سلمى أم زمل: هل حاربت هذه المرأة الإسلام فعلاً؟ - Marayana - مرايانا
×
×

سلمى أم زمل: هل حاربت هذه المرأة الإسلام فعلاً؟

سلمى أم زمل. اسمها الكامل هو سلمى بنت مالك بن حذيفة بن بدر الفزارية. والدتها هي أم قرفة فاطمة بنت ربيعة بن بدر الفرزارية، التي حيّرت طريقة قتلها وشقها إلى نصفين، العقلَ العربي وكلّ من اطلع على نهايتها البشعة.

قيل إنّ سلمى هذه أسرت في بيتها وتم سبيها، وقيل إنها كانت محاربة ضد سرية زيد بن حارثة، وقيل إنها أهديت لحزن بن وهب، وقيل إنه أصبحت أمة لعائشة فأعتقتها… وقيل كلّ شيء عنها، دون أن نستطيع تبيّن مشاهد موضوعية من حياتها.

فمن هي سلمى أم زمل؟ وما كان مصيرها بعد تمزيق والدتها أم قرفة؟ وهل حكايتها محفوفة بالمخاطر والمزالق التاريخية مثل والدتها؟ وكيف يمكن تقديم صورة كافية عنها في ظلّ زخم تاريخي مؤدلج؟

ابنة أم قرفة!

هناك اختلاف حتى فيما يتعلّق باسم ابنة أمّ قرفة، التي تعرّضت للأسر بعد شقّ والدتها وتمزيقها أثناء غزوة بني فزارة. حتى أنّ هناك اختلافا في من أُهديت له بعد سبيها.

الرّواية التي ينقُلها الطّبري عن ابن إسحاق، لا يذكر فيها أي اسم للأسيرة، بينما حين ينقل الرواية عن سيف بن عمر، ترد باسم سلمى أمّ زمل. أمّا عند ابن حبيب، فقد جاء اسمها هند ابنة مالك، وأن النبي وهبها إلى سلمة بن الأكوع، رغم أن الروايات الأخرى تصبّ في أنّ سلمة هو من وقعت في سهمه ابنة أم قرفة خلال الغزوة، ووهبها للنبي.

أمّا ابن حجر، فيقول: وسلمى ابنة مالك بن حذيفة بن بدر الفزارية، وهي أم قرفة الصغرى، كانت تشبهُ في العزّ جدّتها أمّ قرفة الكُبرى، التي قتلها زید بن حارثة.

ابن حجر لا يجعل سلمى ابنة مالك فحسب، بل يعتبرها حفيدة أم قرفة. فكيف لزوج أم قرفة مالك أن يكون أبا لفتاة هي حفيدة زوجته؟

بعيدا عن هذا التجذيف الذي لاحق عملية التأريخ في حكاية سلمى ابنة أمّ قرفة، فالرّاجح أنّها وهبت للنبي، غير أنه عاد الاختلاف مجدداً إلى الشخص الذي أهديت له بعده.

الروايات الغالبة في هذا الاتجاه أنّ النبيّ أهداها إلى خاله حزن بن وهب، الذي كان “مُشركاً”، فولدت له عبد الرحمن بن حزن، وتكاد أغلب الروايات تجمع على ذلك. يقول الحلبي، مثلاً: فوهبها النبي لخاله حزن بن أبي وهب بن عائذ بمكة، وكان من أشرافها، فولدت له عبد الرحمن بن حزن، وقيل لحزن خاله، لأن فاطمة أم أبي محمد هي ابنة عائذ، وعائذ هو جد حزن لأبيه، وفي لفظ ابنة عمرو بن عائذ.

رواية ابن سلمة التي رواها مسلم، ثم جاءت في تاريخ الطبري، يقول فيها مسلم: فبعث بها النبي إلى أهل مكة، ليفدي بها أناسا من المسلمين، كانوا قد أسروا بمكة.

مع أن رواية ابن سلمة عن أبيه سلمة بن الأكوع تذهب إلى أن الحملة التي ذهبت إلى بني فزارة كانت بقيادة أبي بكر، وهي في الحقيقة تختلف كثيراً عن ما ذكر في الروايات السابقة التي ذكرت حملة زيد بن حارثة، كما ورد في دراسة بحثية معرفية رصينة بعنوان: “حركة النص التاريخي/ غزوة بني فزارة ومقتل أمّ قرفة”، أنجزها سامي جودة بعيد الزيدي.

لكن، الغريب أن بعض المؤرخين حاولوا الجمع بين الروايتين، أو على الأقل، أن يجدوا تخريجا مقبولا لها… فقد ذكر أن الشمس الشامي حاول الجمع بين الروايتين حيث قال: يحتمل أنهما كانتا سریتان، اتفق أن اشترك فيهما سلمة بن الأكوع، أي إحداهما كانت لأبي بكر، والأخرى لزيد بن حارثة، ولعل ما يؤيد ذلك أنّ رسول الله بعث ببنت أم قرفة إلى مكة في سرية أبي بكر، ففدى بها أسرى المسلمين كانوا بأيدي المشركين، وفي سرية زيد فقد وهبها لخاله حزن في مكة، قال: ولم أر من تعرض لتحرير ذلك.

غير أنّ الحلبي يردّ على هذه الرّواية قائلاً: أقول إن في الجمع بين الروايتين نظر، إذ يقتضي من خلال الجمع أن أم قرفة تعددت، وأن كل واحدة كانت لها ابنة جميلة، وأن سلمة بن الأكوع أسرهما الاثنين، وأن النبي أخذهما منه، وفي ذلك بعد، إلا أن يقال: أن لا تعدد لأم قرفة، وقد توهم بعض الرواة في تسمية المرأة في سرية أبي بكر بأم قرفة، ويدل على ذلك أن بعضهم أوردها ولم يسم المرأة أم قرفة، بل قال: “وكانت فيهم امرأة من بني فزارة، معها ابنة لها، من أجمل العرب، فنفلني أبو بكر بنتها، فقدمنا المدينة، وما كشفت لها ثوبا، فلقيني النبي في سوق المدينة، مرتين في يومين، فقال لي: يا سلمة، هبني المرأة، فقلت يا رسول الله: هي لك، فبعث بها إلى مكة، ففدي أناسا، كانوا أسرى بمكة”.

