هذا المستوى، فالسؤال الجوهري: هل هناك رغبة حقيقية في الرقي بعلاقتنا مع الجنس الآخر ذكرا كان أو أنثى؟
سؤال لا تجيبنا عنه تطبيقات مواعدة محايدة في أصلها وتصلح لكلّ استغلال، إنما الجواب موجود في تمثلنا للعلاقات بين الجنسين، وفي تمثلنا للجنس ولسبل تحصيله.
مقالات قد تثير اهتمامك:
- خطر الثورة الرقمية…هل نُسفت قيم الديمقراطية وصار الإنسان عاريا؟ 2/1
- من فرنسا، الباحث السوري وسام الناصر يكتب: الوجه الآخر لفيسبوك: مستنقع الكراهِية والعدوانيّة
- كوثر بوبكار، من أبرز الباحثين في ميدان النانوتيكنولوجيا في العالم، تكتب: ما بعد الحقيقة…
- تيك توك، إنستغرام، سناب شات… هوس الشهرة و “غزو الحمقى”
- استخدام المغاربة للشبكات الاجتماعية… حينما يصبح الافتراضي واقعا!
- كوثر بوبكار تكتب: التكنولوجيات الحديثة: بين تحرير النشر وانتشار الهراء 1/2
شكراً
Choukran lakoum jami3an
احسن موقع