سلمى عند عائشة؟ 

يقول ابن الأثير: كانت سلمى بنت مالك بن حذيفة بن بدر الفزارية من ذوات الزعامة في النساء. وكانت على دين الجاهلية. وسبيت في صدر الإسلام، فأعتقتها عائشة، فرجعت إلى قومها، ودعت إلى الردة عن الإسلام. فاجتمعت حولها فلول من غطفان وطيء وسليم وهوزان، وعظمت شوكتها. فسار إليها خالد بن الوليد في أيام أبي بكر.

في رواية أخرى، تصبّ في ذات الاتجاه، يقول الطبري، راويًا عن سيف بن عمر: واجتمعت فلال غطفان إلى ظفر، وكانت بها أم زمل وهي سلمى ابنة مالك بن حذيفة وكانت تشبه بأمها أم قرفة بنت ربيعة… فاجتمعت تلك الفلال إلى سلمی، وكانت سلمى في مثل عز أمها، وكانت على جمل أم قرفة، فنزلوا إليها فحرضتهم على القتال وأمرتهم بالحرب، وصعدت الجمل سائرة فيهم، وصوبت تدعوهم إلى حرب خالد، فلما اجتمعوا لها، وتشجعوا على ذلك، وقد انضم إليها الشرداء من كل جانب.

يضيف الطبري أن النبي كان قد دخل على عائشة وسلمى يوما، فقال: سوف تستنبح إحداكن كلاب الحوأب، ففعلت سلمى ذلك لما ارتدّت وطلبت بذلك الثأر، فسارت بین ظفر والحوأب تجمع إليها، وقد تجمع إليها كل فل منهزم، ومضيق عليه من تلك الأحياء، من هوازن وغطفان وأسد وسليم وطيء، فلما بلغ خالد ذلك، سار إلى المرأة، وقد كان أمرها استكثف وشأنها غلظ، فنزل عليها وعلى فلولها، فاقتتلوا قتالا شديداً، وكانت واقفة على جمل أمها، حتى قيل أن من ينخس جملها فله مائة من الإبل لعزها… واجتمع على الجمل فوارس عدة، فعقروه، وقتلوها، وقد قتل حول جملها مائة رجل، وبعث خالد بالفتح.

لكنّ الغريب في هذه الرواية أنها غير دقيقة، وخصوصا أن سيفا، الذي ينقل عنه الطبري، يعتبر ضعيفا عند “أهل الحديث”. ومن جهة أخرى نجد أحمد بن حنبل، يقول: أن عائشة لما أقبلت، بلغت ليلا مياه بنی عامر، فنبحت الكلاب، قالت أي ماء هذا ؟ قالوا لها: أنه ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا أني راجعة!!، فقال لها بعض من الذين معها: بل تقدمين معنا فيراك المسلمون، فيصلح الله بك ذات بينهم، قالت: إن رسول الله قال لي ذات يوم، أن إحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب.

ووفق ابن حجر فإنّ حديث الاستنباح كان بين نساء النبي وليس بين غيرهن، ناقلا عن عكرمة عن ابن عباس قال: أن رسول الله، قال يوما لنسائه، أيتكن صاحبة الجمل الأدب، تخرج فتسنبح كلاب الحوأب، فيقتل أناس كثيرة عن يمينها وعن شمالها، حتى أنها تنجو من بعد ما كادت. وقد رواه البزار، ورجاله ثقات.

بيد أنّ هذه الرواية الشائعة في التاريخ، والتي مؤداها أن سلمى أعتقتها عائشة، تحيل على أنّها لم تهادن المسلمين، ولعبت دوراً هاما في مسرح التاريخ الإسلامي بمساهمتها في ما سمي بحروب الردة ضدّ أبي بكر، وضد جيوش خالد بن الوليد.

لا شكّ، إذن، أنّ سلمى أخذت تحتَلّ ذات مكانة والدتها، وفق هذه السردية، لأنها أصبحت زعيمةً لقبيلتها، وهي عادة لم تكن عند العرب، وسميت جبالٌ باسمها، وهي جبال سلمى، تخليداً لبسالتها وضراوتها الحربية في أرض المعركة ضدّ جيوش.

جرت المعركة حسب المؤرخين عام 11 هجرية، أي بعد خمس سنوات على شقّ والدتها أم قرفة. ويحكى أن هذه المعركة كانت من أصعب حروب الردّة حيث اضطرّ خالد بن الوليد، غداة أن وضعت الحرب أوزارها، إلى إراحة جنوده لبضعة أيام، ليستعدوا لمعارك أخرى بالبطاح ضدّ مالك بن نويرة.

هكذا… انتهت حكاية سلمى أمّ زمل بموتها. غير أن قصتها، على غرار حكاية والدتها، ظلّت غامضة. فما كان مصيرها بعد أسرها؟ هل حاربت الإسلام والمسلمين فعلا ثأرا لشقّ والدتها؟ وهل أسلمت، حقًّا، ثمّ ارتدت؟ وماذا يعني تسمية ابنها بعبد الرحمن؟

القراءات الأيديولوجيّة والتأويلات ذات النوايا المبيّتة تمنعنا من تكوين صورة دقيقة وشافية عن هذه المرأة الفريدة في التاريخ الإسلامي.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *